أدركت الفرنسا،تراجع نفوذها، لذا أعادت فرنسا تنشيط سياستها المغاربية، لا سيما من خلال زيارة رئيسها إيمانويل ماكرون إلى الجزائر في نهاية شهر أغسطس الماضي، ولكن باريس تبحر في المياه المضطربة في سياق التوترات الإقليمية الكبيرة.
من أجل توقيع طمأنت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا القادة الجزائريين، بأن “فرنسا لن تحذو حذو الولايات اتفاقية المتحدة فيما يتعلق بالاعتراف بمغربية الصحراء، طالما أن الأمم المتحدة لم تحسم هذا النزاع بشكل نهائي”.
ومن جهتها تعهدت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن مع نظيرها الجزائري أيمن بن عبد الرحمان، في الجزائر ،بعد توقيع 12 اتفاقا ثنائيا للتعاون لترسخ ديناميكية جديدة ودورة مستدامة ستفيد شعبينا وشبابهما”.تكثيف الشراكة الفرنسية-الجزائرية التي أعاد بلداهما إطلاقها في الآونة الأخيرة.
وبحسب مصادر “مغرب أنتلجنس” تبادل رئيس الدبلوماسية الجزائرية، رمطان لعمامرة، وجهات النظر مع نظيرته الفرنسية، “كان المغرب وملف الصحراء في قلب هذه المناقشات”
ومكنت المفاوضات مع فرنسا والجزائر من الحصول على وعد ساهم بشكل كبير في المصالحة الفرنسية الجزائرية منذ زيارة إيمانويل ماكرون إلى الجزائر العاصمة في الفترة من 25 إلى 27 أغسطس/آب المنصرم، هذا الوعد يتعلق بموقف فرنسا الرسمي من قضية الصحراء. وبهذا فإن فرنسا تحاول الاكتفاء بدعم جهود الأمم المتحدة لحل هذا الصراع دون تفضيل موقف المغرب علانية، لتجنب إغضاب النظام العسكري في الجزائر، خصوصا في هذه الظرفية التي تشهد فيه أوروبا أزمة طاقة خانقة.
ويبدوا من خلال هذا الموقف الجديد الذي تم التفاوض عليه مع الجزائر، أن فرنسا تريد استعادة توازن معين في المنطقة المغاربية وإحباط القيادة المغربية من خلال إعادة إطلاق دور الجزائر على الساحة الإقليمية.
وكانت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن قد قامت بزيارة عمل يومي 9 و 10 أكتوبر/نشرين الأول الجاري، مرفوقة بوفد كبير من الوزراء ورجال الأعمال الفرنسيين من أجل عقد اتفاقيات ثنائية تهم العديد من المجالات.
جدير بالذكر أن فرنسا تدعم رسميًا خطة الحكم الذاتي المغربية، إلا كاثرين كولونا تعهدت رسميًا لرمطان لعمامرة في الجزائر العاصمة، أن فرنسا لن تتبنى الموقف الأمريكي ولن تنحاز علنًا إلى المغرب من خلال الاعتراف بشكل قاطع بسيادته على هذه الأراضي التي تعمل الجزائر منذ 50 عاما على محاولة فصلها عن الأراضي المغربية .
قالت مجلة ‘‘جون أفريك’’ الفرنسية، إنه إدراكا منها لتراجع نفوذها، أعادت فرنسا تنشيط سياستها المغاربية، لا سيما من خلال زيارة رئيسها إيمانويل ماكرون إلى الجزائر في نهاية شهر أغسطس الماضي، ولكن باريس تبحر في المياه المضطربة في سياق التوترات الإقليمية الكبيرة.
وتطرقت ‘‘جون أفريك’’ إلى العلاقات الحالية بين فرنسا والمغرب متحدثة أولاً عن ‘‘الخلاف العاطفي’’ الذي يمس قضية الصحراء، حيث أوضحت المجلة أن فرنسا وبعد أن كانت ذات مرة في طليعة داعمي المغرب في هذه الأزمة الإقليمية، ها هي اليوم ترى العديد من الدول الغربية -الولايات المتحدة وإسرائيل وإسبانيا وألمانيا- تتجاوزها في هذا الدعم، إما من خلال الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، أو من خلال الإعلان أن خطة الحكم الذاتي التي يطرحها المغرب ‘‘تشكل الأساس الأكثر جدية لتسوية النزاع’’. ومن الآن فصاعدا، تتنظر الرباط من باريس أدلة إضافية على الحب، كما يشهد على ذلك خطاب الملك المفدى محمد السادس يوم 20 أغسطس الماضي. الذي أرسى معيار السياسة الخارجية للمملكة، بقول جلالته حفظه الله: “ إن ملف الصحراء “هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم”، داعيا شركاء المملكة الى توضيح مواقفهم بشكل تام من مغربية الصحراء”.
حدود ‘‘في الوقت نفسه’’
المشكلة -بحسب ‘‘جون أفريك’’- أن أي انعطاف فرنسي في هذا الاتجاه سيكون له تأثير تلقائي في إثارة غضب الجزائر، التي خرجت باريس لتوها من أزمة دبلوماسية معها استمرت عدة أشهر. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المنخرط بشكل كامل في سياسة مصالحة تاريخية مع الجزائر، والتي تبقى نتائجها غير مؤكدة، لا يمكنه الآن العودة إلى الوراء في منتصف المعبر أو الطريق، إلا إذ اعترف بفشل سياسته الجزائرية. وتشير المجلة إلى أن الأخير حجز للجزائر زيارته الأولى إلى المغرب العربي في ولايته الرئاسية الثانية.
في سياق آخر، فإنه على سبيل المثال خلال سنوات حكم بوتفليقة، عندما كانت الدبلوماسية الجزائرية صامتة، ربما كان وقتها بإمكان رئيس الدولة الفرنسي الحفاظ على شكل من التوازن بين الرباط والجزائر، وفقًا لوصفته الخاصة “في الوقت نفسه”.
لكن على الرغم من بعض مؤشرات التهدئة من الجانبين الجزائري والمغربي، فالتوتر يتزايد بينهما بشأن قضية الصحراء، والذي أظهره دبلوماسيو البلدين منذ عدة أشهر، حيث لا يمر أسبوع دون أن يتبادل ممثلو ‘‘البلدين الشقيقين’’ الهجمات الكلامية، ولم يعد احتمال نشوب صراع مفتوح جديد بين الجارتين خيالا علميا، تقول ‘‘جون أفريك’’، معتبرة أن الرئيس الفرنسي يسير على قشر البيض وأن عليه أن يحرص على الامتناع عن الحديث عن هذا الموضوع. وهذا هو بالضبط ما يطلبه العاهل المغربي، وفق المجلة الفرنسية دائماً.
كما اعتبرت ‘‘جون أفريك’’ أن المفاوضات خلف الكواليس حول مضمون زيارة إيمانويل ماكرون المرتقبة إلى المغرب، التي كان قد أعلن عنها هو بنفسه عقب عودته من الجزائر، تعد بأن تكون الأصعب.
الورقة التونسية
عن العلاقات الفرنسية التونسية، قالت ‘‘جون أفريك’’ إنه في مواجهة تراجع النفوذ الفرنسي في المنطقة لصالح لاعبين جدد -إسرائيل وتركيا على وجه الخصوص- يرى الرئيس الفرنسي في تطورات النظام التونسي مادة لإعادة نشر نفوذ بلاده. وأكدت المجلة أن تونس وجدت تفهماً أكثر من الرئيس الفرنسي، بعد أن تخلت عنها الولايات المتحدة الرافضة للنزعة الاستبدادية المتزايدة للرئيس التونسي قيس سعيد.
وأشارت ‘‘جون أفريك’’ إلى أنه في أعقاب الاستفتاء الدستوري في تونس، والذي لم يحترم القواعد الأساسية لأي ممارسة ديمقراطية، وصف ماكرون الاقتراعَ بأنه ‘‘مرحلة مهمة في عملية الانتقال السياسي الجارية’’، وأكد لنظيره التونسي دعم باريس في المناقشات بين تونس وصندوق النقد الدولي.
لكن هنا مرة أخرى -توضح ‘‘جون أفريك’’- فإن السياق الإقليمي الحالي لا يسهل مهمة قصر الإليزيه، في ظل الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وتونس، والتي أشعلها قيس سعيد بخروجه عن خط ‘‘الحياد النشط’’ التقليدي لقصر قرطاح بشأن أزمة الصحراء، من خلال استقباله شخصيا ما يسمى برئيس وهمي للجمهورية الصحراوية إبراهيم غالي، بمناسبة قمة “تيكاد” الثامنة التي عُقدت في تونس نهاية شهر أغسطس، وهو ما أثار غضب الرباط المتوقع، كما تقول ‘‘جون أفريك’’، معتبرة أن تونس، التي باتت تعتمد المعونات المقدمة من الجزائر، لم تعد في منأى عن الشظايا الناتجة عن الصراع الصحراوي، وأضحت الآن تصنف من قبل المغرب على أنها ‘‘مؤيدة للجزائر’’.
ورأت ‘‘جون أفريك’’ أن الرهان الكامل للرئيس الفرنسي الآن هو إعادة إطلاق الصداقة الإستراتيجية الفرنسية المغربية، وتحقيق مصالحة تاريخية مع الجزائر، واستعادة مكانته كـ‘‘عراب’’ تونس أو ‘‘الأب الروحي’’ لتونس. وهي أهداف يعتبرها البعض متناقضة، بل من المستحيل تحقيقها ‘‘في الوقت نفسه’’ في مثل هذا السياق.
وكان صاحب الجلالة الملك المفدى محمد السادس حفظه الله “وجّه رسالة واضحة للجميع: قائلا: “إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”.
واوضح جلالته بأن “الموقف الثابت للولايات المتحدة الأميركية شكل حافزا حقيقيا لا يتغير بتغير الإدارات ولا يتأثر بالظرفيات”.
وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلنت واشنطن اعترافها بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، وفتح قنصلية أميركية بمدينة الداخلة في الصحراء.
واضاف الملك محمد السادس “نثمن الموقف الواضح والمسؤول لجارتنا إسبانيا التي تعرف جيدا أصل هذا النزاع وحقيقته. الموقف الإيجابي لإسبانيا أسس لمرحلة جديدة من الشراكة لا تتأثر بالظروف الإقليمية، ولا بالتطورات السياسية الداخلية”.
وفي مارس/ آذار الماضي، عاد الدفء لعلاقات البلدين بعد إعلان إسبانيا دعمها مبادرة الحكم الذاتي المغربية لتسوية النزاع في الصحراء.
كما أعرب العاهل المغربي عن تقديره لعدد من “ملوك وأمراء ورؤساء الدول العربية الشقيقة، خاصة الأردن والبحرين والإمارات وجيبوتي وجزر القمر” التي فتحت قنصليات بالعيون (كبرى محافظات الصحراء المغربية) ومدينة الداخلة.
كما عبر عن نفس الموقف بخصوص” 40 في المئة من الدول الأفريقية تنتمي لخمس دول جهوية فتحت قنصليات في العيون والداخلة”، وكذلك دول من أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي.
وشكر أيضا “باقي الدول العربية التي أكدت باستمرار دعمها لمغربية الصحراء في مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي ومصر واليمن”.
وفي نفس الوقت طالب العاهل المغربي من “شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل”.
ويعتبر النزاع على إقليم الصحراء المغربية، بين المغرب وجبهة البوليساريو وحليفتها الجزائر، من أقدم النزاعات في أفريقيا.
وبدأ هذا النزاع بعد استقلال الصحراء عن الاستعمار الإسباني في عام 1975 ليتم إنشاء جبهة البوليساريو بعد ذلك بعام وحملها السلاح في وجه المغرب مطالبة بانفصال الإقليم الغني بالثروة السمكية والفوسفات، ويعتقد أن به مكامن نفطية.
ولم تهدأ الحرب إلا بعد أن تدخلت الأمم المتحدة في عام 1991، ويقترح المغرب حكما ذاتيا للأقاليم الصحراوية تحت السيادة المغربية، بينما تتشبث الجبهة بخيار الانفصال.