“الوزير الميداوي: هجرة الأطباء ليست سلبية!”… هل فقدنا القدرة على الاحتفاظ بكفاءاتنا أم نحاول تبرير الفشل؟

0
269

هجرة الكفاءات الطبية المغربية: نزيف متواصل أم فرصة استراتيجية لإعادة هيكلة المنظومة الصحية؟

في سياق يتّسم بتعقيدات بنيوية داخل المنظومة الصحية المغربية، وجدل عالمي حول تنقل الكفاءات في قطاع الصحة، دقّ وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عز الدين الميداوي، ناقوس الخطر حول استمرار نزيف الأدمغة الطبية المغربية، داعياً إلى وضع سياسة عمومية مضبوطة لتأطير هذه الهجرة.

لكن، هل نحن فعلاً أمام نزيف سلبي كما يُروج له في الخطاب العام، أم أن ما يشهده المغرب من هجرة للأطباء والباحثين هو مظهر من مظاهر التحوّل العالمي في سوق الكفاءات، ويجب التعامل معه بمنطق الفرص لا التهديدات؟

الميداوي: الهجرة ليست كلها سلبية… لكن لماذا الآن؟

في تدخله خلال اللقاء الدراسي المنظم بمجلس المستشارين حول موضوع “هجرة الكفاءات الطبية المغربية”، لم يكتف الوزير الميداوي بالتشخيص التقليدي، بل حاول تفكيك الظاهرة برؤية أكثر توازناً، معتبراً أن الهجرة ليست بالضرورة مؤشراً سلبياً، بل تنطوي على إمكانيات واعدة في مجالات الانفتاح الثقافي، والتكوين المتقدم، واكتساب الخبرات.

غير أن هذا التفاؤل المتزن يصطدم بواقع مرير: أزيد من 7 آلاف طبيب مغربي يزاولون مهنتهم في فرنسا وحدها، بحسب إحصائيات رسمية فرنسية، ويفوق عدد الأطباء المغاربة في الخارج عمّا يوجد في بعض المناطق القروية بالمغرب. فهل نحن أمام فشل في تدبير الموارد البشرية، أم أن المنظومة الصحية المغربية لم تعد تملك القدرة على الاحتفاظ بكفاءاتها؟

من المسؤول؟ وما العمل؟

الوزير أشار إلى جملة من الأسباب التي تدفع الأطباء إلى الهجرة: ضعف الأجور، غياب التحفيز، هشاشة البيئة الاجتماعية والمهنية، وانعدام الآفاق المهنية داخل الوطن. وهي نفس الأسباب التي أوردتها تقارير سابقة، من بينها تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2022، الذي أشار إلى “ضعف جاذبية القطاع الصحي العمومي وغياب مسارات مهنية واضحة ومحفزة”.

هنا، لا بد من طرح سؤال جوهري: هل تكفي المعالجة التقنية لمعضلة تتغذى من اختلالات أعمق تمسّ جودة الحوكمة الصحية، وعدالة التوزيع المجالي، وغياب الثقة بين الدولة والمشتغلين في القطاع؟

بين الواقع المغربي والتجارب الدولية: هل نستفيد من النموذج الكندي أو الفرنسي؟

طرح عميد كلية الطب بالرباط، الدكتور إبراهيم لكحل، مجموعة من المقترحات الجريئة لتحويل الهجرة إلى رافعة للتنمية الصحية، من بينها تأطير الحركية الدولية للكفاءات الطبية عبر شراكات دولية، وتسهيل العودة، ومواكبة الأطباء في مساراتهم المهنية. وهي توصيات تتقاطع مع نماذج دولية ناجحة مثل كندا، التي تربط هجرة الأطباء بسياسات استقطاب مدروسة وموجهة نحو سد الخصاص، دون أن تهمل العودة والاستفادة من التحويلات المعرفية والخبرات.

لكن في الحالة المغربية، هل تتوفر الإرادة السياسية فعلاً لتحويل هذه الهجرة من خطر إلى فرصة؟ وأين هي الاستراتيجية الوطنية للهجرة التي تتكامل فيها وزارات الصحة والتعليم العالي والجالية؟

الهجرة كفرصة؟ فقط إن أعدنا التفكير في منطق الإصلاح

أكد رئيس الفريق الاستقلالي عبد السلام اللبار أن اللقاء يسعى إلى بناء فضاء تفاعلي لتحليل الظاهرة، واقتراح بدائل استراتيجية مستمدة من التجارب الدولية، ومراعية لخصوصيات السياق المغربي. إلا أن أي رؤية إصلاحية، كما يوضح، يجب أن تنطلق من تكامل الأدوار بين الحكومة، المؤسسات الأكاديمية، والنقابات المهنية.

السؤال الذي يظل معلقاً: هل يمكن الحديث عن حلول دائمة في غياب إعادة النظر في جذور الخلل داخل المنظومة الصحية والتعليمية، وفي ظل استمرار منطق الإصلاحات الجزئية؟

خلاصة تحليلية:

هجرة الكفاءات الطبية المغربية ليست مجرد هروب أفراد، بل مرآة لواقع متعدد الأبعاد، يحتاج إلى جرأة سياسية في التشخيص، وذكاء استراتيجي في توجيه الظاهرة لصالح البلاد. ومع ارتفاع الطلب العالمي على الأطر الصحية، قد تكون الفرصة مواتية للمغرب، ليس فقط لتقنين هجرة أطبائه، بل لابتكار نموذج مزدوج يقوم على تدويل الكفاءة ومحلية الانتماء.