تراجعت حصة الفرد المغربي من الماء، إلى أقل من 650 مترا مكعبا سنويا، مقابل 2500 عام 1960، ومن المتوقع أن تقل هذه الكمية عن 500 متر مكعب بحلول سنة 2030، بحسب تقرير سابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في المغرب (حكومي).
قررت الحكومة وقف دعم زراعة مجموعة من الفواكه التي ساهمت في استنزاف الفرشة المائية بالمغرب على مر السنوات السابقة، ويتعلق الأمر بأشجار الأفوكادو والحوامض الجديدة والبطيخ الأحمر.
وقالت الحكومة في قرار مشترك وقعه كل من وزير الفلاحة والوزير المنتدب المكلف بالميزانية إن الزراعات غير المؤهلة للدعم بالنسبة لمشاريع الري الموضعي المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 6 من القرار المشترك 1323.22 الصادر في 18 ماي 2022، هي هذه الفواكه المذكورة.
ويأتي وقف الدعم في سياق الأزمة المائية التي يعيشها المغرب، والتي فرضت إعلان حالة الطوارئ المائية واتخاذ عدة تدابير لترشيد استهلاك المادة الحيوية، بلغت في بعض الأحيان إلى نقص الصبيب ووقفه.
كما يأتي وقف الدعم عن هذه المنتجات في سياق تزايد المطالب بوقف زراعتها نهائيا بالمغرب، بسبب استهلاكها الكبير للمياه، حيث تعالت العديد من الأصوات ونُظمت حملات إلكترونية تطالب بعدم زراعة الأفوكادو والبطيخ الأحمر والحفاظ على ما تبقى من ثروة مائية.
في وقت سابق دق المجلس الأعلى للحسابات، ناقوس الخطر في تقريره السنوي، الصادر في منتصف مارس 2022، والمتعلق بسنتي 2019 و2020، ناقوس الخطر.
وأشار التقرير أنّ المملكة المغربية باتت تتوفر على موارد مائية تقدر بنحو 22 مليار متر مكعب سنويًّا، مما يجعلها من بين أكثر 20 دولة، معرّضة لخطر الإجهاد المائي.
وفي سياق الأزمة المائية التي يمر منها المغرب، تشير أصابع الاتهام إلى الضيعات الفلاحية التي عملت على مر السنوات الماضية على استنزاف المياه الجوفية في زراعات يكلف الكيلوغرام الواحد منها عشرات اللترات من الماء، كما هو شأن “الدلاح” والأفوكادو.
ويؤكد خبراء بيئيون واقتصاديون أن الاختيارات الفلاحية التي سار فيها المغرب في السنوات الأخيرة، واعتماده الفلاحة التصديرية، جعله بلدا يصدر ماءه عبر منتجات فلاحية، وهو أحد أهم الأسباب التي جعلتنا اليوم نعيش وضعا مائيا صعبا، وجعل العديد من المناطق مهددة بالعطش.
وأوضح المقرر المشترك أن وقف الدعم يسري على مشاريع الري الموضعي التي تم بشأنها إيداع ملفات طلب الموافقة القبلية ابتداء من 11 يوليوز الماضي، تاريخ نشر القرار المشترك في الجريدة الرسمية.
وتطالب الجمعيات والنشطاء البيئيون، الجهات المعنية وقف زراعة وتصدير البطيخ الأحمر بكون كيلوغرام واحد من هذه الفاكهة المغروسة في الصحراء يستهلك 45 ليتراً من الماء في حال الاعتماد على تقنية التقطير، مما يعني أن بطيخة بوزن 10 كيلوغرامات قد تستهلك 450 ليتراً من الماء العذب.
والأمر نفسه بالنسبة إلى فاكهة الأفوكادو، فإن كيلوغراماً من فاكهة الأفوكادو يستهلك 1000 ليتر من الماء، وبالتالي يشكل هذا الأمر خطراً على “الاستمرارية في الحياة ولأجيال الغد على أرض المغرب”، بحسب الحركة البيئية.
من جهته، انتقد حزب النهج الديمقراطي (حزب يساري معارض) توسع مساحات زراعات موجهة للتصدير، بخاصة التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، جراء تفاقم أزمة العطش في عدد من جهات البلاد، وبادر برلمانيون مغاربة أيضاً إلى طرح أسئلة موجهة إلى الحكومة المغربية، منهم النائب خالد الشناق الذي وجه سؤالاً إلى وزير الفلاحة نبه فيه إلى بعض الزراعات التي تستنزف الثروة المائية، مثل زراعة الأفوكادو والبطيخ الأحمر، وهو “ما يستوجب خططاً استراتيجية للتدبير الأمثل للاحتياطات المائية عبر التركيز على الأنشطة الفلاحية الأقل استهلاكاً للماء، وبخاصة في المساحات ذات الفرشة المائية المستنزفة”.
وردّ مصدر مسؤول في وزارة الفلاحة المغربية بتصريح مقتضب في تصريح صحفي، على مطالب هذه الجمعيات البيئية والهيئات المدنية والسياسية بمنع زراعة الأفوكادو والبطيخ الأحمر، بالتأكيد أن الحكومة تعي جيداً أزمة الماء القائمة حالياً، ومن غير المنطقي أن تدعم أو تحث على زراعات بعينها تعرف باستهلاك المياه بوفرة.
وأضاف المصدر المسؤول أن الحكومة لا يمكنها أن تتدخل في ما سيزرعه الفلاح أو ما لا يزرعه من زراعات، لكنها في المقابل تحض المزارعين على التوجه إلى الزراعات التي تحقق معادلة الربح مع عدم استنزاف الفرشة المائية للأراضي الفلاحية، وهي زراعات موجودة وكثيرة.
وكان وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات قد صرح في أبريل (نيسان) الماضي بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية من مجلس النواب)، بأن “المساحات المزروعة بالأفوكادو لا تتجاوز 7 آلاف هكتار في المغرب”، نافياً في الوقت ذاته استفادة زراعة البطيخ الأحمر على دعم مالي من الدولة.
أخطار زراعة الأفوكادو والبطيخ الأحمر
ويعلق الباحث في البيئة والتنمية المستدامة أيوب كرير، وهو رئيس إحدى الجمعيات، على الموضوع بالقول إن “أزمة الماء تفاقمت بشكل حاد في المغرب، وقطاع الفلاحة يعد أحد أكثر القطاعات التي تزيد هذه الأزمة”، مضيفاً أن “السلطات الفلاحية المعنية مدعوة إلى وقف بعض الزراعات لاستنزافها المياه الباطنية والجوفية بشكل كبير، لا سيما أنها زراعات ليست معيشية ويمكن استبدالها”، مردفاً أن “هناك مناطق كانت معروفة بوفرة مياه أراضيها قبل أن تتحول مع مرور السنوات إلى مناطق قاحلة بسبب زراعة الأفوكادو والبطيخ الأحمر”.
وبررت إحدى الحركات البيئية مطلب وقف زراعة وتصدير البطيخ الأحمر بكون كيلوغرام واحد من هذه الفاكهة المغروسة في الصحراء يستهلك 45 ليتراً من الماء في حال الاعتماد على تقنية التقطير، مما يعني أن بطيخة بوزن 10 كيلوغرامات قد تستهلك 450 ليتراً من الماء العذب.
والأمر نفسه بالنسبة إلى فاكهة الأفوكادو، فإن كيلوغراماً من فاكهة الأفوكادو يستهلك 1000 ليتر من الماء، وبالتالي يشكل هذا الأمر خطراً على “الاستمرارية في الحياة ولأجيال الغد على أرض المغرب”، بحسب الحركة البيئية.
من جهته، انتقد حزب النهج الديمقراطي (حزب يساري معارض) توسع مساحات زراعات موجهة للتصدير، بخاصة التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، جراء تفاقم أزمة العطش في عدد من جهات البلاد، وبادر برلمانيون مغاربة أيضاً إلى طرح أسئلة موجهة إلى الحكومة المغربية، منهم النائب خالد الشناق الذي وجه سؤالاً إلى وزير الفلاحة نبه فيه إلى بعض الزراعات التي تستنزف الثروة المائية، مثل زراعة الأفوكادو والبطيخ الأحمر، وهو “ما يستوجب خططاً استراتيجية للتدبير الأمثل للاحتياطات المائية عبر التركيز على الأنشطة الفلاحية الأقل استهلاكاً للماء، وبخاصة في المساحات ذات الفرشة المائية المستنزفة”.
وشدد الناشط البيئي ذاته على أن هذه الزراعات تحارب الثروة المائية، وبالتالي فمن الناحية البيئية والعلمية يجب وقف هذه الزراعات، لا سيما في ظل وجود تقنيات جديدة تساعد في أن تصبح بعض الزراعات غير معتمدة على الماء كثيراً، مشيراً إلى أن هناك بلداناً ابتعدت من زراعة هذه الفواكه واتجهت نحو بلدان تتوافر فيها تربة غنية مثل المغرب، لتستثمر هي في هذه الزراعات على حساب الفرشة المائية للبلاد.
ولفت كرير إلى أن تصدير المغرب لهذا النوع من الفواكه يعتبر ترفاً، باعتبار أنه “كان لدينا صنف من البطيخ الأحمر مثلاً مغربي الأصل يقاوم الجفاف، ولا يستنزف كميات كبيرة من المياه، غير أن لوبيات اقتصادية أتت ببذور هجينة من أصل غير مغربي لتتغير زراعة البطيخ ويصبح فاكهة مستهلكة للمياه”.
ووفق المتحدث فإنه من خلال لقاءاته الميدانية مع فلاحين صغار فإن كثيراً من هؤلاء المزارعين صاروا يتوجهون إلى هذا النوع من الزراعات، إذ باتوا يتخلون عن أشجار الزيتون والليمون المقاومة للجفاف، وأصبحوا يفضلون زراعة الأفوكادو لأسباب ربحية بالأساس.
ودعا كرير المستثمرين الكبار إلى وقف زراعة مثل هذه الفواكه باعتبار أن أراضيهم تضم العديد من الآبار التي تستنزف المياه الباطنية، وذلك ليكونوا أمثلة واقعية أمام الفلاحين الصغار حتى يكف هؤلاء بدورهم عن زراعة هذه الفواكه المدمرة للثروة المائية.
وفي سياق ذي صلة أطلق نشطاء بيئيون عريضة إلكترونية على موقع “أفاز” العالمي تدعو إلى الوقف الفوري لغرس النخيل في المدن المغربية خارج مجال ونطاق الواحات، وذلك بعنوان “أوقفوا فوراً غرس النخيل في المدن المغربية، واغرسوا الأشجار بحسب مخططات منظرية محلية”.
ووجه النشطاء البيئيون العريضة إلى وزارتي إعداد التراب وسياسة المدينة والانتقال والتنمية المستدامة، جاء فيها أن “المغرب يحتل المرتبة الثانية من حيث التنوع البيولوجي في منطقة المتوسط، وهي خصوصية متفردة تستوجب الحرص الشديد على ثرواتنا الطبيعية ذات الطابع الهش”.
وتقول المهندسة المنظرية سليمة بلمقدم، وهي كذلك رئيسة إحدى الحركات البيئية، في هذه العريضة إن “غرس النخيل خارج مجاله الواحي خطأ مهني بيئي فادح، لأنه انتهاك للهوية والذاكرة المنظرية للمجال الترابي”، داعية إلى “إرساء وترسيخ الهوية من أجل الصحة النفسية للسكان والأمن المجتمعي، وإغناء شروط السياحة الوطنية والدولية”.
ووفق المهندسة ذاتها فإن “النخلة المغروسة في غير مجالها تتعذب ولا تكون بصحة جيدة، وينتهي بها الأمر إلى الذبول ثم الموت، لأن النخل بخاصة طويل القامة ويعتبر باهظ الثمن ومكلفاً من الناحية المادية”، مضيفة أن “النخل لا يوفر كل الخدمات الإيكولوجية وبالنسبة نفسها التي تمدها الشجرة، مثل امتصاص ثاني أكسيد الكربون”.
منذ سبعينيات القرن الماضي، اعتمد المغرب في سياسته المائية على إنشاء السدود، لضمان تزويد السكان وتلبية الحاجات الفلاحية.
ويوجد في المملكة 149 سدا كبيرا يمكنها الوصول إلى 19 مليون متر مكعب من الماء.
وبحسب تقرير موازنة وزارة التجهيز والماء لعام 2022، بلغ حجم المياه المخزنة في السدود حتى 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 5.8 مليارات متر مكعب، أي ما يعادل 36.1 بالمئة كنسبة ملء إجمالي صافي، مقابل 36.5 بالمئة في اليوم ذاته من العام الماضي.
وخلال 2021، أنهى المغرب أشغال بناء 4 سدود كبرى، بكلفة إجمالية بلغت 3 مليارات و580 مليون درهم (344 مليون دولار).
وسيواصل تشييد 15 سدا كبيرا في 2022، بكلفة تصل إلى 21 مليارا و460 مليون درهم (2.07 مليار دولار)، بسعة تخزين تبلغ نحو 5 مليارات متر مكعب.
وبموازاة سياسة السدود، توجه المغرب في السنوات الأخيرة بقوة إلى البحر لتعزيز إمداداته المائية، خصوصا بعد اندلاع احتجاجات في مناطق تشهد نقصا حادا في المياه.
وفي أكتوبر 2017، شهدت مدينة زاكورة (جنوب شرق) احتجاجات للمطالبة بتزويد السكان بماء الشرب، عرفت إعلاميا بـ “احتجاجات العطش”.
وتدخلت السلطات الأمنية حينها لفض الاحتجاجات السلمية، واعتقلت 21 شخصا معظمهم من الشباب.
وإثر ذلك، أمر العاهل المغربي بتشكيل لجنة يترأسها رئيس الحكومة، آنذاك، سعد الدين العثماني، لإيجاد حل لمشكلة ندرة الماء في عدد من مناطق البلد، وخصوصا في إقليم زاكورة.
** تحلية المياه
تضم المملكة تسع محطات تحلية لمياه البحر تنتج 147 مليون متر مكعب في السنة، وآلاف الآبار الجوفية، ما يضمن توفير مياه الشرب للمواطنين، وتلبية حاجات الفلاحة، والسقي، والصناعة، والطاقة.
وفي 8 نوفمبر الماضي، أعلنت الرباط الشروع مطلع 2022، في استغلال محطة لتحلية المياه بمحافظة اشتوكة آيت بها” (وسط غرب)، وهي إحدى أكبر محطات تحلية مياه البحر في منطقة المتوسط وإفريقيا.
وقال وزير الفلاحة محمد الصديقي أمام لجنة برلمانية: “محطة تحلية مياه البحر التي انطلق تشييدها قبل نحو 4 سنوات، في محافظة اشتوكة آيت باها، سنشرع في استغلالها مطلع عام 2022”.
وتبلغ سعة محطة التحلية في المحافظة، في مرحلة أولى 275 ألف متر مكعب في اليوم، منها 150 ألفا موجهة للمياه الصالحة للشرب، ويمكن لمليون و600 ألف نسمة الحصول عليها في جهة أكادير.
وأضاف الوزير: “نتوقع زراعة 15 ألف هكتار بداية عام 2022، بمنطقة اشتوكة آيت بها، كما ستُستعمل مياه المحطة في تزويد السكان بالمياه الصالحة للشرب”.
وأنشأ المغرب أول محطة لتحلية مياه البحر عام 1976 بطرفاية (جنوب) بطاقة إنتاجية 70 مترا مكعبا في اليوم، أتبعها بمحطات في مدن أخرى بينها بوجدور وأغادير.
وشرع البلد في تشييد أكبر محطة لتحلية مياه البحر في القارة الإفريقية بمدينة الدار البيضاء، وتشير معطيات رسمية إلى أن سعتها ستبلغ 300 مليون متر مكعب، بكلفة إجمالية قدرها 10 مليارات درهم (1.1 مليار دولار).
** المياه الجوفية
ويبلغ معدل المياه الجوفية سنويا 4 مليارات متر مكعب، ولكن يتم استهلاك نحو 5 مليارات متر مكعب، وهو ما يهدد بمشكلة مستقبلا إذا بقي الأمر على هذه الحال، بفعل استنزاف الآبار.
ولفت تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي عام 2014، إلى المخاطر التي تهدد جودة واستمرارية الموارد المائية بسبب النشاطات البشرية، إذ بلغت مستويات “مقلقة”، مثل الاستخراج المفرط والتلوث.
وقال التقرير إنه يتم استخراج أكثر من 900 مليون متر مكعب سنويا من المخزونات غير القابلة للتجدد في الفرش المائية بالبلاد.
والفرش المائية (مياه جوفية) مياه توجد في خزانات تحت الأرض تتكون من التساقطات المطرية، ويتم استعمالها انطلاقا من الآبار في الري والزراعة.
ويعزو المغرب ندرة المياه إلى تراجع الأمطار خلال السنوات الماضية، إذ بلغ العجز السنوي مليار متر مكعب.
ودقت بعض المؤشرات ناقوس الخطر، مثل نهر ملوية، أحد أكبر أنهار البلاد، والذي بات عاجزا عن الوصول إلى مصبه للمرة الأولى في تاريخه بسبب الجفاف الشديد وكثرة الاستهلاك.