أثارت خطوة الاتحاد المغربي للشغل بمجلس المستشارين، التي تمثلت في انسحابه الجزئي من اجتماع تقديم مشروع القانون التنظيمي للإضراب، جدلاً واسعًا داخل الأوساط البرلمانية والنقابية. فقد اعتبر بعض المستشارين أن هذه الخطوة ليست سوى “مزايدة سياسية”، في حين أكدت النقابة أنها تتعلق بإصرارها على التمسك بمواقفها تجاه المشروع الذي ترى أنه يهدد الحق في الإضراب.
تفاصيل الانسحاب وأبعاده
في خطوة فاجأت الجميع، قرر فريق الاتحاد المغربي للشغل بمجلس المستشارين تقليص تمثيليته في اجتماع لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية إلى شخص واحد فقط، هو نور الدين سليك، رئيس الفريق، وذلك بعد مقاطعته للقاء مع يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات. وكان اللقاء مع السكوري قد شهد غياب جدول أعمال واضح، مما دفع النقابة إلى اتخاذ قرار الانسحاب الجزئي.
لم يكن الانسحاب جزئيًا من حيث الحضور فحسب، بل ترافق مع بيان للنقابة يوضح أنها لا تزال ترفض مشروع القانون التنظيمي للإضراب في صيغته الحالية، معتبرة أن الحكومة تسعى إلى تقليص حق الإضراب، وهو ما يتناقض مع الدستور المغربي والمواثيق الدولية.
اتهامات بالمزايدة السياسية
وصف بعض مستشاري مجلس المستشارين خطوة الاتحاد المغربي للشغل بأنها “مزايدة سياسية” تهدف إلى تصعيد الموقف دون تقديم مبررات مقنعة. وقال مصدر من داخل المجلس: “إذا كان الاتحاد المغربي للشغل يعارض القانون، فكان من المفترض أن يسبق الانسحاب بتوضيح مسبق وأسباب مشتركة من جميع أعضاء الفريق، بدلًا من أن يكون قرارًا فرديًا لرئيس الفريق.” وأشار المصدر إلى أن القرار أدى إلى نتيجة معاكسة لما كان يُراد له، حيث منح الاجتماع قيمة أكبر مما كان سيحظى بها في حال حضر كافة الأعضاء.
التسويق الإعلامي والتصعيد السياسي
قد يرى البعض في انسحاب النقابة استراتيجية لفرض نفسها كأكبر معارض لمشروع القانون، مما قد يعزز من موقفها الإعلامي ويُظهرها كالممثل الأوحد لرفض هذا التشريع، خصوصًا وأن غالبية النقابات الأخرى في المجلس لم تتخذ موقفًا مماثلًا. لكن يبقى السؤال: هل تعتبر هذه الخطوة جزءًا من ضغط سياسي لتصفية الحسابات مع الحكومة، أم أنها بالفعل تعبير عن قلق حقيقي بشأن المساس بحقوق العمال؟
من جهة أخرى، هناك من يرى أن المواقف المتعنتة من الاتحاد المغربي للشغل ربما تهدف إلى الضغط على الحكومة، خاصة على رئيسها، في محاولة لتصفية حسابات نقابية قد تتعلق بعدم الوفاء بالتزامات سابقة، مثل وعد الحكومة بتحقيق توافق حول بعض بنود القانون.
هل يمكن تعديل القانون؟
على الرغم من هذه المناوشات النقابية، يبدو أن الحكومة، ممثلة في يونس السكوري، لا تزال منفتحة على إمكانية تعديل مشروع القانون التنظيمي للإضراب في مجلس المستشارين. وفي تصريحاته، أكد الوزير أنه على استعداد لإدخال تعديلات على مشروع القانون بهدف التوصل إلى توافق مع مختلف الأطراف. ومع ذلك، يبقى السؤال المفتوح: إلى أي مدى ستنجح الحكومة في تهدئة الأوضاع وإقناع النقابات المعارضة بأن التعديلات المطروحة ستكون كافية لحماية الحقوق الأساسية للعمال؟
إضراب أو هجوم سياسي؟
في الوقت الذي يصر فيه الاتحاد المغربي للشغل على رفضه القاطع لمشروع القانون، يؤكد أنه متمسك بحق الإضراب كما يكفله الدستور، وأنه لا يمكن المساس به. النقابة توعدت بتكثيف أشكال نضالها ضد ما تعتبره “محاولة لتكبيل حق الإضراب”، بما في ذلك تنظيم ندوة صحفية لتسليط الضوء على الانتهاكات الحقوقية التي يتضمنها مشروع القانون.
أسئلة مفتوحة للمستقبل
هل سيتسارع التوافق بين الحكومة والنقابات لتعديل القانون، أم ستستمر الأزمة وتفاقم التوترات؟ وهل سيتمكن الاتحاد المغربي للشغل من إقناع باقي النقابات بتبني موقفه المعارض، أم سيظل المعسكر النقابي منقسمًا؟ هذه الأسئلة ستظل تثير الجدل في الفترة المقبلة، بينما تستمر حكومة عزيز أخنوش في محاولاتها لتبني موقف متوازن بين مصالح جميع الأطراف.
الخطوة الأخيرة لنقابة الاتحاد المغربي للشغل تطرح تساؤلات حول دور النقابات في عملية التشريع: هل هي فاعل رئيسي في صناعة القرار، أم أن فاعليتها تقتصر على ردود الفعل السياسية التي تترجم في النهاية إلى معارك قانونية لا تنتهي؟