انشقاق باسم “الحركة”… بين التعددية السياسية وعبثية الاستنساخ

0
268

في مشهد سياسي مغربي يعرف منذ عقود حركية حزبية تحكمها ثوابت دستورية وخيارات استراتيجية واضحة، يبرز إعلان ميلاد حزب جديد باسم “الحركة الديمقراطية الشعبية” كحدث لا يمكن قراءته فقط من زاوية عدد الفاعلين أو مستوى تمثيليتهم، بل يستحق أن يُفكَّك في سياق أعمق يتعلق بفهم حدود المشروعية السياسية، ومآلات التعددية عندما تُفرغ من محتواها وتتحول إلى واجهات شخصية.

تصريحات محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، لموقع Rue20 لم تكن مجرّد رد فعل سياسي، بل حملت بين سطورها تحذيرًا صريحًا مما وصفه بـ”قرصنة اسم حزبٍ عمر لأكثر من سبعة عقود”، وهو توصيف يطرح سؤالًا مركزيًا: هل أصبح تأسيس الأحزاب في المغرب مجرد رد فعل على الإقصاء أو عدم التموقع داخل الأجهزة المركزية؟

في رده، أوضح أوزين أن مؤسسي الحزب الجديد لا ينتمون للقيادة الفعلية للحزب، مشيرًا إلى أحدهم كنقابي من الدار البيضاء سبق أن حاول الدعوة لمؤتمر “تصحيحي” ضد القيادة الشرعية للحركة، بينما الآخر عضو سابق في الشبيبة الحركية، انسحب احتجاجًا على عدم إدراجه ضمن المكتب السياسي، رغم “غياب قاعدة تنظيمية أو تمثيلية انتخابية له”، وفق تعبيره.

بعيدًا عن الأسماء، فإن القضية الجوهرية تتعلق بالسؤال التالي: إلى أي حد يمكن اعتبار هذه الانشقاقات امتدادًا صحِّيًا للتعددية السياسية، ومتى تتحول إلى عبث يقوّض مصداقية المشهد الحزبي؟

يؤكد أوزين أن “الأحزاب تُبنى على رؤى ومشاريع وبرامج، لا على الرغبة في القيادة أو الانتقام من مواقع تنظيمية”، وهو قول يصب في جوهر النقاش الوطني حول إصلاح الحياة الحزبية، وإعادة الاعتبار للعمل السياسي باعتباره أداة لصناعة البدائل، لا تصفية الحسابات.

من زاوية أخرى، يثير هذا المستجد سؤالًا حول موقع الأحزاب التاريخية في خريطة التوازن السياسي المغربي. فحزب الحركة الشعبية، الذي تأسس في قلب لحظة سياسية حاسمة سنة 1957، ظل يلعب دورًا في هندسة التوازنات الوطنية، مما يجعل التشويش على رمزيته أو استنساخ تسميته يطرح علامات استفهام حول الخلفيات والدوافع.

وفي هذا السياق، رفض أوزين تحميل محمد الفاضيلي، الرئيس السابق للمجلس الوطني للحركة، أية مسؤولية عن المشروع الجديد، مستبعدًا تورطه لاعتبارات سنية وصحية، مؤكداً أنه “عضو في مجلس الحكماء بالحزب”.

من هنا يمكن أن نفهم أن المعركة الحقيقية لا تدور حول أسماء أو مواقع، بل حول مضمون التعددية السياسية في المغرب اليوم. هل ما نشهده تطور طبيعي في ظل مناخ ديمقراطي مفتوح؟ أم هو، كما قال أوزين، “مهزلة في مسرحية المهازل السياسية”، تضرب العمق الرمزي والانتمائي للأحزاب وتختزل السياسة في لعبة كراسي؟

في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل يملك المشهد الحزبي المغربي ما يكفي من الحصانة الأخلاقية والمؤسساتية لمواجهة محاولات التمييع؟ وهل يمكن للمجتمع المدني والنخب السياسية أن تنهض بدورها في حماية التعددية من العبث، دون أن تقع في فخ الوصاية أو الانغلاق؟

لقد اختار المغرب طريقًا معقدًا لكنه واضح: ديمقراطية تعددية، مفتوحة على الجميع، لكن مشروطة بالجدية والالتزام والمسؤولية. وما عدا ذلك، فليس إلا صدى عبثي لصراع أشباح خارج منطق التاريخ والسياسة.