يشكل المغاربة الذين يعيشون في خارج البلد، والذين يطلق عليهم غالبًا “مغاربة العالم” (Marocains du monde – MDM) ، جزءًا مهمًا من المناقشات في السياسة المحلية ، حيث لا يزال العديد منهم في الخارج يحتفظون بصلات وثيقة مع بلدهم الأصلي. تستكشف هذه الورقة تاريخ المشاركة السياسية للمغتربين في المغرب والأنماط التي يتم فيها تسهيل هذه المشاركة أو إعاقتها وتقدم توصيات للمسارات إلى تمثيل أكثر شمولاً.
الرباط – سجَّلت تحويلات المغاربة العاملين بالخارج أعلى مستوى، خلال السنة المالية 2022-2023، بحسب بيانات أولية صادرة عن المكتب الصرف.
وأعلن مكتب الصرف بأن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج بلغت ما يقارب 27,11 مليار درهم عند متم شهر أبريل 2023، مقابل 23,37 مليار درهم قبل سنة.
كما أشار المكتب، في مؤشراته الشهرية الأخيرة للمبادلات الخارجية لشهر مارس، إلى أن هذه التحويلات قد سجلت بذلك ارتفاعا بنسبة 16 في المائة (زائد 3,73 مليار درهم) مقارنة بشهر مارس من سنة 2022.
وعلاوة على ذلك، أبرز المكتب فائضا في رصيد مبادلات الخدمات، الذي سجل ارتفاعا بأزيد من 17,2 مليار درهم، ويأتي هذا التزايد نتيجة لارتفاع الصادرات (بزائد 56,4 في المئة أي ما يعادل 60,05 مليار درهم)، وهو تزايد أكبر بكثير من ذلك الذي سجلته الواردات (بزائد 19,9 في المئة أي ما يعادل 26,86 مليار درهم ).

يبلغ عدد أفراد الجالية المغربية المقيمة في الخارج الآن حوالي 6.2 مليون فرد، أي ما يعادل 12%من مجموع سكان المغرب . لقد شهدت هذه الفئة من المواطنين، التي أصبحت تعرف باسم “مغاربة العالم” (MDM)، تطورًا2 في وضعيتها، بحيث أصبحت تتميز اليوم بتنوّع مناطق تمركزها في شتى بقاع العالم وتأنيث تشكيلتها، وذلك بفضل الاستراتيجيات الفردية للنساء، اللواتي أصبحن يمتلكن مستويات جد عالية من الكفاءة والتعليم. تتميز جالية مغاربة العالم (MDM) بكونها تتشكل في معظمها من فئات الشباب (من حيث التصنيف الديموغرافي)، ويتمتع أفرادها بمهارات وكفاءات عالية في مختلف المجالات، فضلاً عن مساهمتهم المالية المعتبرة في الاقتصاد الوطني، بمتوسط سنوي قدره 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي، بما يجعلها تتبوأ المرتبة الأولى في جدول الإيرادات، تفوق حتى المساعدات العمومية الخاصة بالتنمية والاستثمار الأجنبي المباشر.
مثل هذه الخصائص قد أثارت اهتمام السلطات السياسية منذ عقود من الزمن، وجعلتها تضع استراتيجيات وأطر مؤسسية متنوّعة، الهدف منها تعبئة موارد ومهارات مغاربة العالم، ولا سيّما المالية منها والتكنولوجية. يتعلق الأمر هنا بتعزيز مشاركة المهاجرين في بلدهم الأصلي والنهوض بها من خلال “التعبئة”، التي تعني في هذا المجال، المبادرات الحيوية التي تتخذها الدولة لصالح أفراد جاليتها المقيمة في الخارج، وبالفعل فقد استخدم المغرب طرق مختلفة تُعبِد الطريق لانخراط الجالية في تنمية البلاد. ومع ذلك، رغم الفاعلية النسبية التي مَيّزت الممارسات الرامية إلى إشراك أفراد الجالية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية التي بدت نشطة، بفعل تحفيزات من هنا وهناك، إلا أن المشاركة السياسية العملية لا تزال متجمدة ومحل جدال منذ تجربة تسعينيات القرن المنصرم. وهذا ما يؤكده نموذج التنمية الجديد الذي يستمر في التقليل من شأن المشاركة الكاملة للجالية المغربية المقيمة في الخارج، في مجال السياسة العامة. وفي ظل غياب إطار مؤسسي واضح يتيح للجالية التمثيل الشرعي وتوفير مجال تدخل محدد المعالم، ستبقى مسألة مشاركة الجالية المغربية في السياسات العامة معلقة.
توجيه أفراد الجالية المغربية لتحقيق أهداف التنمية
تتميّز مشاركة مغاربة العالم MDM في مجال تنمية المغرب بثلاث مراحل رئيسية تعكس المقاربات المختلفة ودرجات التوجيه المقترحة من قِبل السلطات العمومية. إلى غاية أواخر الثمانينيات، كان أفراد الجالية المغربية MDM يُنطر إليهم من الناحية المؤسسية، على أنهم جزءٌ يندرج حصرياً ضمن سياسة التوظيف، وكانوا يوصفون بأنهم عمال مغاربة بالخارج 3 ، وكانت الهياكل المكلفة بدور الوسيط بين المهاجرين وبلدهم الأصلي، عبارة عن هياكل جمعوية تشرف عليها السلطات المغربية على الجانبين، في البلد الأصلي وفي البلد المضيف. وكان الاهتمام بأفراد الجالية المغربية واضحاً على الدوام، باعتبارهم مصدر تمويل ولا زال الأمر كذلك. ومنذ وقت مبكر جدًا، وضع النظام المتبع من قِبل السلطات، في متناول الجالية، شبكة من الوكالات المتواجدة في القنصليات والسفارات المغربية في البلدان التي يوجد فيها حضور قوي للمهاجرين من أصل مغربي.
مع نهاية الثمانينيات وخاصة بداية التسعينيات، عرف المشهد المؤسسي المكلف بالهجرة ولادة أول قسم وزاري للمغاربة المقيمين بالخارج وأنشئت مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج (MRE). إلى جانب تركيز مؤسسة الحسن الثاني على الأبعاد الاجتماعية والثقافية لتعزيز روابط أفراد الجالية المغربية مع بلدهم الأصلي، فقد ساهمت في التعريف بالمهاجرين المغربيين بصفتهم فاعلًا اقتصاديًا وأنشأت برامج خاصة للعناية بهم وتأطيرهم. وبذلك، عرفت مسألة تعبئة الدولة لأفراد الجالية اهتماماً متزايداً وسط مختلف الفاعلين المعنيين، وأصبحت محل برامج ومبادرات انطلاقاً من البلدان المضيفة ومن المغرب، أقيمت لتعكس اتجاه ظاهرة “هجرة الأدمغة”.
انطلاقاً من منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وإلى يومنا هذا، شهد المغرب تسارعاً في عملية التعبئة شكلاً ومضموناً. وقد حدثت هذه التطورات في سياق سياسي جديد تميز بحدثين رئيسيين: أولهما، وصول المعارضة السياسية لأول مرة منذ استقلال المغرب إلى الحكومة (1997-2002)؛ ومن بعد ذلك بعامين (1999)، اعتلاء الملك الشاب محمد السادس عرش المملكة. وقد صاحب هذين الحدثين افتتاح العديد من الورشات الهامة، من جملتها، اليد الممدودة من الدولة في اتجاه المعارضين المقيمين في الخارج والمنفيين السياسيين. وتميزت هذه المرحلة على المستوى الدولي ببروز مقاربة “اكتساب الأدمغة وتغيير الأدمغة”، وهي عبارة عن مقاربة إيجابية لفعل الهجرة بهدف تحويلها إلى دعم للتنمية على محورَي دول الضيافة والإقامة.
من الناحية المؤسسية، شهد المغرب استعادة الحقيبة الوزارية الخاصة بالمغاربة المقيمين بالخارج (ابتداء من 2002)، وتقرير اليوم الوطني للمهاجر، وإنشاء مجلس الجالية المغربية بالخارج (2006)، وإطلاق برنامج FINCOME (المنتدى الدولي للمهارات المغربية بالخارج (2003-2009). وعلى المسار نفسه، نظّم المغرب في ديسمبر/كانون الأول 2007 مؤتمراً تمخض عنه إنشاء شبكة الاستثمار المغربية واعتماد استراتيجية جديدة قائمة على ثلاثة مراكز اهتمام (التحويلات المالية، وتعبئة المهارات، والتنمية المشتركة بما في ذلك مساهمة منظمات المجتمع المدني) ووضع برنامج لاستقطاب المهارات المغربية.



