بعد سنوات من الإقصاء: هل ينقذ التقرير الملكي الفلاحين الصغار من سُعار السوق والمناخ؟

0
575

تحليل لمقال السيد عزيز رباح حول مستقبل الفلاحة الاجتماعية بعد التقرير الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي

في مقال رأي نُشر بتاريخ 19 ماي 2025، اختار الوزير السابق والفاعل السياسي عزيز رباح أن يسلّط الضوء على واحدة من أكبر القضايا المسكوت عنها في النقاش العمومي المغربي: واقع الفلاحة الصغيرة والمتوسطة في العالم القروي، وذلك في سياق تقديم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لتقرير مفصل حول الإكراهات والتحديات البنيوية التي تعانيها هذه الفئة الحيوية من الفلاحين.

المقال جاء بعد التوجيهات الملكية الأخيرة التي دعت إلى إعداد برنامج استعجالي لإعادة بناء قطاع الماشية، ما يضفي على توقيته دلالة خاصة: هل نحن بصدد لحظة مراجعة استراتيجية عميقة؟ أم مجرّد رد فعل مؤقت أمام ظرفية استثنائية؟

“الفلاحة الاجتماعية”… العمود الفقري الذي أُهمل

ينطلق رباح من معطى مفاده أن الفلاحة الاجتماعية أو ما تُعرف بـ”الفلاحة المعيشية” تمثل أكثر من 70% من الاستغلاليات الفلاحية وتوفر 50% من اليد العاملة في القطاع، ومع ذلك، بقيت لعقود “خارج الرؤية الكبرى” لمخططات التنمية الفلاحية، وخاصة في ظل ما سُمّي بـ”المخطط الأخضر”.

وهنا يُطرح سؤال محوري: لماذا استُثنيت هذه الفئة الواسعة من السياسات التي وُصفت بالتنموية؟ وهل كان من الضروري أن ننتظر الأزمة المناخية والندرة المائية والانفلاتات السعرية حتى نلتفت إلى عمق الإشكال؟

اختلالات رقمية تدين السياسات السابقة

حسب الأرقام التي استعرضها رباح استنادًا إلى التقرير:

  • استفادت الفلاحة الصغيرة من 14.5 مليار درهم فقط من الاستثمارات،

  • في حين استفادت الفلاحة ذات القيمة العالية من 99 مليار درهم.

الهوة واضحة. وهنا تبرز مفارقة مؤلمة: هل كانت التنمية الفلاحية موجهة للنخب؟ وهل كرّست تلك السياسات مزيدًا من التفاوتات بين فلاح يزرع ليعيش وآخر يُصدّر ليُراكم الأرباح؟

أزمة متعددة الأبعاد… وسيناريوهات المستقبل

يشير رباح، استنادًا إلى التقرير، إلى مجموعة من العوائق:

  • الهشاشة البنيوية (مناخ، أسعار، ضعف التمويل والإرشاد).

  • غياب التنظيمات المهنية القوية التي تمثل مصالح الفلاحين الصغار.

  • سيطرة الوسطاء وغياب العدالة في سلاسل التسويق.

هذه العوامل مجتمعة تضع الفلاح الصغير أمام معادلة قاسية: إما التهميش، أو الهجرة، أو الانخراط في اقتصاد غير مهيكل. وهنا لا يعود الحديث فقط عن “الأمن الغذائي” بل عن أمن اجتماعي ومجالي.

قراءة في التوصيات: هل نُؤسس لتحول حقيقي أم مجرّد “ترقيع تقني”؟

دعا التقرير الذي استند إليه المقال إلى:

  • إدماج الفلاحة الاجتماعية في سلاسل القيمة.

  • تمكينها من الدعم المؤسسي والمالي.

  • تحسين بنيات التسويق والبنية التحتية.

غير أن السؤال المطروح: هل تتوفر الإرادة السياسية لتغيير قواعد اللعبة؟ وهل سيسمح توازن القوى داخل السياسات العمومية بإعادة توجيه الموارد نحو الفئات التي ظلّت لسنوات ضحية الإقصاء والتهميش؟

الربط بالسياق الدولي: الأمن الغذائي كمسألة سيادة

من الناحية الجيوسياسية، فإن الأزمة الروسية الأوكرانية، والتغيرات المناخية، وارتفاع أسعار الحبوب والزيوت في الأسواق العالمية، أثبتت أن الأمن الغذائي لم يعد مسألة تقنية أو تجارية، بل مسألة سيادة وطنية.

وفي هذا الإطار، فإن تمكين الفلاح المغربي الصغير ليس فقط خيارًا تنمويًا، بل ضرورة استراتيجية لتحصين البلاد ضد تقلبات الأسواق والتبعية الخارجية.

خلاصة: هل يعاد الاعتبار لنبض القرية؟

مقال السيد عزيز رباح جاء ليحرّك المياه الراكدة في ملف ظل رهينة التجاهل الرسمي والسياسات الانتقائية. لكن، لكي لا يكون مجرّد صرخة في واد، يجب أن يترجم إلى قرارات ملموسة تنطلق من سؤال بسيط: ما قيمة “المخططات الكبرى” إذا استمر الفلاح الصغير في الهامش؟

القرية المغربية اليوم ليست مجرد خزان سكاني، بل عمق وطني يستحق اعترافًا كاملاً بدوره في حفظ التوازنات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.