بعد التنديد الشعبي..فتح تحقيق ضد لوبي النفط في المغرب

0
447

بعد انتظار أشهر، قرر مجلس المنافسة إعادة الملف المتعلق بوجود محتمل لممارسات منافية للمنافسة في سوق توزيع المحروقات إلى مصالح التحقيق.

وأوضح بلاغ صادر عن المقرر العام لسلطة المنافسة، أن هذا القرار، الذي اتخذه المجلس، بإجماع أعضائه يأتي عقب التعديلات التي عرفها الإطار القانوني المنظم للمنافسة، والتي استهدفت إضفاء الدقة اللازمة على المساطر المعمول بها أمام المجلس، وكذا تعزيز الضمانات القانونية المخولة للأطراف المعنية بهذه المساطر.

وبين المجلسي على أن  القرار جاء عقب التعديلات التي عرفها الإطار القانوني المنظم للمنافسة بعد دخول القانونين رقم 40.21 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، ورقم 41.21 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة، حيز التطبيق.

وأضاف البلاغ أن هذه التعديلات تهدف إلى إضفاء الدقة اللازمة على المساطر المعمول بها أمام المجلس وكذا تعزيز الضمانات القانونية المخولة للأطراف المعنية بهذه المساطر، خالصا إلى أنه “تبعا لهذا القرار ستقوم مصالح التحقيق بإنجاز تقرير في الموضوع وتقديمه أمام هيئة المجلس، بعد إعمال مسطرة تأخذ بعين الاعتبار التعديلات الواردة في القانون 104.12 المشار إليه أعلاه ولا سيما منه المواد 31 و 33 مكررة و37 و38 مكررة و 39”.

رقم المعاملات الموطد لشركة “أفريقيا غاز” تقفز إلى 2.45 ملايير درهم..أخنوش يخدم المغاربة أم استثماراته؟

في سياق متصل ،كشفت مصادر متطابقة أن تقرير المهمة الاستطلاعية المؤقتة، خرج تحت الضغط على رئيسها، عبد الله بووانو، رئيس لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، والقيادي في حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة.

وقال حينها مصدر مسؤول بإحدى شركات المحروقات الذين التقوا برئيس اللجنة عند إعداد التقرير، في تصريح صحفي، إن “رئيس لجنة المهمة الاستطلاعية أقر لهم بتعرضه لضغوطات كبيرة أثناء إعداد التقرير”.

وتابع ذات المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن “كان رئيس اللجنة قد أعلن بلسانه أن التقرير خرج تحت الضغط، وأنه لم يستطع أن يفعل أكثر من هذا، فماذا تريد أن يقول الآخرون؟”.

وأضاف ذات المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، في تصريحه المقتضب لوسائل إعلام أجنبية، أن “حجم الضغوطات كانت كبيرة، وجاءت من داخل الحزب ومن خارجه”. ورفض الحديث عن طبيعة هذه الضغوطات.

التقرير كان مفروضا أن يكشف جوانب “مجهولة” عن عالم المحروقات في المغرب، خاصة في ظل اتهامات كثيرة للشركات.

المصدر المسؤول في شركة المحروقات، قال إن “التقرير قفز بشكل غير مفهوم عن أرباح الشركات، كيف تقول إن المهمة الاستطلاعية انتهت، وأنت لم تقل للناس شيئا عن أرباح الشركات؟”.

وتابع ذات المصدر: “التقرير تحدث عن استفادة الدولة وأرباح الأبناك في الجملة، غير أنه سكت عن أرباح الشركات، مع العلم أن الأسعار منذ قرار التحرير كانت في أدنى مستوى لها عالميا، بينما كان السعر عاليا في المغرب”.

من جهتها، ذهبت مصادر برلمانية، إلى أن “ممثلي فرق الأحرار والأصالة والمعاصرة والحركة الشعبية، والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، رفضوا رفضا قاطعا أن يتضمن تقرير اللجنة أية معطيات رسمية مسلمة من طرف الحكومة، حول بنية أسعار المحروقات، داعين إلى الاعتماد على وثائق جمعية النفطيين بالمغرب فقط، على اعتبار أنها تضم جميع شركات التوزيع، وتشتغل بالمجال وتعرف إكراهاته ومعطياته”.

وتابعت المصادر القريبة من التقرير، أن أعضاء اللجنة رفضوا “إدراج أية إشارة لبنية أسعار المحروقات، بناء على معطيات وزارة الاقتصاد والمالية، والتي تشرح الجزء الثابت والجزء المتغير في الأسعار التي يُفترض أن تعلن عنها محطات التوزيع والبيع”.

وزادت أنهم منعوا “إدراج معطيات صادرة عن وزارة الطاقة والمعادن بتاريخ 18 فبراير 2018، تكشف العلاقة بين أسعار شراء المحروقات من السوق الدولية، والسعر المفترض أن يتم به البيع في المحطات، والذي لا يتجاوز وفق حسب المعطيات المشار إليها، 7 دراهم بالنسبة للبنزين و6 دراهم للغازوال، في وقت تجاوزت فيه أسعار البيع 10 دراهم بالنسبة للغازوال و11 درهم بالنسبة للبنزين”.

واعترض أعضاء اللجنة أيضا، “إدراج شبكة المعطيات التي تشير إلى هذه الأرباح والتي تجاوزت 300 في المائة بالنسبة لبعض الشركات في ظرف سنة فقط بعد اعتماد قرار تحرير أسعار المحروقات”.

واستغربت تلك المصادر “كيف أن أحزاب الأغلبية والمعارضة في مجلس النواب اتفقوا على تبني وجهة نظر واحدة وموحدة أثناء نقاش التقرير، ما جعل رئيس اللجنة عبد الله بووانو معزولا داخل اللجنة”.

وتساءلت مصادر إعلامية عن سر اختفاء وثيقة مهمة من التقرير لها علاقة بوزير الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات والتنمية القروية، عزيز أخنوش، الرجل النافذ ومالك شركة أفريقيا “رائد” قطاع المحروقات في المغرب.

وأفادت ذات المصادر أن من بين الوثائق التي استلمتها لجنة المهمة الاستطلاعية المؤقتة، تتعلق بعملية “التأمين على سعر المحروقات السائلة”، التي أبرمت في 2013.

وذهب موقع “لكم”، إلى أنه اختفت تماما من النسخة النهائية من تقرير اللجنة الاستطلاعية حول المحروقات، فقرة كاملة كانت تحمل رقم (4) في النسخة الأولى من التقرير تحت عنوان “التأمين على سعر المحروقات السائلة”.

وتابع موقع “لكم” أن هذه الفقرة “ثم اتخاذ قرار إبرام عقد التأمين الدولي مع (وول ستريت) من طرف البنك المغربي للتجارة الخارجية، وهو القرار الذي يمتع شركات المحروقات بامتيازات عالمية لشراء هذه المادة من السوق الدولي بأثمنة مريحة على حساب الحكومة المغربية والمالية العمومية”.

وتابعت الفقرات المحذوفة: “بعدما نزلت أسعار المحروقات إلى مستويات قياسية لم تشهدها منذ سنوات السوق الدولية، تساءل مجموعة من الخبراء والمتتبعين في المغرب حول كلفة التأمين على مخاطر ارتفاع أسعار الغازوال، الذي كلف الحكومة 509 ملايين درهم، إذا تجاوز السعر العالمي سقف 120 دولارا للبرميل الواحد، وهو ما لم يحدث بعدما عرفت أسعار المحروقات انخفاضا غير مسبوق”.

وزاد الموقع: “إن هذه الصيغة جاءت في ظرفية خيمت عليها توقعات باستمرار ارتفاع أسعار البترول، وعلى خلفية سياسة تحرير أسعار المحروقات؛ حيث مكن هذا التأمين من الاحتياط بسبب خطر تقلبات ارتفاع أسعار البترول في الفترة ما بين 13 أيلول/ سبتمبر و31 كانون الأول/ ديسمبر 2013”.

وختم بهذا السؤال، نقلا عن الفقرات المحذوفة: “كيفية فتح اعتمادات أداء لهذا التأمين مع أنها لم تكن مدرجة في قانون المالية لسنة 2013 الذي صادق عليه البرلمان؟”.

وتعود النازلة إلى 2013، حين كان عزيز أخنوش، وزيرا للمالية بالنيابة، بعد استقالة نزار بركة بسبب خروج حزب “الاستقلال” من حكومة عبد الإله بن كيران.

خلاصات التقرير

جرى على نطاق واسع  ترويج نسخة من تقرير لجنة المهمة الاستطلاعية المؤقتة، حول أسعار المحروقات، الذي جاء خاليا من الأرقام التي تثبت أرباح الشركات، بل قال إن الدولة والأبناك هما المستفيدان الأكبران من عملية تحرير سوق المحروقات.

“اللجنة الاستطلاعية” التي شكلها مجلس النواب للوقوف على أسعار البيع للعموم وشروط التنافسية في قطاع المحروقات، بعد عملية تحرير السوق، خلصت إلى أن الدولة هي أول مستفيد من قرار التحرير ورفع الدعم عن المواد البترولية.

وقال التقرير الذي سيناقش يوم 15 أيار/مايو الجاري أمام البرلمان قبل أن يعرض على العموم، إن الدولة استفادت من توفير ما يزيد عن 35 مليار درهم سنويا، من نفقات المقاصة والتي بلغت سنة 2012 مستوى قياسيا يقدر بـ 56 مليار درهم.

وخلص التقرير إلى القول بأن كلفة التوزيع والتقسيط كانت تمثل 6% بالنسبة للغازوال أي ما يعادل 0.55 درهم، و7% بالنسبة لثمن البنزين أي ما يقارب 0.69 درهم في تشرين الأول/ أكتوبر 2015 قبل التحرير، ليسجل أن نمو متوسط الفارق بين الأسعار المحتسبة استنادا إلى تركيبة الأسعار ما قبل التحرير والأسعار المعتمدة بعد التحرير، بزائد 96 سنتيما في اللتر في الغازوال، و76 سنتيما في البنزين.

وقال التقرير، أيضا، إن القطاع البنكي هو الذي استفاد من فترة المقاصة بما أنه كان يقوم بتغطية مديونية الدولة اتجاه الشركات بفوائد عالية.

ونقل التقرير عن مجلس المنافسة قوله إنه “يصعب التأكيد على وجود تواطؤ بين شركات المحروقات في تحديد الأسعار في محطات الوقود من عدمه”.

ورغم أن المؤشرات تقول بأن التقرير أنهى في لجنة المهمة الاستطلاعية وأنها قدمت كل ما لديها، إلا أن قياديا في حزب العدالة والتنمية قال لـ”عربي21″، لا شيء انتهى ونملك حقنا في المطالبة بكل المعطيات وبسطها في جلسة 15 ايار/ مايو القادم، فلا أحد يملك ان يصادر حقنا في النقاش”.

يذكر أن اللجنة الاستطلاعية البرلمانية يرأسها عبد الله بووانو عن حزب “العدالة والتنمية”، وكانت قد تشكلت على خلفية انتقادات وجهت لشركات المحروقات اعتبرت أن الأسعار التي تطبقها مرتفعة مقارنة مع ما يجب أن تكون.

وفي 29 يوليوز 2020، صدر بلاغ للديوان الملكي جاء فيه أن الملك محمد السادس، توصل يوم 23 يوليوز 2020، بمذكرة من رئيس مجلس المنافسة تتعلق بقرار المجلس حول “التواطؤات المحتملة لشركات المحروقات وتجمع النفطيين بالمغرب”، وفي هذه المذكرة، رفع الرئيس إلى نظر الملك محتوى “القرار المعتمد من طرف الجلسة العامة ليوم 22 يوليوز بموافقة 12 صوتا ومعارضة صوت واحد”، القاضي بفرض غرامة مالية بمبلغ 9 في المائة من رقم المعاملات السنوي المحقق بالمغرب، بالنسبة للموزعين الثلاثة الرائدين، (أفريقيا وفيفو إينيرجي وتوتال) وبمبلغ أقل بالنسبة لباقي الشركات.

وتستحوذ شركة رئيس الحكومة “إفريقيا غاز” على 36 بالمئة من سوق المحروقات في المغرب، 29% من الديزل و42% من البنزين الممتاز.

في سياق أزمة المحروقات والارتفاع المتواصل لأسعارها بالمغرب، تحدثت صحيفة “لوموند” الفرنسية عما وصفته بـ “وجود تضارب في المصالح”، في إشارة واضحة إلى رئيس الحكومة “عزيز أخنوش”، الذي يعتبر في ذات الأوان، صاحب واحدة من أكبر شركات المحروقات بالمغرب، والتي تراكم أرباحا خيالية وفق تعبير الصحيفة الفرنسية.

وكما أكدت “لوموند” الفرنسية أن هذا الارتفاع المتواصل في  أسعار المحروقات بالمغرب، أثار جدلا واسعا، خاصة في ظل حديث عن مراكمة الشركات المتحكمة في السوق لـ”أرباح خيالية”، وسط تساؤلات عريضة حول امتناع حكومة “عزيز أخنوش”، إلى اليوم تحديد “سقف لأرباح” هذه الشركات، خاصة أنه معني بالقرار الملح، بوصفه مالكا لإحدى أكبر هذه الشركات.

كما أكدت “لوموند” أيضا،  أن “أخنوش” وفي معرض جواب له بالبرلمان، نفى صحة الأخبار التي وصفت أرباح شركات المحروقات بـ”الفاحشة”، واعتبرها مجرد أخبار كاذبة لا أساس لها من الصحة.

وقالت “إلموندو”، إن واردات المغرب من الوقود الروسي عرفت في الشهور الأخيرة قفزة كبيرة نحو الأعلى، حيث انتقل مجموع ما استورده المغرب في 2021 من 600 ألف برميل وقود، إلى 2 مليون برميل في يناير 2023 و 1.2 مليون في شهر فبراير الماضي، في إشارة إلى أن شهر واحد من العام الجاري يفوق ما استورده المغرب في سنة 2021 كاملة.

وكانت شركة “ريبسول” الإسبانية، قالت بأن الوقود الروسي لازال متداولا ومُستعملا في الأسواق الإسبانية والأسواق الأوروبية، داعية الحكومة الإسبانية لفتح تحقيق لمعرفة الجهات والمصادر التي لازالت تعمل على تصدير الوقود الروسي إلى أوروبا بالرغم من العقوبات المفروضة على موسكو.

ونقلت الصحافة الإسبانية الجمعة الماضية، تصريحا لوزيرة الانتقال الطاقي الإسبانية، تيريزا ريبيرا، كشفت فيها بأن وزارتها تعمل على إعداد مطلب موجه إلى المفوضية الأوروبية تُطالبها بوضع اجراءات تحدد مصادر الوقود الذي يدخل إلى الأسواق الأوروبية والتحقيق في هذه المصادر من أجل الابقاء على العقوبات الغربية مطبقة على روسيا دون خروقات.

ووفق الصحافة الإسبانية، فإن “الأصابع” تتجه إلى بلدان شمال إفريقيا، بكونها هي التي تقف وراء إعادة تصدير الوقود الروسي إلى أوروبا تحت أسماء تصدير جديدة، خاصة أن تقارير دولية عديدة رصدت ارتفاع كميات الوقود الروسي التي استوردته هذه البلدان من روسيا في الشهور الأخيرة، وهي كميات تفوق حاجيات هذه البلدان.

ويبقى المغرب من أبرز الدول المشكوك فيها، حسب الصحافة الإسبانية، في ظل وجود تعاون ثنائي مع إسبانيا في مجال الطاقة، خاصة بعد توتر العلاقات بين مدريد والجزائر، حيث تحوم شكوك في أن المغرب يعمل على استيراد الوقود الروسي بكميات كبيرة، ثم إعادة تصديره إلى بلدان أوروبية مثل إسبانيا.

هذا وكانت “الصحيفة” عبر نسختها الورقية في عدد مارس الماضي، قد كشفت عبر تحقيق حصري، توصل المغرب بشحنات كبيرة من الغازوال الروسي بين 2022 و 2023 بكميات مرتفعة، وقد أكد خبراء لـ”الصحيفة” بأن المغرب من الوجهات التي تُصدر لها روسيا الوقود من أجل إعادة بيعه، وبالتالي الالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة عليها.

فهل أصبحت مهمة رئيس الحكومة هي كيفية تعزيز انتشار استثماراته ومضاعفة ثروته عوض البحث عن حلول للمشاكل المعيشية لحوالي 40 مليون مغربي؟