بايتاس ينفي… لكن الجدل يستعر: هل تخشى الحكومة فحص المحكمة الدستورية لقانون المسطرة الجنائية؟

0
172

في زمنٍ تتزايد فيه المطالب بتعزيز الثقة في المؤسسات التشريعية والقضائية، خرج الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، لينفي ما راج من “أنباء” حول اعتراضه – أو اعتراض الحكومة – على إحالة مشروع قانون المسطرة الجنائية إلى المحكمة الدستورية.

تصريح بدا في ظاهره توضيحًا تقنيًا، لكنه يفتح الباب واسعًا أمام أسئلة أعمق تتعلق بحدود السلطة التنفيذية في التعامل مع مشاريع القوانين ذات الحساسية الحقوقية، وبمدى استقلال السلطة التشريعية في ممارسة رقابتها الدستورية.

فهل هو مجرد نفي لإشاعة؟ أم أن خلف النفي يوجد تخوّف حقيقي من أن يتعرض القانون لمسطرة فحص دستوري قد تُفرغه من مضامين مثيرة للجدل؟ وهل تسعى الحكومة إلى تسريع المصادقة على نصوص تشريعية دون المرور عبر غربال المحكمة الدستورية؟

الحكومة تنفي والإجراءات تُذكّرنا بالاختصاصات

بايتاس، خلال لقائه الأسبوعي بالصحافيين عقب المجلس الحكومي ليوم الخميس 12 يونيو 2025، حاول وضع الأمور في إطارها الدستوري، موضحًا أن إحالة القوانين إلى المحكمة الدستورية اختصاص محصور دستوريًا في رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خُمس أعضاء أحد المجلسين.

بهذا الرد، يبدو أن الوزير أراد غلق الباب أمام قراءات تسييسية للموضوع، خاصة بعد أن تبنّت هيئات مدنية، من ضمنها الجمعية المغربية لحماية المال العام، وجهات نظر تفيد بوجود “اعتراض غير معلن” على المرور من بوابة القضاء الدستوري.

لكن ما الذي يجعل قانون المسطرة الجنائية مثارًا لهذا القدر من الحذر؟

مشروع القانون الجنائي… جدل قديم بتأويل جديد

قانون المسطرة الجنائية ليس مشروعًا عاديًا، بل هو من أكثر النصوص حساسية لارتباطه الوثيق بالحقوق والحريات، وبأدوار الشرطة والقضاء، وبالضمانات الدستورية للمواطنين. وقد سبق للعديد من الجمعيات الحقوقية، على غرار “العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان”، أن عبّرت عن مخاوفها من بعض المواد التي تمس قرينة البراءة، أو توسّع من صلاحيات الضبط.

وفي هذا الإطار، يصبح فحص المحكمة الدستورية لهذا المشروع صمام أمان لضمان التوازن بين حماية الأمن ومراعاة الحقوق. فهل الحكومة مستعدة لقبول هذا الامتحان أم تسعى لتفاديه؟

مقترحات القوانين: “في الثلاجة”؟

من جهة أخرى، قدّم بايتاس معطيات رقمية مثيرة بشأن التفاعل الحكومي مع مقترحات القوانين التي يقدّمها البرلمانيون. إذ أقرّ بتوصّل الحكومة بـأكثر من 400 مقترح قانون، في حين أن نسبة التفاعل الإيجابي لم تتعدّ، بحسبه، 8 إلى 9 في المئة، وهي النسبة التي اعتبرها “مطابقة للمعايير الدولية”.

لكن هذه النسبة، وإن كانت “تقنية”، تُثير أسئلة سياسية: هل تتعامل الحكومة بمنطق “الانتقائية” مع مبادرات نواب الأمة؟ هل نحن أمام برلمان يشرّع… دون أن يُسمع؟ وهل يعكس هذا البرود التشريعي تراجعًا في التوازن المؤسساتي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية؟

تنظيم جديد للّجنة التقنية: إصلاح أم إحكام للسيطرة؟

بايتاس أشار أيضًا إلى تغيير الحكومة لمنشور رئيس الحكومة السابق بشأن كيفية دراسة مقترحات القوانين داخل اللجنة التقنية. إذ فُرض الآن، بحسبه، حضور ممثلين بمستوى “مدير مركزي على الأقل” عند مناقشة هذه المقترحات.

لكن، ورغم الطابع التنظيمي الظاهري لهذا الإجراء، تُطرح تساؤلات بشأن أهدافه العميقة:
هل هو تكريس للجدية في التعاطي مع المبادرات البرلمانية؟
أم تعقيد إداري إضافي يطيل المسطرة ويجعل من إقرار القوانين المستقلة عن الجهاز التنفيذي أمرًا شبه مستحيل؟

المعارضة تحتج… والحكومة تُطمئن

في ظل هذا السياق، تتصاعد أصوات في المعارضة تتهم الحكومة بـ”الاستخفاف” بدور البرلمان الرقابي والتشريعي، في حين يرد بايتاس بتأكيد احترام الحكومة لهذه الأدوار وتثمينه لها.

لكن هذا التصريح، رغم طابعه التصالحي، لا يُخفي التوتر السياسي العميق بين السلطة التنفيذية والأصوات البرلمانية، خصوصًا حين يتعلق الأمر بنصوص قانونية تمس الحياة اليومية للمواطن وتفتح الباب على تأويلات سياسية ودستورية.

نحو سؤال أعمق: من يحمي التوازن الدستوري؟

إن نفي بايتاس لا يوقف الجدل، بل يدفع نحو إعادة طرح سؤال جوهري في التجربة الديمقراطية المغربية: هل نحن أمام مسار تشريعي متوازن يضمن التفاعل الحقيقي بين السلطتين؟ أم أننا بصدد هيمنة تنفيذية تتستر خلف المقتضيات الشكلية؟

وبين هذا وذاك، تبقى المحكمة الدستورية، رغم ما يحيط بها من جدل في بعض الأحيان، الملاذ الأخير لحماية روح الدستور وضمان ألا تتحوّل النصوص القانونية إلى أدوات للمخاطرة بحقوق الأفراد أو تهميش المؤسسات.