تقارير عديدة تشير إلى وجود فجوة في الأجور بين الجنسين في المغرب، وهذا يعكس التحديات التي تواجه المرأة في سوق العمل والتمييز الذي قد تتعرض له فيما يتعلق بالدخل.
بدورها، رصدت المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة رسمية مغربية) في مذكرة صادرة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي يوافق الثامن من مارس من كل سنة، الفوارق بين الرجال والنساء في العمل المأجور بالمغرب، مشيرة بالخصوص إلى الفجوة في الأجور التي تصل إلى 43% بالقطاع الخاص.
وبحسب المذكرة الصادرة تحت عنوان “الفوارق في الأجور بين الجنسين في المناطق الحضرية.. دور التمييز بين الجنسين”، ففي سنة 2019 بلغ متوسط الأجر الشهري 3800 درهم (الدرهم يعادل نحو 0.10 دولار) لكل أجير على الصعيد الوطني، مع فارق ملحوظ بين المناطق الحضرية والقروية، مشيرا إلى أن الرجال يحصلون في المتوسط على أجر شهري قدره 3900 درهم، مقابل 3700 درهم للنساء.
وسجل المصدر اختلافا في فجوة الأجور بين القطاعين العام والخاص إذ أكد أنها تقتصر في القطاع العام على 2.4%، حيث يبلغ متوسط الأجر 8500 درهم للرجال و8300 درهم للنساء، بينما تصل في القطاع الخاص إلى 43%، إذ يبلغ متوسط الأجر للرجال 5400 درهم مقابل 3800 درهم للنساء.
في الوقت نفسه، أكد المصدر أن “هذه التفاوتات أقل حدة أو لصالح الأجيرات الشابات اللائي تتراوح أعمارهن بين 18 و29 عاما، حيث تبلغ الفجوة ناقص 15.9% في القطاع العام و6.8% في القطاع الخاص” موضحا أن “هذا التحول يرجع على الأرجح إلى سلوك النشاط لدى الأجيرات الشابات اللائي يتمتعن عموما بمكانة أفضل في سوق العمل لكونهن أكثر تعليما وأكثر تأهيلا من نظرائهن الرجال”.
كذلك سجل التقرير تباينا واضحا في الفجوة في الأجور حسب الفئة السوسيومهنية، موضحا أنه “في السنوات الأولى من الحياة المهنية، تكون هذه الفجوة صغيرة نسبيا، حيث تتراوح بين 4٪ لفئة ‘المديرين التسلسليين والمهن الحرة والأطر العليا’ و9% لفئة ‘الأطر المتوسطة والمستخدمين’، قبل أن تصبح أكثر وضوحا مع تقدم العمر”.
وأوضح المصدر ذاته أنه “يمكن تقسيم فجوة الأجور بين الجنسين إلى عنصرين: الأول يتوافق مع تثمين رأس مال البشري المتعلق بالمستوى التعليمي والتكوين المهني، وهو ما يسمى الفجوة المفسرة، والثاني يمثل التمييز الجنسي، بسبب الجزء غير المفسر من هذه الفجوة”.
وتابع مبرزا أن “فجوة الأجور بين الجنسين، المقدرة من نموذج تشكيل الأجور تبلغ ما يقرب من 22%” مضيفا أن “91% من هذه الفجوة يرجع إلى التمييز بين الجنسين، والباقي، أي ما يعادل9%، تفسره الاختلافات بين الخصائص الفردية للمرأة والرجل”.
ترى النائبة البرلمانية السابقة والعضو في مجلس بلدية العاصمة الرباط، ابتسام عزاوي، أن المناصفة “خيار مجتمعي تنص عليه أسمى وثيقة تعاقدية تجمع بيننا كمغربيات ومغاربة وهي دستور المملكة، دستور 2011”.
وقالت في تصريحات صحفية سابقة : “لقد خطونا خطوات مهمة على درب تحقيق المناصفة بين الجنسين، إلا أنها ما زالت دون انتظارات المرأة المغربية الطامحة إلى تحقيق مناصفة حقيقية في الفرص سواء تعلق الأمر بالفرص الاقتصادية أو الإجتماعية أو السياسية أو الرياضية أو البيئية وغيرها”.
وتابعت: “أعتبر أن مستوى النضج الذي يعرفه المجتمع المدني يتطلب جيلا جديدا من الإصلاحات النوعية الجريئة لتنزيل كامل لمضامين الوثيقة الدستورية مع الحفاظ على كل مميزات الهوية المغربية المتشبثة بالأصالة وبالثوابت والمتطلعة إلى كل إيجابيات الحداثة”.
وأكدت عزاوي في السياق ذاته أن “المسؤولية ثابتة على عاتق الأحزاب، لسن تشريعات مكملة للوثيقة الدستورية تضمن انخراطا أكثر عدالة واستدامة للنساء في كل الميادين”.
تشير تقارير حكومية وأخرى غير رسمية إلى وجود فارق كبير بين أجور النساء والرجال في المغرب، إذ كشفت دراسة سابقة لمديرية الدراسات والتوقعات بوزارة الاقتصاد والمالية أن الأجور التي تحصل عليها النساء تقل بما يناهز 17 بالمئة عن الأجور التي يحصل عليها الرجال.
وعزا عبد الحي الغربة، هذه الفجوة إلى مجموعة من العوامل التي تضع المرأة في “قوقعة مغلقة”، بحسب تعبيره.
وقال في تصريح صحفي سابق ، إن من شأن السياقات الثقافية والتمثلات الاجتماعية والتنشئة الاجتماعية لطبيعة توزيع الأدوار بين الجنسين، تكريسُ مجتمع غير متكافئ، مشوب بعيوب خطيرة تصيب النوع الاجتماعي في مقتل، وتجعل من قضية المرأة، قضية هامشية.
وبحسب مقال علمي للباحث، بعنوان “مقاربة النوع الاجتماعي في الوظيفة العمومية بين واقع اللامساواة وأسئلة الإدماج” صدر في مارس 2022، فإن “ضعف وجود المرأة في أغلب مراكز القرار يبقى خير معبر عن وجود هذا التمييز، إذ على الرغم من عدم وجود أي مانع قانوني لوصول النساء إلى هذه المناصب، فإنها تظل امتيازا ذكوريا.
وأضاف أن تلك النماذج الثابتة والمستمرة والصور النمطية تربط مناصب المسؤولية بالرجل، وتنظر إلى الخصائص “الرجالية” على أنها سمات ضرورية لتولي المناصب العليا في المؤسسات الحكومية، وتشكل بالمقابل عقبة كبيرة أمام الوصول المتكافئ بين الجنسين إليها، فإنها تكرس اختلالات متعددة الأوجه تظهر تجلياتها من خلال مؤشرات متعددة”.
وبحسب المصدر فإنه “رغم المجهودات والاستراتيجيات العمومية التي تقوم بها الدولة في سبيل التمكين الإيجابي للمرأة في الوصول إلى المؤسسات الحكومية، إلا أن ذلك لا زال ضعيفا، حيث إنه إلى حدود سنة 2017 وصلت نسبة تمثيل المرأة 35.3 بالمئة من مجموع الموظفين، بينما بلغت نسبة الذكور 64.7 بالمئة”.
ومن خلال الأرقام الرسمية، يضيف الغربة، يُلاحظ أن المرأة الموظفة لم تصل حتى إلى نسبة الثلث في مراكز القرار أو المسؤولية، وظلت كلها حكرا على الرجل، رغم أن هذه الإحصائيات جاءت بعد لحظة دستورية مهمة في تاريخ المغرب الحديث”.
انتزعت المرأة المغربية مجموعة من المكاسب في معركتها لبلوغ المناصفة، بدءاً بإقرار التمييز الإيجابي 10 بالمئة في الانتخابات التشريعية لسنة 2002 ومدونة الأسرة سنة 2004، مروراً بإقرار قانون منح المرأة الجنسية لابنها حتى وإن كانت متزوجة بأجنبي، إلى جانب التوقيع على رفع كافة أشكال التمييز ضد النساء، وكذا التنصيص على اللوائح الإضافية في الانتخابات الجماعية لسنة 2009.
لكن ثمة من يرى أنه بعد مضي 12 سنة على إقرار المناصفة، ما زالت هناك حاجة إلى تفعيل المبدأ على الأرض من أجل تكريس حقوق المرأة.
في هذا الصدد دعا عبد الحي الغربة إلى “وجوب العمل، على المستوى المؤسساتي، على انخراط جميع الفاعلين من أجل تحقيق النجاعة المطلوبة، والتصدي للأفكار والتمثلات السلبية التي تحط من كيان المرأة.
كما ينبغي منح حماية مؤسساتية لقضايا النوع الاجتماعي بتوفير الآليات والموارد المالية والبشرية، الكفيلتين بالنهوض بأدوارها واختصاصاتها المتنوعة.
تقوم هذه الفجوة في الأجور بتمييز المرأة وعدم منحها نفس الفرص والتعامل بالمساواة مقارنةً بالرجال في نفس الوظيفة أو المنصب. يمكن أن تكون هذه الفجوة نتيجة لعوامل مثل التمييز في الأجور، وقلة الفرص للنساء في الوصول إلى وظائف ذات رواتب عالية، والتوجهات الاجتماعية التي تزيد من العقبات أمام نساء العمل.
تقارير المنظمات الدولية والمحلية، بما في ذلك تقارير منظمة العمل الدولية (ILO) والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني الأخرى، قد ترصد هذه الفجوة وتوثقها بالأرقام والإحصائيات.
لتخفيف هذه الفجوة، يجب على الحكومة والمؤسسات والمجتمع المدني اتخاذ إجراءات لتعزيز المساواة بين الجنسين في سوق العمل، بما في ذلك تبني سياسات تشجيعية لمكافحة التمييز في الأجور وتعزيز حقوق المرأة في العمل.