ظهور مؤشرات خلافات بين باريس والرباط حول ملفي التأشيرات والتجسس لا يبدو كافيا لفهم درجة البرود الذي تشهده علاقات البلدين، ما يرجح برأي محللين وجود ملفات خلافية أخرى أكثر حساسيّة وعمقا في بنية العلاقات وتداعياتها مستقبلا.
يحل بالمغرب اليوم، الوزير الفرنسي المنتدب المكلف بشؤون التجارة الخارجية والاستقطاب ، أولفييه بشت، في زيارة رسمية تستمر ليومين بهدف ” تعزيز الشراكة الثنائية بين فرنسا والمغرب، شريكها الاقتصادي طويل الأمد، خاصة في مجال النقل والطيران”، وفقا لبلاغ لوزارة الخارجية الفرنسية.
وسيجري الوزير الفرنسي، في أول أيام زيارته ، مباحثات ، الوزير المنتدب المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسيات العمومية، محسن جزولي ووزير الصناعة والتجارة ، رياض مزور، ولقاء عدد من المستشارين الفرنسيين المقيمين بالخارج.
وسيخصص الوزير ثاني ايام زيارته للمغرب ، الأربعاء، بزيارة غرفة التجارة والصناعة الفرنسية بالمغرب، وثانوية “ليوطي”. فيما سيتناول وجبة الإفطار يوم الخميس مع بعض المستثمرين، ويفتتح منتدى الأعمال التجارية “Choiseul Africa”، ومعهد مهن الطيران، وشركة “Safran Nacelles” للصناعات الجوية.
وتعد هذه الزيارة الاولى لمسؤول فرنسي للمغرب منذ سنة، بسبب ازمة سياسية صامتة.
الزيارة الرسمية الأولى التي يقوم بها عادة رؤساء فرنسا بعد انتخابهم إلى المنطقة المغاربية، تتنافس عليها الرباط والجزائر. ولأن علاقات الجارين المغاربيَين تتسم في معظم الأحيان منذ استقلالهما بالتوتر، فإن العلاقة مع مستعمرهما الفرنسي تظل مؤشرا مهما لقياس حرارة الأجواء في علاقات باريس بكل منهما على حدة.
ويختار بعض الرؤساء الفرنسيين تونس كأول وجهة مغاربية عندما يشتد الاستقطاب بين الجزائر والمغرب.
بعد توليه الرئاسة سنة 2017 كانت الرباط أول وجهة مغاربية للرئيس إيمانويل ماركرون في منتصف يونيو/ حزيران، ووصفت بـ”زيارة صداقة خاصة”. ثم قام بزيارة رسمية إلى الجزائر في بداية ديسمبر/ كانون الأول 2018.
وتقليديا يدير قصر الإليزيه لعبة توازن دقيقة بين الشقيقين اللدودين، بيد أن الإعلان في باريس عن توجه الرئيس ماكرون بعد اعادة انتخابه في أول زيارة له إلى الجزائر يومي 25 و26 أغسطس/ آب الحالي، في ظل برود تشهده العلاقات مع الرباط، وتتحدث بعض الأوساط القريبة من دوائر القرار في الرباط عن “أزمة صامتة” بين البلدين، يثير تساؤلات لدى المراقبين حول مدى حدة الخلافات بين الشريكين التقليديين في غرب حوض البحر الأبيض المتوسط، وسيناريوهات تطورها.
منذ اعادة انتخابه في مايو/ أيار الماضي لم يجر بين الرئيس ماكرون وجلالة الملك المفدى محمد السادس أي لقاء رسمي أو خاص معلن، حتى أثناء زيارة خاصة قام بها الملك المفدى محمد السادس إلى فرنسا في يونيو/ حزيران الماضي، ودامت أسابيع وذُكر بأنها “لأسباب خاصة” يرجح أن تكون لمتابعة الحالة الصحية لأحد أفراد الأسرة الملكية.
وقبل بضعة أسابيع وجه نواب في البرلمان المغربي سؤالا إلى وزير الخارجية ناصر بوريطة حول ما وصفت بـ”أزمة التأشيرات”. وتفيد تقارير بأن 70 في المائة من طلبات التأشيرات التي يتقدم بها مغاربة يتم رفضها من طرف القنصليات الفرنسية في المغرب.
ويثير هذا الموضوع قلقا لدى شرائح واسعة من المغاربة تشكل فرنسا مقصدا أساسيا في الخارج بالنسبة إليهم، إذ يقدر سنويا عدد المغاربة الذين يحصلون على تأشيرات (سياحة أو عمل) بحوالي 300 ألف شخص.
وفي تعليقها على هذا الموضوع تكتفي الجهات الرسمية الفرنسية بالإشارة إلى الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية منذ سبتمبر/ أيلول من العام الماضي بتشديد حصول مواطني المغرب والجزائر ( تقليص بنسبة 50 في المائة) وتونس (30 في المائة) على تأشيرات الدخول إلى فرنسا، وتبرر ذلك بـ”رفض هذه الدول إصدار تصاريح قنصلية لاستعادة مواطنيها الذين يوجدون في فرنسا بشكل غير قانوني”.
بيد أن الموضوع بات يأخذ طابعا أكثر حساسية مع المغرب، حيث يتحدث برلمانيون وإعلاميون عن رسوم تأخذها القنصليات من مقدمي طلبات تأشيرة مرفوضة، واتساع رفض طلبات التأشيرات ليشمل فئات من أصحاب الأعمال والوفود التي تشارك في مؤتمرات مهنية مثل الأطباء.
وضمن الفئات الأكثر تذمرا من إجراءات القنصليات الفرنسية، وزراء ونواب سابقون، يوجهون انتقادات لحكومتهم الحالية بسبب صمتها على ما يرون بأنها إجراءات تنطوي على “إهانة للمغاربة”.
وثمة ملف آخر يكتسي حساسية خاصة وقد طفى منذ أكثر من سنتين على السطح في العلاقات الفرنسية المغربية، ويتعلق بتقارير نشرت حول استخدام برنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي للتجسس على شخصيات فرنسية تشمل الرئيس ماكرون نفسه وأعضاء في حكومته، لحساب الاستخبارات المغربية، في حين تنفي الرباط هذه المزاعم.
ورفع المغرب دعاوى ضد وسائل إعلام أوروبية اتهمته ومنها صحيفة “لوموند” الفرنسية المرموقة، ومن جهتها طالبت النيابة العامة في باريس برفض الدعوى لأن الدول لا يمكنها اللجوء إلى القضاء الفرنسي بتهمة التشهير.
Le danger, avec #Pegasus, c’est que le logiciel est beaucoup plus intrusif qu’une écoute téléphonique. C'est un maliciel capable de prendre le contrôle intégral du téléphone portable et d’en extraire n’importe quelle donnée. Rien ne lui échappe.
— Le Monde (@lemondefr) July 20, 2021