بنسعيد… حين يتكلّم الوزير بلسان أزمة: هل يحتاج المجلس إلى “نخبة جديدة” أم إلى فلسفة جديدة؟

0
113

لم تكن تصريحات محمد المهدي بنسعيد أمام لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية مجرّد تعقيب تقني على مشروع قانون جديد. ما قاله الوزير بدا أشبه بقراءة رسمية لما حدث «الأسبوع الماضي»، أي الفضيحة التي فجّرها الفيديو المسرّب للجنة الأخلاقيات داخل المجلس الوطني للصحافة.

لكن خلف هذه الإشارة العابرة، كانت هناك حقيقة أعمق: الدولة نفسها وصلت إلى قناعة بأن «المؤسسة التي وُلدت لحماية الصحافيين من الانزلاقات الأخلاقية» أصبحت هي موضوع أزمة أخلاقية.

1. الطعن كآلية لإصلاح العطب… أم كبوابة لإعادة توزيع السلطة؟

حين يؤكد الوزير أن «النص الجديد يقوّي من الطعن»، فهو يُدخل كلمة مفصلية إلى قلب النقاش: الطعن.
ليس المقصود فقط تصحيح قرارات لجنة فقدت الثقة، بل إعادة هندسة موازين القوة داخل المجلس.
فالطعن، في الحالة المغربية، لم يعد مجرد إجراء قانوني، بل أصبح آلية لإعادة الشرعية بعد أن اهتزت أمام الرأي العام.

هنا يبرز سؤال تحليلي جوهري: هل نحن أمام محاولة لإنقاذ المؤسسة من نفسها؟ أم أمام رغبة لإعادة وضعها تحت رقابة أكبر من الدولة بعد أن انفلتت إحدى لجانها من قواعد اللعبة؟

2. “نخبة جديدة”… عبارة محمّلة بأكثر من معنى

حين يقول بنسعيد إن «ما نحتاجه هو نخبة جديدة»، فهو يعلن بوضوح أن النخبة الحالية فشلت.
لكن ما لا يقوله الوزير هو: ما طبيعة هذه النخبة الجديدة؟ ومن سيصنعها؟ ومن سيحظى بحق اختيارها؟

الحديث عن “مرحلة جديدة” يعكس إدراكًا رسميًا بأن التراكمات داخل المجلس لم تعد قابلة للترقيع، وأن بنية التمثيلية المهنية انغلقت على نفسها.
فالصالونات المهنية، وحسابات الأنا، والصراعات الخفية بين الفاعلين، جعلت مؤسسة تُفترض فيها الحيادية ساحة معارك صغيرة تُدار بالمصالح.

هذه ليست دعوة إلى تجديد الأشخاص فقط، بل إعادة صياغة الشرعية المهنية من الأساس.

3. الحكومة و”التراكم”: اعتراف ضمني بأن المجلس لم يُنجز مهمته

بنسعيد قال جملة لافتة: «الحكومة – عكس الحكومات السابقة – تعيش مع تراكم».

هذا يعني شيئين:

  1. أن المجلس لم يؤدّ الدور الذي أنشئ من أجله.

  2. أن الحكومة الحالية لا تريد أن تتحمّل تبعات هذا الفشل دون تعديل قواعد اللعبة.

وربما لأول مرة، تعترف الدولة أن وجود المجلس — بصيغته الحالية — لم يمنع الأخطاء، بل صار ينتجها.

4. التمثيلية… حين تتحوّل من آلية ديمقراطية إلى معركة “أنا”

حين يتحدث الوزير عن “الأنا” في موضوع التمثيلية، فهو يعرّي واقعًا يعرفه الصحافيون جيدًا:
المقعد أهم من المؤسسة، والصفة أهم من الوظيفة، والحسابات الشخصية تتفوق على المصلحة العامة.

هنا يتقاطع النقاش مع أزمة أعمّ يعيشها الحقل الإعلامي منذ سنوات: غياب رؤية مهنية مشتركة، وانقسام البنيات التمثيلية، وصراعات مشروعية بين جيل يرفض المغادرة وجيل ينتظر دوره.

5. عن الملاحظات المؤسساتية… هل هي استشارة حقيقية أم مجرد “طقس”؟

وزارة بنسعيد قالت إنها أخذت ملاحظات المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي “بعين الاعتبار… باستثناء بعض المقتضيات”.

لكن الوزير يلمّح في المقابل إلى أن إصدار حكم على مشروع كامل انطلاقًا من مادة أو مادتين هو “شيء غريب”.

هذا النقاش يعيدنا إلى سؤال مركزي: هل العملية التشريعية هنا هي بحث عن قانون يليق بالمهنة أم بحث عن قانون يليق بالمرحلة السياسية؟

من الواضح أن الدولة تريد حماية الإطار المؤسساتي دون أن تسمح له بأن يتحول إلى سلطة فوق الرقابة.

خلاصة “المغرب الآن”: مشروع القانون مرآة… لا إصلاح منفصل

القضية لا تتعلق بنص قانوني فقط، بل بهوية الصحافة المغربية اليوم: هل نحن أمام سلطة رابعة مستقلة، أم جهاز مهني يحتاج باستمرار إلى وصاية تشريعية لضبط إيقاعه؟

بنسعيد لم يقل هذا بصراحة، لكنه قال كل ما يسمح بقراءة ذلك بين السطور. أما السؤال الحقيقي الذي يجب أن تطرحه الساحة اليوم فهو: هل يكفي تغيير النخبة… إذا كانت الفلسفة نفسها تحتاج إلى مراجعة؟