بعد عامها الأول.. إنجازات حكومة أخنوش وإخفاقاتها و “ترقيع” كثير من الوعود قليل من السياسة “عزلة وغياب للإرادة السياسية”

0
299

تتواصل حالة الاحتقان التي يعيشها الشارع المغربي بسبب الزيادة الصاروخية في الأسعار, سواء تعلق الأمر بالمواد الغذائية أو المحروقات, مما يعكس فشل حكومة عزيز أخنوش في حل الأزمة الاجتماعية الحادة التي تتخبط فيها المملكة وتبخر الآمال التي عقدها على محاولاته إسكات الاصوات الغاضبة, عبر الاعلان عن لقاءات و اجتماعات بالنقابيين والمهنيين.

ومن صور هذا الفشل، في الذكرى الأولى لتسلّم الملياردير “أخنوش” مقاليد الحكم في المملكة، شهدت تحديات اقتصادية واجتماعية أثقلتها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والأزمة الصحية وارتفاع الأسعار وموجة جفاف غير مسبوقة اجتاحت البلاد، وواقع يجافي طموح بدايات حكمه ووعوده الانتخابية الكثيرة وتطلعات الناخبين، ينهي رئيس الحكومة القادم من عالم المال والأعمال عامه الأول في مبنى رئاسة الحكومة بالعاصمة الرباط وعينه على تعديل لفريقه الحكومي، قبل الدخول البرلماني، يشمل عددا محدودا من القطاعات التي أثبتت سنة من اشتغال الحكومة ضعفا في المردودية وتسجيل غياب أي إضافة للقطاعات التي يتولاها المعنيون بالتعديل المرتقب.

وتولى الملياردير أخنوش منصب رئيس الحكومة في الـ7 من تشرين الأول/ أكتوبر 2021، عين صاحب الجلالة الملك المفدى محمد السادس حفظه الله أعضاء الحكومة الجديدة برئاسة عزيز أخنوش، وهي الحكومة التي تضم 25 وزيرا ووزيرة وتتشكل من 3 أحزاب هي “التجمع الوطني للأحرار” و”الأصالة والمعاصرة” و”الاستقلال” ، مع وعود باجتثاث الفقر وتحسين المعيشة، واحتواء التضخم والنهوض بالاقتصاد الوطني.

ويعوّل المغاربة بشكل كبير على وعود الحكومة المغربية التي يرأسها حزب “التجمع الوطني للأحرار”، من أجل توفير التأمين الصحي لجميع الفئات وفتح باب الحق في التقاعد (المعاش) للذين لا يستفيدون منه لحد الآن، بمن فيهم العاملون في القطاع غير (المنظم)، ومضاعفة ميزانية الصحة ومراجعة التعويضات الممنوحة للأطباء وإحداث 4 مراكز استشفائية، والرفع من أجور المدرسين وغيرها.

وكان الاقتصاد المغربي، قد بدأ يتعافى من تبعات أزمة جائحة كوفيد-19 العام الماضي، وسجل نموا بلغت 7.8%.

غير أن 2022 كانت سنة الأزمات حسب ما وصفها محللون، فكيف واجهت الحكومة المغربية في سنتها الأولى هذه الأزمات؟ وهل البرامج التي أعلنتها كانت في مستوى حدة الإشكاليات؟ 

لم تتوقع حكومة أخنوش وهي تضع الفرضيات التي بنت عليها موازنة 2022 أن البلاد ستشهد تراجعا حادا في الأمطار، وارتفاعا عالميا في الأسعار نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، وتراجعا في قيمة اليورو مقابل الدولار.

وكانت الحكومة قد توقعت في قانون مالية 2022 أن تحقق معدل نمو 3.2%، على فرضية إنتاج 8 ملايين طن من الحبوب، وعلى أساس سعر برميل نفط عند 68 دولارا، وسعر طن البوتان يناهز 450 دولارا.

غير أن محصول الحبوب لم يتجاوز 3.4 ملايين طن، في حين قفز سعر النفط إلى 105 دولارات، وسعر البوتان إلى 800 دولار للطن.

وبعد أشهر من تنفيذ الموازنة، قالت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح في لقاء بلجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب الصيف الماضي، من المتوقع أن ينحصر نمو الاقتصاد الوطني سنة 2022 إلى 1.5%، بدلا من 3.2% المتوقعة في قانون المالية، ومن المنتظر أن يتجاوز معدل التضخم 5.3% مقابل 1.4 في 2021 .

بالمقابل، توقع بنك المغرب (البنك المركزي) في تقريره نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، أن يسجل النمو الاقتصادي هذه السنة تباطؤا ملموسا إلى 0.8%، نتيجة تراجع القيمة المضافة للقطاع الزراعي بنسبة 14.7% وتباطؤ وتيرة نمو الأنشطة غير الزراعية إلى 3.4%.

وتشير توقعات بنك المغرب، إلى تسارع وتيرة التضخم إلى 6.3% بالنسبة لمجمل سنة 2022.

وعبّر الحزب الذي يقود الحكومة عن تفاؤله بخصوص الحصيلة السنوية، حيث أفاد أن أعضاء مكتبه السياسي في اجتماعهم الثلاثاء، أجمعوا على أن “سنة كاملة من الأداء الحكومي قد اتسمت بالهدوء والرزانة وعدم الانزلاق وراء المزايدات التي لن تفيد الوطن والمواطن. كما اعتبروا أن الحكومة والبرلمان قد كرسا كل جهودهما لوضع الأسس والشروط اللازمة لمواجهة الأزمات من جهة، والإعداد الجيد لتفعيل الالتزامات الواردة في البرنامج الحكومي من جهة ثانية”، وفق ما جاء في بيان تلقت “القدس العربي” نسخة منه.

وتباينت آراء محللين مغاربة بخصوص تقييم حصيلة العام الأول للحكومة، بين من يرى أنها تمكنت من تحقيق عدد من الإنجازات واتخاذ قرارات وخطوات صائبة على الرغم من كون المواطن المغربي لم يستشعرها بعد ولم يصل أثرها لجيوبهم وموائدهم، وبين من لم يلمس أي تحول إيجابي في ظل غلاء الأسعار والمحروقات.

ويرى الخبير الاقتصادي التهامي عبد الخالق، أن الظروف لم تكن في صالح حكومة أخنوش في سنتها الأولى، بالنظر للأزمات الكبرى غير المتوقعة التي واجهتها.

وأوضح في حديث مع الجزيرة نت، أن الحلول والتدابير التي قامت بها الحكومة حتى لو كانت إيجابية فلم “يظهر لها أثر لأن الأزمة كانت أكبر بكثير خصوصا في الستة أشهر الأخيرة”.

وقال إن “تخصيص دعم مالي للعاملين في قطاع النقل هو حل مؤقت لأزمة كانت تعتقد الحكومة أنها ستنتهي سريعا، وهو ما لم يحدث”، معتبرا أنه على الحكومة ابتكار برامج وحلول مستدامة وليس حلولا ظرفية.

وأكد أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري في جامعة محمد الخامس بالرباط، عبد العالي حامي الدين،  أن من الوظائف الحقيقية للانتخابات التي جرت قبل سنة من الآن، تجديد النخب ومعها تجديد الخطاب السياسي بما يُمكّن من إطلاق دورة سياسية جديدة وإعطاء ديناميكية جديدة للحياة السياسية هي في أمس الحاجة إليها، خصوصا بعد جائحة “كورونا” وما خلَّفته من مشاكل اقتصادية واجتماعية ونفسية، إلا أنه على العكس من ذلك “تم تسجيل تراجع كبير في التواصل السياسي مع المواطنين وضعف كبير في الحضور السياسي لهذه الحكومة وللأحزاب المشكلة لها”.

ووفق عبد العالي حامي الدين، في حديث لـ”القدس العربي”، أبانت الحكومة والأحزاب المشكّلة لها عن هشاشة كبيرة في النخب السياسية والتدبيرية، ظهر ذلك بشكل واضح على مستوى الجماعات الترابية (المجالس المحلية) أساسًا، وحتى بالنسبة لعدد من القطاعات الحكومية، مشيرا إلى أن هذه السنة كشفت عن “ارتفاع كبير في منسوب الجشع والاستهتار بالمال العام وهو ما يمكن ملاحظته بسهولة في مقتنيات الجماعات الترابية والقطاعات الحكومية من السيارات الفارهة والمعدّات الكمالية، بل بدأت روائح الفساد تنبعث في عدد من الجماعات الترابية وهناك قضايا رائجة في المحاكم، بعض أبطالها من الأحزاب المشكلة الحكومة” بحسب الأستاذ الجامعي.

واضار، حامي الدين إلى ما اعتبره “تراجعا كبيرا في حرية الصحافة وحرية التعبير”، وأن هناك تراجعا واضحا للصحافة المهنية في متابعة الأداء الحكومي من منظور نقدي، وذلك بفعل “تأثير المال السياسي في توجيه الخطوط التحريرية لعدد من المؤسسات الإعلامية التي أصبحت رهينة لمن يدفع أكثر، ومن هنا خطورة الجمع بين المال والسلطة وتأثيره السلبي على المسار الديموقراطي ككل”.

يقول عمر الشرقاوي أحد أستاذة العلوم السياسية والقانون الدستوري في جامعة الحسن الثاني، أن تقييم حصيلة عمل العام الأول من عمر الحكومة كان إيجابيا، بالنظر إلى السياق الاستثنائي الذي يعاني منه العالم.

ويرى الأستاذ الجامعي ضمن تصريح لـ”القدس العربي”، أن الحكومة نجحت في حدود معينة في مواجهة تحديين كبيرين، يتجلى أولهما في التحدي اليومي والتدبيري عبر اتخاذ قرارات لتدبير الأزمة يوميا كدعم المحروقات الخاصة بالمهنيين ودعم القطاع السياحي واتخاذ إجراءات خاصة بالمقاولات والرفع من ميزانية المقاصة خارج التوقعات وغيرها من الإجراءات؛ فضلا عن التحدي الآخر المرتبط بالقطاعات الاستراتيجية التي تتجاوز الزمن الانتخابي والحكومي كإصلاح قطاع التعليم والمنظومة الصحية ومجال الاستثمار والجبايات وإن كانت نتائج الإصلاح في هذه القطاعات يحتاج إلى الوقت.

وأشار المحلل السياسي إلى أن هذه السنة من عمر الحكومة المغربية عرفت جدية على مستوى الحوار الاجتماعي، بعد أن بقي لسنوات داخل غرفة الإنعاش، وفق توصيفه، لافتا إلى أن الحوار الاجتماعي شهد بعض التَّملمُل عقب لقاءات بين الحكومة والمركزيات النقابية.

وبتقديره، أن تحويل بيانات 11 مليون مستفيد من نظام المساعدة الطبية “راميد”، من الوكالة الوطنية للتأمين الصحي إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وفق نظام تأمين صحي إجباري بسلة علاجات مطابقة لأجراء القطاع الخاص، ليس بالأمر الهين، فضلا عن رفع الحد الأدنى للأجور ورفع أجور الأطباء وبرامج مهمة كـ”أوراش” و”فرصة” وغيرها الكثير من البرامج لن تجعلنا ننظر للجزء الفارغ من الكأس فقط ونفي الإيجابيات مهما كان حجم المعارضات النفسية والخطاب السوداوي. وفق تعبيره.

وتابع أن معضلة الحكومة الحالية تتمثل في غياب التسويق لإنجازاتها، مبينا أن وزراء الحكومة يعجزون عن تسويق سياساتهم وإنجازاتهم وقراراتهم، “المشكل التواصلي الذي تعانيه الحكومة وسوء التعريف بالإنجازات جعل البعض يعتقد أنها لم تنجز شيئا” يقول المتحدث نفسه الذي خلُص إلى أن حكومة عزيز أخنوش استطاعت خلال عامها الأول تدبير الأزمة ووضع الملفات الاستراتيجية على السكة والحفاظ على السلم الاجتماعي وهي إيجابيات لا يمكن نفيها.

وأجمع أعضاء المكتب السياسي لحزب “التجمع الوطني للأحرار” على أهمية الدخول السياسي والبرلماني الجديد في المغرب، “خاصة وأنه يأتي في ظرفية اقتصادية عالمية صعبة، موسومة بالتناقض، حيث يتسم بارتفاع الطلب على المواد الأولية وبتراجع الاقتصاد العالمي، زيادة على ارتفاع الأسعار عالميا وتأثيراتها الكبيرة على نسب التضخم”، وفق ما جاء في البيان الذي أرسل إلى “القدس العربي”، مشددا على أن “الدخول السياسي الجديد يجب أن يركز بالأساس على القضايا التي تهم المغاربة، خاصة وأن الحكومة أحالت جملة من القوانين المهمة على البرلمان، على غرار مشروع قانون-إطار رقم 03.22 بمثابة ميثاق الاستثمار، ومشروع القانون الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية، باعتبارها لبنات صلبة لإرساء سياسات عمومية لطالما طالب بها المغاربة”.

وفي سياق متصل دائما بالدخول السياسي والبرلماني، أشاد المكتب السياسي باستعداد الحكومة لهذا الدخول الذي يجب أن يكون مختلفا، نظرا للرهانات الكبرى والتحديات التي يعيش على إيقاعها العالم، خاصة ما يرتبط بانعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية، وتداعيات النزاعات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، مؤكدا أن النجاح في كسب مختلف الرهانات والتحديات، يقتضي من مختلف الفرقاء السياسيين والقوى الحية داخل المجتمع الانخراط في نقاش عميق، في استحضار قوي للمصلحة العليا للوطن والنأي عن المزايدات التي لا تفيد في تقديم الحلول، بل يمكن أن تجر النقاش العمومي لمتاهات أبعد ما تكون عن متطلبات المرحلة، بحسب ما ورد في البيان.

وتفاعلا مع انطلاق جولة جديدة من “الحوار الاجتماعي” بين الحكومة والفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين، نوه المكتب السياسي للحزب الأغلبي بـ”الروح التشاركية للحكومة مع النقابات وهو ما أثمر مباشرة إصلاحات كبرى ظلت مؤجلة، على غرار ملف التقاعد ومدونة الشغل وقانون النقابات وقانون الحق في الإضراب”، كما اعتبر المكتب السياسي أن “هذه المحطة الجديدة مكنت من التأكيد على أن الحوار الاجتماعي هو خيار إرادي واستراتيجي، وشكلت فرصة لبحث قضايا تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة وأنها تأتي تزامنا مع إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2023″، مؤكدا أن “العرض الذي قدمته الحكومة بخصوص تخفيض الضريبة على الدخل، سيشكل واحدا من المداخل الأساسية لتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين”. 

وهي تنهي سنتها الأولى، تستعد حكومة أخنوش لوضع اللمسات الأخيرة على موازنتها لسنة 2023.

ووفق تقرير تنفيذ الميزانية والتوجيه الماكرو-اقتصادي للفترة ما بين 2023 و2025، فإن حكومة أخنوش تبدو متفائلة بخصوص نسبة النمو، إذ تتوقع انتعاشا بمعدل 4.5%. فهل ستعتمد الحكومة في عامها الثاني برامج أكثر جرأة في التعامل مع الظرفية الدولية المضطربة؟