“اليد الممدودة لا تذبل”… المغرب يجدد دعوته للجزائر ويستند إلى دعم دولي متنامٍ لمقترح الحكم الذاتي

0
154

في خطاب عيد العرش.. الملك المفدى عاهل البلاد محمد السادس حفظه الله ورعاه يجدد دعوة الجزائر إلى “حوار صريح ومسؤول” ويشيد بالدعم الدولي المتزايد للحكم الذاتي في الصحراء

في لحظة محورية من تاريخ العلاقات المغربية الجزائرية، جدّد الملك محمد السادس نداءه الصريح والمباشر إلى القيادة الجزائرية، داعياً إلى تجاوز الجمود السياسي والدخول في حوار مسؤول، أخوي، وصادق، من أجل طي صفحة الخلافات وفتح آفاق جديدة للتكامل المغاربي الذي طال انتظاره.

هذه الدعوة، التي جاءت ضمن خطاب الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، لا تُعبّر فقط عن موقف سياسي تقليدي، بل تترجم استراتيجية مغربية متكاملة تسعى إلى تثبيت السلم الإقليمي وتعزيز مناخ الثقة، في ظل تحديات جيوسياسية متسارعة.

“اليد الممدودة” ليست شعاراً دبلوماسياً بل خيار استراتيجي

الخطاب الملكي أبرز مجدداً التزام المغرب بمقاربة “اليد الممدودة”، التي تتجاوز الحسابات الظرفية الضيقة، نحو بناء فضاء مغاربي متكامل. الملك قالها بوضوح: “بصفتي ملك المغرب، فإن موقفي واضح وثابت، وهو أن الشعب الجزائري شعب شقيق (…) لذلك، حرصت دوماً على مد اليد لأشقائنا في الجزائر”.

في قراءة سياسية معمّقة، تتأكد هذه الرسالة كامتداد منطقي لمواقف سابقة عبر عنها العاهل المغربي منذ سنوات، من بينها دعوته الشهيرة في خطاب 6 نوفمبر 2018 لآلية سياسية مشتركة للحوار بين البلدين. غير أن الجديد اليوم، هو السياق الدولي المواتي، والإشارات المتزايدة من عواصم القرار العالمية حول ضرورة تجاوز الخلافات المغاربية لصالح تنسيق إقليمي مشترك، خصوصاً في قضايا الطاقة، الأمن، والهجرة.

رهان مغربي على التوافق.. وحرص على “لا غالب ولا مغلوب”

الملك محمد السادس أكد أن المغرب لا يبحث عن نصر دبلوماسي على حساب الآخر، بل عن حل “يحفظ ماء وجه جميع الأطراف”، وهي صيغة تدل على نضج استراتيجي كبير وتقدير دقيق لتعقيدات الملف. صيغة “لا غالب ولا مغلوب” هي بمثابة دعوة ضمنية للجزائر للجلوس إلى طاولة الحوار دون شروط مسبقة، في أفق تسوية تضمن الكرامة والسيادة لكل الأطراف.

الدعم الدولي يتوسع.. والمغرب يرسخ مكاسب قضية الصحراء

من جهة أخرى، لم يغب ملف الصحراء عن الخطاب، بل شكل حجر الزاوية في قسمه الدولي. الملك عبّر عن اعتزازه بالدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها المملكة كحل نهائي للنزاع، مشيراً إلى مواقف “المملكة المتحدة الصديقة” و”جمهورية البرتغال” كمثالين واضحين على التوجه الدولي الجديد نحو الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

هذا التراكم في المواقف الدولية لا يأتي من فراغ، بل يعكس جهداً ديبلوماسياً مغربياً هادئاً ومتصاعداً، جعل من المبادرة المغربية للحكم الذاتي إطاراً واقعياً وذا مصداقية لحل النزاع، كما تؤكد ذلك قرارات مجلس الأمن منذ سنوات.

الرهان على الاتحاد المغاربي.. واقع مؤجل وحلم لا يموت

الملك لم يُغفل الإشارة إلى ضرورة إعادة بعث الاتحاد المغاربي، الذي يبقى رهيناً بإرادة سياسية مشتركة. وهنا جاءت العبارة البليغة: “نؤكد تمسكنا بالاتحاد المغاربي، واثقين بأنه لن يكون بدون انخراط المغرب والجزائر”. هذا التصريح ليس دعوة رومانسية، بل تنبيه استراتيجي بأن تعطيل البناء المغاربي يُضعف الجميع، ويفوّت على شعوب المنطقة فرصاً تنموية هائلة.

خلاصة: مناشدة الملك تضع الكرة مجدداً في ملعب الجزائر

مرة أخرى، يُقدّم المغرب نفسه طرفاً مسؤولاً يسعى إلى بناء مستقبل مشترك على أساس الحوار والواقعية، بينما تبقى القيادة الجزائرية حبيسة خطاب المظلومية ورفض اليد الممدودة. فهل تلتقط الجزائر هذه الإشارة النبيلة؟ وهل يُكتب لخطاب العرش هذا العام أن يكون منعرجاً تاريخياً في العلاقات المغربية الجزائرية؟ أم ستبقى اليد المغربية الممدودة تنتظر من يمدّ يده بالمثل؟