قال الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورئيس النيابة العامة، مولاي الحسن الداكي، خلال لقاء دراسي لتتبع تفعيل الاتفاقية الموقعة بين وزارة التربية الوطنية ورئاسة النيابة العامة، في مارس 2021 ،حول الحد من الهدر المدرسي والوقاية من زواج القاصر، أن هذه المبادرة مكنت من استرجاع 20 ألف فتاة إلى صفوف الدراسة خلال العام الأول.
وأشار بذات المناسبة،الى إن حصيلة تنفيذ الاتفاقية “مشرفة جدا” وتدفع بأهداف الاتفاقية قدما، كما تضع على عاتق الجميع عبء الالتزام بعدم تراجع هذه الأرقام حرصا على الحفاظ على الأطفال بمقاعد الدراسة، مشيرا الى “تشعب الأسباب التي تشكل بيئة حاضنة لزواج القاصر، وتغذي الثقافة الممانعة للحد منه، يطرح تحديات كبيرة لا سبيل لتجاوزها إلا باستنهاض الهمم، وتظافر مجهودات الجميع والعمل البناء من أجل تنفيذ أهداف ومبادرات مشتركة”.
واعتبر أن هذه الاتفاقية كانت في مقدمة المبادرات الرامية للحد من الظاهرة، مذكرا بأن من بين الأهداف الأساسية للاتفاقية، الحرص على ضمان متابعة الفتيات لتمدرسهن ووقايتهن من أضرار الزواج المبكر، عبر تنسيق الجهود المشتركة لتفعيل قانون إلزامية التعليم الأساسي.
ويُعَدّ الانقطاع عن التعليم في المغرب من أبرز أوجه الاختلال التي تعاني منها المنظومة التعليمية، بحسب ما تفيد تقارير رسمية، في حين ترتفع نسبة التسرّب المدرسي خصوصاً في الأرياف، نظراً إلى بُعد المدارس وارتفاع نسب الفقر.
وفي 12 إبريل/ نيسان الجاري، كشف وزير التربية الوطنية والتعليم الأوّلي والرياضة شكيب بنموسى، في خلال عرض قدّمه أمام أعضاء لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي)، أنّ نحو 331 ألف تلميذ وتلميذة غادروا صفوف الدراسة في خلال العام الدراسي الماضي (2020-2021)، بنسبة ارتفاع بلغت 0.3 في المائة مقارنة بالعام الدراسي الذي سبق (2019-2020)، موضحاً أنّ هذه المعطيات تؤثّر سلباً على مؤشّرات التنمية البشرية والتربية والاقتصاد بالبلاد، ولافتاً إلى أنّ انقطاع التلميذات عن الدراسة يشكّل أحد أسباب تزويج القاصرات.
ومنذ سنوات يطمح المغرب إلى وقف النزيف المدرسي عبر مجموعة من البرامج التي توفّر النقل المجاني والطعام والمبيت للتلاميذ الذين يقطنون بعيداً عن مقار تعليمهم، أو عبر تقديم الدعم المادي للأسر واستقبالها في سكن التلميذات والتلاميذ، مع مبادرة توزيع مليون حقيبة تحوي لوازم مدرسية، بالإضافة إلى إنشاء مدرسة الفرصة الثانية التي تقدّم دعماً مدرسياً وتكويناً (تدريباً) حرفياً للتلاميذ الذين تسرّبوا من التعليم.
لكنّ معطيات رسمية تضمّنها مشروع الموازنة الفرعية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأوّلي والرياضة لعام 2022 تكشف أنّ الهدر المدرسي ما زال يشكّل تحدياً مقلقاً لقطاع التعليم في التعليم الثانوي الإعدادي، وما زالت مؤشّرات الانقطاع الدراسي من أقسام الابتدائي والإعدادي والثانوي مرتفعة.
وفي السياق ذاته، كشف تقرير للمجلس الأعلى للحسابات (أعلى هيئة رقابية في المغرب) عن عامَي 2019 و2020 استمرار ارتفاع معدّل ظاهرة الهدر المدرسي في المرحلة الإعدادية في الوسط القروي، إذ بلغت نسبة الانقطاع 12.2 في المائة في العام الدراسي 2019-2020، في مقابل 9.3 في المائة في الوسط الحضري.
في سياق متصل، يرى رئيس الجمعية المغربية لمحاربة الهدر المدرسي عبد الصمد الزياني أنّ “ظاهرة التسرّب المدرسي تُعَدّ من أكبر التحديات التي تواجهها منظومة التعليم في المغرب”، مشيراً إلى أنّ “الهشاشة والعوز يُعدّان إلى جانب الطلاق وقساوة الظروف المناخية من أبرز العوامل المؤثّرة في تحديد مستقبل الأبناء ودفع مئات منهم إلى ترك المدرسة سنوياً”.
يضيف الزياني أنّ الأسر المعوزة “تنظر إلى التلميذ كعنصر فاعل وأساسي في تأمين القوت اليومي لها”، موضحاً من جهة أخرى أنّ “توفير المبيت والطعام للتلميذات البعيدات عن مقرّ مؤسساتهنّ التعليمية يساهم بشكل كبير في احتواء انعكاسات اقتصادية واجتماعية عديدة مرتبطة بانقطاع الفتيات عن الدراسة، من قبيل زواج القاصرات”.
وبحسب دراسة ميدانية أعدّتها النيابة العامة في المغرب حول زواج القاصرات، كُشف عنها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فإنّ “الهدر المدرسي هو الرافد الأساسي لزواج القاصرات، سواء تعلّق الأمر بعدم الالتحاق مطلقاً بمقاعد الدراسة أو التسرّب خارج المسار الدراسي بعد الولوج إلى المدرسة”.
من جهته، يقول الخبير التربوي عبد الناصر الناجي، إنّ “للهدر المدرسي تأثيراً (سلبياً) كبيراً في مستقبل وتنمية المغرب الطامح إلى تحقيق نموذج تنموي جديد، كما أنّه يشكّل خطراً قد يعيق تحقيق النهضة التربوية المنشودة”. ويتحدّث الناجي عن مخاطر الهدر المدرسي، إذ “يتأثّر المنقطعون عن الدراسة بالظواهر المشينة في المجتمع ويتحوّلون إلى أطفال عدوانيين، وقد يساهمون في مظاهر الجريمة”.