الوقاية بدلًا من المنع: نحو سياسة صحية واقعية لمكافحة التدخين

0
169

هل يمكن للسياسات الصحية أن تنتقل من خطاب “الإقلاع الكامل” إلى منطق “تقليص المخاطر”؟ هذا السؤال طرح نفسه بقوة في الندوة العالمية للدبلوماسية الصحية بالدار البيضاء، حيث شدد أطباء وخبراء على ضرورة إعادة التفكير في المقاربة التقليدية لمكافحة التدخين.

من الإقلاع إلى تقليص المخاطر: رؤية جديدة

في مداخلة اعتُبرت لافتة، أكد طبيب القلب البريطاني جون دينفيلد أن “الحد من مخاطر التدخين يمثل تحولًا جوهريًا في السياسات الصحية”، مشيرًا إلى أن الاقتصار على الدعوة للإقلاع التام قد لا يكون واقعيًا دائمًا، خصوصًا في ظل إدمان ملايين الأشخاص على التبغ القابل للاحتراق.
وطرح دينفيلد مقاربة بديلة تقوم على الوقاية وتقليص المخاطر، معتبرًا أن ذلك قد يكون أكثر نجاعة على المدى الطويل، لا سيما مع التحديات التي تواجهها الأنظمة الصحية عالميًا، من شيخوخة السكان إلى ارتفاع كلفة علاج الأمراض المزمنة.

الصحة كقضية شاملة: دبلوماسية عابرة للحدود

الندوة افتُتحت بكلمة مؤثرة للدكتورة إيمان قنديلي، التي ربطت الصحة بأبعادها الواسعة: التعليم، الثقافة، التمويل، الأمن الغذائي، أزمة المياه والتغير المناخي. وذهبت أبعد من ذلك عندما قالت:

“يجب أن نستخدم الدبلوماسية الصحية كرافعة للمشي معًا، والصبر معًا، والنمو معًا، ليس فقط في إفريقيا، بل أيضًا في الجنوب العالمي، بالتواصل مع الشمال.”

هنا تُطرح أسئلة جوهرية:

  • كيف يمكن إدماج البعد الصحي في قضايا الأمن الغذائي والمناخ؟

  • وهل يمكن للدبلوماسية الصحية أن تصبح أداة للتوازن بين الشمال والجنوب بدل أن تظل مجرد شعار؟

البدائل الأقل ضررًا: بين الواقع والطموح

دينفيلد قدّم مثالًا عمليًا حين شدد على أن “الإقلاع عن التدخين له تأثير فوري على صحة الأفراد، لكن حين يتعذر ذلك، فإن البدائل الأقل ضررًا تشكل حلاً وسيطًا وواقعيًا”.
الرهان إذن هو توجيه المدخنين نحو خيارات أقل خطورة بدلًا من تركهم فريسة لمنتجات التبغ التقليدية، وهي مقاربة لا تخلو من جدل، لكنها تتماشى مع تطور مفهوم الصحة العامة الذي لم يعد يقتصر على المنع والحظر فقط.

السويد نموذجًا: الدليل من الميدان

لتأكيد هذا الطرح، استشهد دينفيلد بتجربة السويد، حيث أظهرت البيانات أن الرجال الذين استبدلوا السجائر بمنتجات نيكوتين فموية سجلوا انخفاضًا كبيرًا في المخاطر الصحية مقارنة بالنساء اللواتي لم يعتمدن البدائل.
لكن السؤال يظل مفتوحًا:

  • هل يمكن استنساخ النموذج السويدي في بلدان الجنوب، ومنها المغرب، حيث تختلف السياقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية؟

نحو سياسة صحية واقعية

ختم دينفيلد بالقول: “كل إجراء يساهم في تقليص استهلاك السجائر القابلة للاحتراق هو خطوة إيجابية.” وهو تصريح يعيد ترتيب النقاش بين منطق المنع المطلق ومنطق الواقعية الوقائية.

هنا تبرز تساؤلات أكبر:

  • هل على الحكومات أن تتحول من سياسة الرفض المطلق إلى إستراتيجية قائمة على تقليص المخاطر؟

  • وكيف يمكن أن يوازن صانع القرار بين حماية الصحة العامة وضبط السوق وعدم فتح الباب أمام مصالح تجارية جديدة؟

  • وأي دور للبحث العلمي المحلي في اختبار فعالية هذه البدائل على المدى الطويل؟