الكلمة التي ألقيتها خلال الجلسة العامة بالملتقى الوطني 19 للشبيبة، أطلق الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، سلسلة تصريحات قوية تجاه الحكومة الحالية بقيادة عبد العزيز أخنوش، مركّزًا على ما وصفه بـ”الإخفاقات الجوهرية في تنفيذ البرنامج الحكومي” و”مرحلة مؤسفة في إدارة الشأن العام”.
هذا الخطاب لم يكن مجرد انتقاد اعتيادي، بل تضمن قراءة عميقة للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمغرب، مع إشارات واضحة للشباب حول مسؤولياتهم تجاه المستقبل السياسي للبلاد.
موقفه من الحكومة وأخنوش
في تحليله لأداء الحكومة، لم يكتفِ بنكيران بالانتقاد العام، بل ركز على اختلالات في التدخلات الاقتصادية وإدارة المناصب والصفقات. وأشار إلى أن توزيع بعض المناصب والإجراءات الحكومية لم يكن محكوماً بمعايير الحوكمة الرشيدة أو الشفافية، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع الثقة الشعبية في مؤسسات الدولة.
وأوضح بنكيران أن بعض السياسات الاقتصادية لم تراعي مصلحة المواطن، بل كانت أحيانًا خدمة لمصالح انتخابية أو شخصية لبعض المسؤولين، وهو ما يعكس ما وصفه بـ”أزمة التسيير والرقابة”، مؤكدًا أن استمرار هذه الممارسات سيترك آثارًا طويلة الأمد على ثقة المواطن في المؤسسات.
تحليل معمق:
هذا النقد ليس مجرد هجوم سياسي، بل يطرح تساؤلات حول منهجية إدارة الدولة نفسها. فبينما تركز الحكومة على إنجاز برامج ظاهرية، فإن بنكيران يشير إلى أن الخلل يكمن في آليات اتخاذ القرار وتوزيع الموارد، وهو ما يعكس أزمة مؤسساتية تحتاج إلى إصلاحات هيكلية.
أسئلة تحليلية:
-
هل النقد الموجه يشير إلى إخفاقات فردية أم إلى خلل منهجي في أداء الحكومة؟
-
كيف يمكن لهذه الانتقادات أن تؤثر على صورة الحكومة قبل الانتخابات المقبلة؟
-
إلى أي مدى يمكن للمعارضة أن تستثمر هذا الخطاب لإعادة النقاش السياسي إلى مسار التفاعل الحقيقي مع المواطن؟
الشباب والمسؤولية السياسية
ركز بنكيران على دور الشباب في السياسة، معتبراً أن المستقبل السياسي للمغرب مرتبط بمشاركة جيل الشباب في الحياة العامة. وقال بوضوح: “خاصكم تكلموا، اخصكم تكتبو، اخصكم تشجعو”. هذا النداء يحمل أكثر من مجرد تشجيع، فهو دعوة عملية للشباب للانخراط في العمل السياسي والمجتمعي، ورفض الانسحاب أو الاكتفاء بالمراقبة السلبية لما يحدث في البلاد.
وأشار بنكيران إلى أن بعض الشباب قد يكون متراجعًا عن المشاركة، وهو ما وصفه بـ”التقصير في تحمل المسؤولية”، محذرًا من أن الفراغ السياسي يمكن أن يُستغل من قِبل جهات تسعى لمصالح ضيقة على حساب المصلحة العامة. واعتبر أن تمكين الشباب سياسيًا وثقافيًا هو شرط أساسي لتقوية ديمقراطية المغرب وتحقيق مشاركة فعلية تعكس تطلعات الشعب.
تحليل معمق:
خطاب بنكيران يسلط الضوء على تحدي المشاركة الشبابية في السياسة، وهو أمر مرتبط بعدة عوامل: التعليم، الوعي السياسي، قدرة الأحزاب على الاستماع، والفرص المتاحة للشباب للانخراط في القرارات. هنا، لا يقتصر الأمر على مجرد دعوة، بل هو تحفيز عملي لتغيير السلوكيات السياسية التقليدية، حيث يجب أن يكون للشباب صوت قوي داخل البرلمان، الجمعيات، ومنظمات المجتمع المدني.
أسئلة تحليلية:
-
كيف يمكن للشباب أن يتفاعلوا بفاعلية مع السياسة في ظل هذه الظروف؟
-
هل يعكس التحذير قلقًا من تراجع المشاركة السياسية للشباب؟
-
ما الدور الذي يمكن أن تلعبه المنظمات الشبابية لتعزيز النقاش السياسي والمساءلة؟
الاقتصاد والفساد
تطرق بنكيران إلى ملفات اقتصادية حساسة، مشيرًا إلى ما وصفه بـ”توزيع الأموال على الأصدقاء واستغلال الموارد لتحقيق مكاسب انتخابية”. وأوضح أن هذه السياسات تقوض ثقة المواطن في الحكومة والمؤسسات العامة، وتشكل عائقًا أمام تطوير الاقتصاد الوطني وتعزيز العدالة الاجتماعية.
وأشار إلى أن بعض برامج الدعم الاقتصادي لا تصل إلى المستحقين الحقيقيين، بل تستغل في سياق مصالح سياسية وانتخابية ضيقة. واعتبر أن هذه الممارسات تؤدي إلى تأزيم العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني، وإضعاف الشعور بالمواطنة الفاعلة.
تحليل معمق:
هذا الملف يتجاوز مجرد النقد السياسي، فهو يطرح مسألة حوكمة الاقتصاد والسياسات الاجتماعية. ففي ظل الفساد أو المحسوبية، تصبح البرامج الاقتصادية مجرد أداة لإرضاء مصالح محددة، وليس لتحقيق تنمية حقيقية. ويطرح بنكيران بهذا تحذيرًا صريحًا للحكومة: إن استمر الوضع بهذا الشكل، فإن الاحتقان الاجتماعي قد يرتفع، ويؤثر على استقرار البلاد سياسيًا واقتصاديًا.
أسئلة تحليلية:
-
إلى أي مدى تعكس هذه التصريحات استياءً شعبيًا واسعًا؟
-
هل هناك آليات رقابية كافية لمنع هذه الممارسات وضمان الشفافية؟
-
ما الخطوات الضرورية لتقوية الرقابة على توزيع الموارد الاقتصادية؟
السياسة الإقليمية والدور المغربي
لم يقتصر خطاب بنكيران على الداخل، بل تطرق إلى السياسة الخارجية، مشيرًا إلى القضايا الإقليمية الحساسة مثل فلسطين والتحديات الجيوسياسية في المنطقة والتهديدات الإقليمية. وأكد على أهمية اليقظة في مواجهة أي نفوذ خارجي محتمل، معتبرًا أن السياسة الداخلية مرتبطة بشكل وثيق بالتحولات الإقليمية والدولية.
وقال إن المغرب يجب أن يوازن بين مصالحه الوطنية والتحالفات الإقليمية والدولية، مع الحفاظ على استقلالية القرار الوطني. واعتبر أن السياسة الخارجية الفعالة تبدأ من الداخل، حيث يجب تعزيز الشفافية والمساءلة، وتقوية مؤسسات الدولة لمواجهة التحديات الخارجية.
تحليل معمق:
هذا البعد يظهر وعي بنكيران بالارتباط الوثيق بين الداخل والخارج. فهو يحذر من أن أي ضعف داخلي يمكن أن يُستغل دوليًا، ويضع المغرب في موقف هش أمام تحديات الأمن الإقليمي والهجرة والنفوذ الأجنبي. كما يشير إلى أن التوازن بين السياسة الداخلية والخارجية عنصر حاسم للحفاظ على الاستقرار الوطني وتحقيق التنمية المستدامة.
أسئلة تحليلية:
-
كيف يربط بنكيران بين السياسة الداخلية والتطورات الإقليمية؟
-
هل يمكن أن يكون له تأثير في صياغة المواقف الشعبية تجاه القضايا الخارجية؟
-
كيف يمكن للسياسات الحكومية الحالية أن تواجه التحديات الإقليمية المتزايدة؟
التعليم والدين كأدوات للتمكين
كرر بنكيران التأكيد على القيم الدينية والمراجع الأخلاقية، داعيًا إلى استخدام التعليم والتربية كأداة لتمكين الشباب سياسيًا وفكريًا: “تعلموا الشريعة ديالكم… اتقروا ونزياروا”. وأكد أن التربية الصحيحة تشكل قاعدة صلبة للمواطنة المسؤولة، وتمكن الشباب من النقد البناء للأداء السياسي.
وأشار إلى أن التعليم ليس فقط لإكساب المعرفة، بل لتطوير وعي الشباب بقضايا المجتمع والسياسة، وتحفيزهم على المشاركة الفعلية، مع مراعاة القيم الأخلاقية والدينية كمرجع أساسي في التعامل مع القضايا الوطنية.
تحليل معمق:
خطاب بنكيران يظهر أهمية توازن التعليم المعرفي والأخلاقي، حيث يعتبر أن الثقافة الدينية الصحيحة ليست معيقًا للحرية الفكرية، بل أداة لتعزيز المشاركة الفاعلة والتفكير النقدي. ويضع هذا المزيج بين التعليم والقيم كشرط أساسي لمواطنة متكاملة، قادرة على حماية الديمقراطية والمساهمة في التنمية السياسية والاجتماعية.
أسئلة تحليلية:
-
كيف يمكن للخطاب الديني أن يتحول إلى تأثير سياسي ملموس؟
-
هل هناك أي تعارض بين الحرية الفكرية للشباب والخطاب التوجيهي الذي يقدمه؟
-
كيف يمكن للمؤسسات التعليمية دعم هذه الرؤية وتعزيزها في الجيل الجديد؟
الخلاصة والتحديات المستقبلية
تصريحات بنكيران تمثل مزيجًا من النقد المباشر للحكومة، دعوة للشباب للمشاركة السياسية، وتحذيرات من الانسحاب الاجتماعي والسياسي، مع تسليط الضوء على ملفات الفساد والاقتصاد والسياسة الإقليمية. هذا الخطاب يعكس رغبة في إعادة النقاش السياسي إلى قواعد المشاركة والمساءلة، ويفتح المجال أمام تساؤلات جوهرية حول مستقبل الديمقراطية والمشاركة الحقيقية في المغرب.
الأسئلة الكبرى للتحليل المستقبلي:
-
هل يمكن لهذه التصريحات أن تؤثر على التحركات الحكومية قبل الانتخابات المقبلة؟
-
ما الدور الذي يمكن أن يلعبه بنكيران في تحريك الرأي العام والمجتمع المدني؟
-
كيف سيستجيب الشباب للرسائل المباشرة وغير المباشرة التي حملها هذا الخطاب؟
-
هل يمكن أن تشكل هذه الدعوة الشبابية شرارة لإصلاحات مؤسساتية في العمل السياسي والحكومي؟
-
كيف يمكن دمج الأبعاد الاقتصادية، الأخلاقية والسياسية لضمان استقرار حقيقي للمغرب؟


