التعيينات الملكية الأخيرة في بعض المؤسسات الدستورية تثير العديد من التساؤلات حول هدفها الحقيقي ومدى تأثيرها على المشهد السياسي في المغرب. بينما يراها البعض خطوة نحو تجديد الدماء وإصلاح المؤسسات، يعتقد آخرون أنها تعكس محاولة لفتح الباب أمام تعزيز سيطرة السلطة التنفيذية على مؤسسات تشرف على الرقابة والتنظيم.
هل التعيينات الملكية هذه مؤشر على تحول حقيقي في هيكل الدولة؟ أم أنها مجرد تأكيد على الهيمنة المتزايدة للسلطة التنفيذية على المؤسسات السياسية والاقتصادية؟
التعيينات الملكية: توازن القوى في مواجهة المعارضة
لطالما كانت التعيينات الملكية ذات أهمية كبيرة في توجيه السياسة العامة في المغرب، إذ إن الملك هو الذي يختار الأشخاص الذين سيشغلون المناصب العليا في الدولة. ولكن في ظل الظروف الحالية، يمكن ملاحظة تغييرات قد تثير العديد من الأسئلة حول مدى استقلالية المؤسسات من قبضة السلطة التنفيذية، وعلى رأسها حكومة عزيز أخنوش.
في الوقت الذي يعتقد فيه البعض أن هذه التعيينات تأتي في سياق تصحيح المسار وإعادة تفعيل المؤسسات لتخدم مصالح الشعب، يعتقد آخرون أن هناك نوعًا من التحرك الخفي الذي يهدف إلى استيعاب أي معارضة أو أصوات تنتقد الحكومة، وبالتالي تحييدها.
علاقة عزيز أخنوش بعمارة: هل هو مجرد “ورقة في يده”؟
علاقة عزيز أخنوش مع الوزير السابق عبد العزيز عمارة تعتبر واحدة من أبرز النقاط التي تحتاج إلى تدقيق. عمارة، الذي كان في البداية ينتمي إلى حزب العدالة والتنمية، دخل الوزارة في ظل تحالفات مع مختلف الأطراف السياسية. إلا أن هناك من يذهب إلى أبعد من ذلك، ويعتبر أن عمارة كان يشكل حلقة وصل بين أخنوش وبين المؤسسات التي تحتاج إلى تنسيق لتمرير مشاريعه.
في هذا السياق، يبدو أن عمارة قدّم خدمات قيمة لأخنوش في تحصين سلطته في بعض المؤسسات، مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، من خلال القضاء على أي معارضة قد تهدد استقرار سياساته ومشاريعه. فمن خلال تعيين عمارة على رأس هذا المجلس، تبدو لمسة أخنوش واضحة في ضبط و إعادة توجيه هذه المؤسسة لصالحه. وهو ما يعكس استراتيجية متزايدة للتحكم في مفاصل الدولة.
هل كان تعيين عمارة على رأس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بداية خطة دقيقة من أخنوش لتوسيع نفوذه، وتحقيق أهدافه السياسية والاقتصادية؟ هل كان تعيين عمارة مجرد وسيلة لضمان استمرار الهيمنة على المؤسسات التي يمكن أن تُحد من سلطته؟
اختراق “الدولة العميقة”: هل نحن أمام دولة داخل الدولة؟
أحد الأبعاد المهمة التي لا بد من تسليط الضوء عليها هو ما أشار إليه حسن أوريد حول “الدولة العميقة”، التي وصفها بأنها أصبحت تتحكم في مفاصل الدولة. وفقًا لهذا الطرح، يبدو أن هناك اختراقًا غير معلن قد حدث داخل العديد من المؤسسات الدستورية، مما يعني أن الدولة أصبحت تحكم من خارج حدود السلطة الرسمية. من خلال تحكم الحكومة في العديد من هذه المؤسسات، بدأت السلطة التنفيذية في تعزيز نفوذها من خلال التعيينات والاستحواذ على المؤسسات، مما يخلق حالة من التوازن السلطوي الذي يخدم مصالحها بشكل رئيسي.
التحكم في مؤسسات الرقابة والمحاسبة، مثل المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، يعزز هذا الوضع ويظهر أن السلطة التنفيذية قد تكون قد اجتازت الخطوط الحمراء في مسألة استقلالية المؤسسات.
المحاربة الحقيقية للفساد: المسؤولية التي تنتظر التعيينات الملكية
إن المحاربة الحقيقية للفساد تتطلب مسؤولين مستقلين وقادرين على التشخيص الدقيق والتقييم الموضوعي، صادقين في التقويم والقول، وحازمين في الفعل. هؤلاء المسؤولون يجب أن يكونوا جادين في سلوكهم، مخلصين في توجيه السياسات وتقديم البدائل الحقيقية. وليس من المقبول أن يستمر وجود مسؤولين بارعين في دبلوماسية الكلام فقط دون أفعال حقيقية تقود إلى محاسبة المتورطين في الفساد.
هل التعيينات هي بداية لإصلاح حقيقي؟
بينما قد يرى البعض أن التعيينات الملكية تعكس رغبة حقيقية في إصلاح المؤسسات وجعلها أكثر فعالية، فإن السؤال يبقى: هل هذه التعيينات تعكس فعلاً رغبة في تعزيز الشفافية والمساءلة؟ أم أن هناك أهدافًا غير معلنة تسعى إلى الحفاظ على الوضع الراهن وضمان الاستمرار في سيطرة معينة على مفاصل الدولة؟
الأسئلة التي لا تزال مفتوحة:
-
هل التعيينات الملكية تهدف إلى إصلاح حقيقي، أم أنها وسيلة لتوسيع النفوذ السياسي والاقتصادي؟
-
هل تمثل هذه التغييرات تحديًا حقيقيًا للفساد، أم أنها محاولة للتغطية عليه؟
-
كيف يمكن للمجتمع المدني والمؤسسات الرقابية مواجهة هذه التعيينات إذا كانت تهدف إلى تعزيز هيمنة السلطة التنفيذية؟
-
هل حقًا هناك اختراق للدولة العميقة، أم أن السلطة تسعى فقط لتقوية مواقعها في مواجهة المعارضة؟