باللون الأحمر وبصوت واحد: مظاهرة لاهاي تكشف يقظة الضمير الأوروبي… والجالية المغربية تسهم في صناعة التحول الهادئ لصالح فلسطين

0
374
صورة: أ.ف.ب

لم يكن الأحمر هذا الأحد في لاهاي لونًا عابرًا أو مجرد تعبير احتجاجي. بل كان صرخة جماعية نُسجت من خيوط الوعي والاحتقان الأخلاقي، جمعت بين الهولنديين من كافة المشارب، والمغاربة المقيمين في هولندا، الذين شاركوا بأعداد وازنة في المسيرة الضخمة التي جابت شوارع العاصمة السياسية للمملكة المنخفضة. شعارهم كان واضحًا: “أوقفوا الإبادة في غزة، كفى تواطؤًا.”

حين تصبح لاهاي مرآةً لغزة… وأوروبا على المحك

لاهاي، مدينة القانون الدولي ومقر محكمة العدل، تحولت إلى منصة مفتوحة لمحاكمة الصمت. إذ سار نحو 150 ألف متظاهر، بحسب المنظمين، باتجاه المحكمة الدولية نفسها، وكأنهم يطالبونها بالتوقف عن التفرج، وبدء اتخاذ خطوات فعلية تجاه ما سموه “الإبادة الجماعية الجارية بحق الفلسطينيين في غزة.”

اللافت أن هذه المسيرة لم تكن فقط حشدًا جماهيريًا تقليديًا. بل بدت وكأنها جزء من دينامية متنامية في الشارع الأوروبي، باتت تضع الحكومات في مأزق أخلاقي ودبلوماسي. خصوصًا مع انهيار الحكومة الهولندية في وقت حساس، بعد انسحاب حزب اليمين المتطرف، ما زاد من تعقيد موقف أمستردام الرسمي تجاه الجرائم المرتكبة في القطاع المحاصر.

أين تقف الجالية المغربية في هذه اللحظة السياسية؟

الحضور اللافت للمغاربة الهولنديين في هذه التظاهرة لم يكن مجرد مشاركة عاطفية. بل يعكس تطورًا نوعيًا في وعي هذه الجالية، التي أصبحت تدرك أن دورها لا يقتصر على الاندماج الاقتصادي والاجتماعي، بل يتعداه نحو المساهمة في تشكيل مواقف الرأي العام الهولندي والدفع باتجاه مواقف رسمية أكثر عدالة تجاه القضية الفلسطينية.

هذا الوعي المتصاعد يمكن قراءته في الشعارات التي رفعها مغاربة من الجيلين الثاني والثالث، والتي جمعت بين المرجعيتين الإنسانية والسياسية، من قبيل: “اصمتوا عندما ينام الأطفال، لا عندما يُقتلون”، و*”الضمير لا يحتاج إلى تصريح من الخارجية.”*

بين لاهاي وغزة… خطوط حمراء ومربعات صامتة

“ما يحدث في غزة ليس مجرد حرب”، تقول دودو فان دير سلويس (67 عامًا)، مضيفة: “إنه انقراض يومي لكرامة الإنسان، وما أفعله هنا هو أقل ما يمكن.” هذا الصوت الهولندي الغاضب يفضح هشاشة المواقف الرسمية الأوروبية، ويعيد طرح سؤال صارخ: إلى متى يستمر النفاق الغربي في التعامل مع الحقوق الإنسانية؟

وتضيف التظاهرات الأخيرة بعدًا قانونيًا مهمًا، خصوصًا أنها تجري في مدينة محكمة العدل، حيث تنظر الدعاوى المقدّمة ضد الاحتلال الإسرائيلي. ما يجعل من الحشد الجماهيري أداة ضغط مباشرة على المؤسسات التي طالما انتقدها الفلسطينيون لبطئها أو حيادها المضلل.

هل تشكل الجاليات جسورًا جديدة لتصحيح السياسات الأوروبية؟

المشاركة المكثفة للجاليات العربية والمغربية خصوصًا، تفتح بابًا جديدًا للنقاش: هل تستطيع هذه الجاليات أن تتحول إلى قوة ضغط ناعمة داخل المجتمعات الأوروبية؟ وهل يمكن للمغاربة بهولندا، بما لهم من حضور في البلديات والبرلمان والإعلام، أن يساهموا في تصويب بوصلة السياسة الخارجية الهولندية تجاه القضية الفلسطينية؟

التاريخ القريب يؤكد أن الحركات المدنية هي من تصنع التحول، وأن المعارك الأخلاقية لا تحسمها الحكومات وحدها، بل أيضًا أصوات الشعوب المنظمة، خاصة حين تتقاطع مع نخب مهاجرة أصبحت تملك أدوات التأثير والنفوذ.

في الختام: غزة في قلب أوروبا… لكن ماذا بعد؟

قد لا تسقط الطائرات بالقلم، لكن سقوط الأقنعة يبدأ من الميادين. وما حدث في لاهاي ليس مجرد مظاهرة، بل تراكم رمزي لتحوّل عميق في المزاج الأوروبي، وجرس إنذار للعواصم الغربية بأن “الخط الأحمر” الذي رفعه المتظاهرون قد يكون بداية نهاية لصمت طال كثيرًا.

الرهان الآن لم يعد فقط على الشعوب، بل على قدرتها في مأسسة غضبها، وتحويل الاحتجاج إلى فعل سياسي منظم. وهنا، تتجلى مسؤولية الجاليات المغربية والعربية، ليس فقط في رفع الصوت، بل في نقل المعركة من الشارع إلى البرلمان، ومن اللافتات إلى مراكز القرار.