اليسار المغربي..مشروع قانون المالية 2023 هديةٌ للأغنياء ومعاناة للفقراء..خيبة الأمل وسقوط الرهان؟!

0
325
A Moroccan woman raises a placard as she takes part in a protest against rising prices, in front of the parliament in the capital Rabat, on February 20, 2022. (Photo by AFP)

يأتي مشروع قانون المالية 2023 في وقت يثير فيه تدبير الحكومة التي يرأسها عزيز أخنوش، لملف “ارتفاع الأسعار” انتقادات واسعة خلال الآونة الأخيرة. وتصدر وسما “أخنوش ارحل”، و “لا لغلاء الأسعار”، منصة تويتر بالمغرب لأيام. وتواجه الحكومة المغربية التي أنهت قبل ثلاثين يوماً عامها الأول، تحديات داخلية وخارجية عديدة؛ على إثر انعكاسات موسم الجفاف على أداء الاقتصاد واستمرار تداعيات الحرب الروسية التي تسببت في ارتفاع كبير لأسعار المحروقات ولمواد غذائية أساسية.

قالت فاطمة التامني النائبة البرلمانية عن “فدرالية اليسار الديمقراطي” إن مشروع قانون مالية 2023 يأتي في ظرفية دقيقة، مازالت فيها جائحة كورونا ترخي بظلالها على المقاولات الصغرى، والعمال والعاملات الذين فقدوا شغلهم.

وأشارت التامني ضمن مداخلة لها خلال المناقشة العامة لمشروع قانون المالية، اليوم الخميس، في جلسة عمومية بمجلس النواب، أن المشروع يتزامن مع حالة الجفاف التي يعرفها المغرب وانعكاساته الاجتماعية والاقتصادية، والحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها.

وأكدت أن هذه العناصر مجتمعة تداخلت وعمقت الأزمة الاجتماعية في المغرب، مما وسع دائرة الفقر والبطالة والهشاشة، والتفاوتات الاجتماعية والمجالية، وفاقمت معاناة النساء، وفككت الطبقة الوسطى التي كانت تلعب دورا هاما في الحفاظ على التوازن الاجتماعي.

وأوضحت أنه كان من المفروض أن يستوعب مشروع قانون المالية طبيعة هذه الظرفية، ويكون مطبوعا ببعد اجتماعي، لكن للأسف وكما جرت العادة كان مخيبا للآمال وخاليا من البصمة الاجتماعية.

شددت على أن النتائج المنتظرة لهذا المشروع هي إفقار الفقراء، وإغناء الأغنياء، لأن الإجراءات المتخذة لا تحدث قطائع مع الاختيارات السابقة، علما أننا نعيش ارتفاعا مهولا للغلاء، وارتفاع غير مسبوق لأثمنة المحروقات.

واتهمت التامني الحكومة بالتملص من مخرجات الحوار الاجتماعي بخصوص تحسين الدخل والزيادة في الأجور ومراجعة الضرائب.

وسجلت أن المشروع جاء فارغا من أي إجراءات للتخفيف من الغلاء ومن تدهور المستوى المعيشي للأسر، وقدم بدل ذلك هدايا للأثرياء مع غض الطرف على الشركات الكبرى التي استفادت من الأزمة وحققت أرباحا هائلة، وكان من المفروض أن تساهم في التمويل العمومي.

وأبرزت أن قطاعات مثل الصحة والتعليم لم تنل من الاهتمام في المشروع ما يؤهلها لتقوية المغرب، وترسيخ دعائم التنمية المستدامة، كما أنه لم يقدم أي إشارات لمحاربة الفساد والريع وترسيخ النزاهة والشفافية.

ويذكر أن تداعيات الأزمة الاقتصادية لجائحة كورونا، تسببت في تضاعف معدل الفقر 7 مرات في المغرب، ومعدل الهشاشة الاجتماعية أكثر من مرتين، وفق ما أظهرت نتائج دراسة لهيئة حكومية.

وأفادت مندوبية التخطيط، وهي هيئة الإحصاءات الرسمية في البلاد، بأنه “في سياق الأزمة الصحية، تضاعف معدل الفقر 7 مرات على الصعيد الوطني، حيث انتقل من 1.7% قبل الأزمة إلى 11.7% خلال الحجر الصحي”، التي استمرت أكثر من 3 أشهر.

في هذا الإطار أوضح موقع للجماعة نت – أنه يفترض أن يعكس الإطار المرجعي لإعداد مشروع قانون المالية الفلسفة الديمقراطية المرتبطة بالتعاقد الانتخابي بين الائتلاف الحزبي والسياسي الفائز في الانتخابات والمواطنين. لكن هذا الإطار المرجعي في المغرب هو أساسا خطب الملك باعتبارها توجه سياسات الدولة، ويتم ترسيم هذه التوجهات الملكية في إطار  المجلس الوزاري.

لذا فإن مشروع قانون المالية يتسم بعدم اليقين على مستوى الاقتصاد العالمي والوطني الذي لم يتعاف بعد من آثار الأزمة الصحية العالمية والحرب الروسية الأوكرانية؛ هذه الظروف المضطربة في العالم نتج عنها ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية والطاقية على مستوى العالم، وارتفاع معدل التضخم، وكذا اضطراب في سلاسل التموين العالمي.

والمغرب، باعتباره بلدا رهينا اقتصاديا بالخارج بالنظر لأننا نستورد جزءًا كبيرا من غذائنا وكل احتياجاتنا من الطاقة، يتأثر بشكل كبير ومباشر بكل ما يقع في العالم. وما دام مشروع قانون المالية هو إطار توقعي للسنة المالية المقبلة، فإنه سيتأثر لا محالة بعدة عناصر تؤثر في اقتصاد المغرب.

ومن أهم هذه العناصر أن اقتصاد المغرب يتأثر كثيرا بطبيعة الموسم الفلاحي في توفير عدد مهم من الحاجيات الغذائية، وقد توقع مشروع قانون مالية سنة 2023 أن يكون محصول السنة الزراعية 75 مليون قنطار. وهذا الارتهان المستمر لأحوال السماء كل سنة يسائل نجاعة المخططات الرامية لتحقيق الأمن الغذائي للمغاربة وتقييمها وتفعيل مبدأ المحاسبة فيها وعلى رأسها مخطط المغرب الأخضر. سعر غاز البوطان يؤثر أيضا على إعداد مشروع قانون المالية، لأن الدولة ما تزال تدعم هذه المادة في إطار صندوق المقاصة، وهذا الغاز يتوقع أن يكون سعره في السوق العالمي 800 دولار للطن.

ومن العناصر أيضا المؤثرة في إعداد مشروع قانون المالية، معدل النمو الذي ينبغي أن يكون كذلك متوقعا لإعطاء إشارة للمستثمرين وللشركاء وللعالم أننا جادون في تحقيق معدل نمو جيد ليكون اقتصادنا أكثر جاذبية. وتوقع مشروع قانون المالية معدل نمو %4 فيه كثير من التفاؤل، لأن المتوقع في نهاية هذه السنة – أي سنة 2022 – أن نصل إلى معدل نمو لا يزيد عن %1.5. عجز الميزانية هو أيضا من العناصر التي توقعها قانون المالية %4.5، وهو أيضا معدل فيه مبالغة في ظل الوضعية الحالية.

3- أهداف مشروع قانون المالية

دُبِّج مشروع قانون المالية بهدف أساسي هو إرساء مشروع الدولة الاجتماعية، في إشارة إلى ورش التغطية الاجتماعية باعتباره ورشا ملكيا ولا علاقة له بالحكومة الحالية ولا الحكومات المقبلة. وما دام أن هذا الورش ارتكز على هدف التعميم فهذا يعني أن له كلفة، وهذا ما سيصعّب من إمكانية الالتزام به بالنظر لمعضلة التمويل وحكامة الاستدامة المالية لهذا النظام، لأنه ورش لم يأخذ حظه من الدراسة القبلية لضمان نجاعته وفرص نجاحه. ونحن نرى دولا كبرى بأنظمة اجتماعية متطورة وما تعانيه اليوم من جراء هذا السياق العالمي الحالي.  فهل سينجح ورشٌ هذه منهجية إعداده؟  بل على العكس ستكون له تداعيات سلبية على الطبقة المتوسطة لأن كلفة المشروع تتجاوز 50 مليار درهم، ونصف هذه الكلفة سيمولها المنخرطون الذين من المفروض أن يستفيدوا من هذا الورش لا أن ينفقوا عليه.

ومن مجالات إرساء أسس هذه الدولة الاجتماعية؛ حماية القدرة الشرائية للمواطنين عن طريق دعم أسعار  بعض المواد الأساسية مثل غاز البوطان والقمح وتصدير المضاربات. فكيف يعقل أن تترك الدولة مجالا حيويا مثل سوق المحروقات الذي يشهد مضاربات كبيرة دون أن تحرك ساكنا؟ وهل حماية القدرة الشرائية للمواطنين مجرد شعار يرفع؟

والمجال الثالث من مجالات إرساء الدولة الاجتماعية؛ دعم السكن عن طريق الدعم المباشر، وهذه أول مرة تنحو فيه الدولة منحى الدعم المباشر للسكن، وهذا في حد ذاته مؤشر دال على فشل برامج الدولة لمواجهة العجز في السكن.

الهدف المحوري الثاني الذي دُبِّج به مشروع قانون المالية هو دعم الاستثمار عبر آليات مضمنة في المشروع بمثابة ميثاق جديد للاستثمار. والاستثمار يحيل إلى النمو وإلى تنمية البلاد لأن أساس التقدم والتنمية هو الاستثمار. لكن هذا الاستثمار لكي يدعم ويقوى لا بد له من بيئة مناسبة ومناخ ملائم. فكيف هو مناخ الاستثمار بالمغرب؟

لا تزال مؤسسات دولية تشير إلى أكثر المعضلات التي تعيق نجاعة الاستثمار بالمغرب وهي الفساد الإداري. وهذا ما معناه أنه مهما حاولنا أن ندعم الاستثمار دون أن نوفر له بيئة سليمة ومحتضنة وجاذبة ولا تطبع مع الفساد فسيبقى الوضع على ما هو عليه.

والاستثمار ليس هو فقط كم نستثمر؟ بل كيف ينعكس على المستويين الاقتصادي والاجتماعي؟ أي أننا نتحدث عن نجاعة الاستثمار، وإلا سيكون مجرد ضياع للمال العام. مما يعني أن الاستثمار  عندنا يشكو من أمرين أساسين؛ أولا يشكو من ضعف الإنجاز، وثانيا: ضعف النجاعة، إذ نقوم باستثمارات ضخمة ونرصد لها أموالا لكن تأثيرها الاقتصادي وتأثيرها الاجتماعي ضعيفين.

الهدف الثالث في مشروع قانون المالية هو الإصلاح الضريبي عن طريق تفعيل مقتضيات القانون-الإطار المتعلق بالإصلاح الضريبي؛ إذ ستضاف ضرائب جديدة من قبيل الضريبة الداخلية على الاستهلاك، على المنتوجات المحتوية على السكر، والتوجه نحو أسعار موحدة بالنسبة للضريبة على الشركات في غضون الأربع سنوات المقبلة. ثم الإبقاء على  الضريبة على القيمة المضافة في مستوياتها، بل هناك إجراء يهدف إلى توحيد ورفع سعر الضريبة على القيمة المضافة من %10 إلى %20 بالنسبة لبعض المهن الحرة مثل المحامين والتراجمة والعدول… أكثر من هذا هناك إجراء جديد يخص المحامين والشركات المدنية المهنية للمحاماة؛ تم التنصيص على أداء تسبيق برسم الضريبة على الدخل بالنسبة للمحامين والضريبة على الشركات بالنسبة للشركات المدنية الأهلية للمحاماة.

وفي سياق ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين، وعكس ما كان ينتظر من الحكومة من تخفيض هذه الضريبة، يتضح أن الدولة ماضية في نقض شعاراتها بعضها ببعض، فكيف يستقيم ورش الدولة الاجتماعية بمثل هذه الإجراءات الضريبية التي تسعى إلى حل إشكالات الدولة من جيوب المواطنين حصرا؟

4- ملاحظات متعلقة بميزانية الدولة

يمكن تسجيل جملة من الملاحظات على بنية ميزانية الدولة، ومنها:

أ‌- يلاحظ ارتفاع الموارد المتأتية من الاقتراض الخارجي لتمويل الميزانية على مستوى المداخيل! إذ ارتفعت من 40 مليار إلى 60 مليار درهم؛ أي بزيادة %50. وهذا يؤكد مضي الحكومة إسوة بالحكومتين اللتين سبقتاها في رفع الدين عموما والخارجي بالخصوص. هذا بغض النظر عن ديون المؤسسات العمومية والمقاولات العمومية، ودين الجماعات الترابية. وهذا ما يؤكد المدى الذي وصلته تبعية اقتصادنا ككل خاصة القطاع العمومي للمانحين الدوليين.

ب‌- الملاحظة الثانية هي أن بنية ميزانية الدولة لم تتغير على مستوى النفقات؛ إذ نجد نفقات التسيير هي الموظفين والعتاد (%67) وهذا يعني أكثر من ثلثي النفقات، وهذه وضعية غير سليمة البتة، مع استحضار أن الأجور عندنا ليست بخير رغم هذه النسبة الكبيرة. أما نفقات الاستثمار فحوالي ربع الميزانية، ثم فوائد وعمولات الدين (7.5) بغض النظر عن أصل الدين.

5- خلاصة

المنهجيات نفسها والسياق نفسه يحكمان إعداد مشروع قانون المالية بالمغرب، وهي الأهداف نفسها ينقض بعضها بعضا، ومن المتوقع أن تعطي النتائج نفسها ليستمر الخلل في مكانه هو هو. فالخلل هو أن مشروع قانون المالية، يفترض أن يكون دستورا ماليا تعاقد عليه المنتخب مع المواطن في العملية الانتخابية، إذ من خلاله يترجم وعوده الانتخابية إلى سياسات عمومية وفق دراسات عميقة لخبراء مختصين ليكون مفعولها منعكسا على ظروف عيش المواطن ليجدد للمنتخب ولايات أخرى محددة. وهذه هي الديمقراطية في أبسط تعريفاتها. هذا هو المفترض لكن في المغرب البرامج الانتخابية لها أدوار أخرى غير تلك، وتنتهي صلاحيتها مباشرة بعد انتهاء المواسم الانتخابية.