الوزير بنسعيد يعترف بوجود حرب إعلامية… فهل تملك الدولة جبهة صحافية وطنية قادرة على المواجهة؟

0
114

قراءة تحليلية في تصريحات الوزير بنسعيد حول الهجمات الإعلامية على المغرب وموقع الصحافة في المواجهة الاستراتيجية

في ظل تزايد الهجمات الإعلامية التي تستهدف المغرب عبر المنصات الدولية والوسائط الرقمية، عاد وزير الثقافة والشباب والتواصل، المهدي بنسعيد، ليؤكد في البرلمان أن “الوزارة تقوم بجهود رصد وتتبع مصادر الأخبار الزائفة”، مشيرًا إلى تعزيز علاقات التعاون مع وسائل الإعلام الأجنبية المعتمدة داخل المملكة. لكن، وبين ما صرّح به الوزير، وما يفرضه واقع المعركة الإعلامية، تظهر فجوة تحتاج إلى نقاش عميق: هل تتعامل الحكومة فعلاً مع الإعلام كجزء من الأمن الاستراتيجي الوطني؟

من الرصد إلى الفعل: هل يكفي تتبع الأخبار الزائفة؟

أكد الوزير على “وجود منظومة للرصد واليقظة الإعلامية”، وهذا مؤشر إيجابي على وعي الدولة بتعقيدات المعركة الإعلامية في السياق الرقمي المعولم، حيث لا تتوقف الحرب على الحدود الجغرافية، بل تنتقل إلى الفضاءات الافتراضية، خاصة في ما يخص القضايا الحساسة كالصحراء المغربية.

لكن هذا يطرح سؤالًا جوهريًا: هل الرصد وحده كافٍ؟ ألا تحتاج هذه المعركة إلى جيش إعلامي مؤهل، متعدد اللغات، مدرب على الاشتغال وفق مقاربات استراتيجية؟

إنّ الدول التي واجهت حملات إعلامية مماثلة لم تكتف بالرصد، بل استثمرت في دعم صحافتها الوطنية، وتأهيل صحافيين ناطقين بعدة لغات قادرين على اقتحام المنصات الدولية، وتفنيد الأكاذيب من منطق المهني لا الانفعالي.

بوابة الصحراء المغربية: مبادرة أم واجهة؟

يشير الوزير إلى البوابة الوطنية للصحراء المغربية باعتبارها أداة لمواجهة الأخبار المضللة. غير أن سؤالًا مشروعًا يفرض نفسه: ما مدى فاعلية هذه المنصة؟ وما هو جمهورها المستهدف؟
وهل تحظى هذه المنصة بتمويل، وتحيين، وإدارة تحريرية بمستوى المعركة الإعلامية؟

أغلب المبادرات الرقمية الرسمية تعاني من ضعف في التحديث، ونقص في الجاذبية البصرية واللغوية، مقارنة بمواقع الخصوم، ما يفرض ضرورة مهنية أعلى في التعامل مع هذه البوابات.

الإعلام الوطني المقاوم: غائب في الدعم، حاضر في الخطاب

في الوقت الذي تدعو فيه الوزارة إلى “مناعة إعلامية وطنية”، فإن الواقع يُظهر أن الصحافة الوطنية المستقلة، التي تدافع بوضوح عن القضايا الوطنية، لا تحظى بأي دعم ممنهج، سواء على مستوى التمويل أو التكوين أو الاعتراف الرمزي.

هنا ينبغي طرح الأسئلة التالية:

  • لماذا لا يتم تمويل الصحف والمواقع التي تعتمد على كفاءات متمكنة في اللغات الثلاث (العربية، الفرنسية، الإنجليزية) وتشتغل على تفكيك خطاب الأعداء بمهنية؟

  • لماذا لا تخصص الوزارة منحًا للصحافيين المتخصصين في القضايا الدولية والسيادية؟

  • هل تحولت الوزارة إلى مجرد هيئة تقنية تتابع وتراقب، أم أنها معنية ببلورة سياسة إعلامية وطنية هجومية لا دفاعية فقط؟

هل يكفي إشراك الإعلام الأجنبي دون تقوية الإعلام الوطني؟

صحيح أن تعزيز التعاون مع المراسلين الأجانب المقيمين بالمغرب خطوة محمودة، لكن الرهان يجب أن يكون أولاً على الإعلاميين المغاربة، خاصة في وقت يبرز فيه جيل جديد من الصحافيين القادرين على التأثير دوليًا.

لماذا لا يتم إحداث وحدة تكوين متقدمة للصحافيين المغاربة في مجال الدبلوماسية الإعلامية، وإطلاق برنامج وطني لـ”صحافيي الدفاع الإعلامي” مثلما تفعل دول كفرنسا وتركيا؟

من التخييم إلى التمكين: هل تحضر العدالة المجالية والتربوية فعلاً؟

في الشق المتعلق ببرامج التخييم، قدّم الوزير تفاصيل تقنية وإجرائية دقيقة، لكن ما يهمنا هنا، هو الربط بين هذه البرامج والرؤية الوطنية لبناء مواطن قادر على المواجهة الناعمة.

  • هل المخيمات الصيفية تدمج التربية على المواطنة الرقمية؟

  • هل نربي الأجيال على مواجهة الإشاعات والمنصات العدائية؟

  • هل نربط الثقافة، والتمكين، والإعلام في مشروع وطني متكامل؟

في الختام: خطاب وطني واعد.. لكن هل من ترجمة مؤسساتية؟

إن تصريحات الوزير المهدي بنسعيد تكشف عن وعي رسمي بأهمية الجبهة الإعلامية، لكنها ما زالت تحتاج إلى الانتقال من الوعي إلى الفعل المؤسسي.

فالصحافة ليست فقط أداة لنقل المعلومة، بل هي ذراع استراتيجي للأمن الوطني، وأي استهانة بهذا المعطى هي خسارة في معركة السرديات التي تشكل رأي العالم تجاه المغرب.

فهل تتجه الوزارة إلى إعادة توجيه الدعم، لا إلى إعلام الترفيه فقط، بل إلى إعلام المقاومة الذكية؟

وهل نشهد ولادة جيل جديد من الصحافيين المسلحين بالمعرفة، اللغة، والتحليل؟ وهل تحظى الصحف الوطنية الجادة، التي تشتغل من الخنادق الأمامية، بدعم سياسي ومؤسساتي يعكس أهمية دورها؟