بنكيران: هزمنا في الانتخابات الأخيرة لأننا لم نستوعب مجتمعنا ودولتنا

0
205

فرغم الظاهر المعتدل لحزب بنكيران، ومبالغته في اعتناق “ملكية أكثر من الملك”، فإن فلول الحزب لا تخلو من المتطرفين، وتعد مشتلا وخزانا سريا لبعض أصحاب التقية من مؤيدي الحركات المتطرفة.

الرباط – دعا الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الاله بنكيران، اعضاء ومناضلي حزبه إلى: “الإقرار بأن الفشل وإن كانت له أسباب داخلية أو خارجية أو مرتبطا بجهات مسؤولة هو فشل بالنهاية”، مطالبا اياهم بمراجع مقاربتهم لهذه الهزيمة.

وقال خلال مؤتمر لتنظيمه بجهة الرباط: “فشلنا في فهم واستيعاب مجتمعنا ودولتنا وظروفنا الدولية والإقليمية هو الذي أوصلنا إلى هذا الوضع الذي نحن فيه”.

واعتبر عبدالاله بنكيران، أنه لم يسبق لأي حزب سياسي أن وقع له ما وقع لحزبه بسقوطه من المرتبة الأولى بـ 125 نائبا برلمانيا إلى المرتبة الثامنة بـ13 نائبا ونائبة بمجلس النواب و0 مستشار بمجلس المستشارين. 

قبل عقد من الزمن، جاء وصول العدالة والتنمية إلى الحكومة إثر انتفاضة حركة 20 فبراير سنة 2011، كضرورة أملتها التحولات الجيوستراتيجية والظرفية الدولية على الحاكمين في المغرب. وفعلا، قام الإسلاميون المعتدلون بمهمة كتيبة الإطفاء. هكذا استطاع المغرب الإفلات من مصير دول مجاورة أنهكتها ثورات “الربيع العربي” وأدخلتها في أنفاق مظلمة لم تفلح في الخروج من حلكة عتمتها القاسية حتى اليوم.

بالمناسبة، نستحضر حماسة الإدارة الأميركية ودعمها لثورات الربيع العربي وما أسفرت عنه من تحولات دراماتيكية متباينة. فقد بارك الأميركيون الإسلام الإخواني، ونظروا إليه كتعبير سياسي مستنير واجتماعي ذي شعبية، وكبديل عن إسلام إرهابي تتبناه الحركات الجهادية المتطرفة والمسلحة.

صفق الأميركيون لهيمنة إسلاميي العدالة والتنمية على مقاعد البرلمان المغربي ورئاستهم للحكومة. يكفي هنا ذكر تصريحات سابقة للسيدة هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية في ذلك الحين، حين أعلنت استعداد واشنطن للتعاون مع الإسلاميين، وسمت حركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي في تونس، وأيدت “حزب العدالة والتنمية” في المغرب، لما توقعت فوز حزب عبد الإله بنكيران بنسبة عالية قبل إجراء الانتخابات. موضحة أن “الإسلاميين ليسوا جميعهم سواسية”. وأن “الفكرة بأن الإسلام السياسي لا يمكنه العيش في ظل نظام ديمقراطي هي فكرة خاطئة”. ورسمت المسؤولة الأميركية السابقة خارطة الطريق التي يجب على الإسلاميين سلوكها، بدءا بـ”رفض العنف واحترام الحريات واحترام حقوق النساء والأقليات والانضمام الى دولة القانون”.

لكن السيدة كلينتون أيضا في معرض وصاياها قدمت نصيحة “القبول بمبدأ الهزيمة الانتخابية ورفض إثارة التوترات الدينية”.

توقيف قيادي في جماعة “العدل والإحسان” المحظورة في المغرب

هزيمة “البيجيدي” إذًا سيناريو لم يكن واردا بهذه القساوة لدى جماعة الإخوان في المغرب، وفي مقدمتهم عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني، الذي تولى في الخمس سنوات الأخيرة مهمة رئاسة الحكومة، ففي أكثر من جهة مغربية ذهب إليها العثماني خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بغاية الترويج لمرشحي حزبه وحث الناس على التصويت على رمز “المصباح”، وجد نفسه أمام جماهير هائجة من المحتجين المطالبين برحيله. لكن العثماني وإخوانه لم يصدقوا ما رأت أمُّ أعينهم. إذ سيصرح الأمين العام لـ”البيجيدي” لمراسل محطة “البي بي سي” في الرباط متبسما أن “هؤلاء مجرد مرتزقة مسخرين أخذوا ثمن ما يقومون به من تهجم وتحرش ضدنا”. ولم يكن يعلم أن عربون فشل حزبه سيكون سقوط رأسه في الدائرة المحيطة بالعاصمة، ولم يكن عبثا أن سميت تلك الدائرة الرباطية بـ”دائرة الموت”.

الذي حصل هو أن “البيجيدي” لم يغادر نشوة الاغترار بفوزه بالرتبة الأولى في انتخابات 2016، حين حصل على 125 مقعدا، مكرّرا إنجازا أفضل مما حققه في انتخابات 2011، ليستمر في قيادة التحالف الحكومي على رأس الحكومة، ناسيا خطورة “المخزن”، إذ لم يقرأ جيدا تجربة الاشتراكيين بزعامة عبد الرحمان اليوسفي، وكيف لفظهم القصر في لحظة مارقة من الزمن السياسي أُطلق عليها في الأدبيات السياسية المغربية “الخروج عن المنهجية الديمقراطية”. وها هم إخوان بنكيران يؤكلون اليوم في النهار الأبيض جهارا وطبقا لـ”المنهجية الديمقراطية”.

هل كانت هزيمة “البيجيدي” المذلة تصويتا عقابيا؟ أو أنها أتت قبل كل شيء استجابة لإرادة القصر بعد أن انتهت صلاحية الإسلاميين، وأصبح إلغاء استمرارهم في الواجهة الحكومية واجبا ملحا أسبق من الانتصار على جائحة كورونا، وأن على الدولة والمجتمع التخلص منهم قبل القضاء النهائي على “كوفيد 19” ومتحوراته المهددة.

فرغم الظاهر المعتدل لحزب بنكيران، ومبالغته في اعتناق “ملكية أكثر من الملك”، فإن فلول الحزب لا تخلو من المتطرفين، وتعد مشتلا وخزانا سريا لبعض أصحاب التقية من مؤيدي الحركات المتطرفة، مثلما كان عليه الحال في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي مع الحركة الاتحادية، حين كانت قيادات الاتحاد الوطني للقوات الشعبية تعمل ضمن الشرعية القانونية، فيما أغلب القواعد التنظيمية تؤمن بالنظام الجمهوري والانقلابات، وتحمل أفكار العنف الثوري المسلح، (حركة الاختيار الثوري). بل إن التاريخ سيكشف عن تورط القيادة الاتحادية، ممثلة في الفقيه محمد البصري، في الانقلاب العسكري لسنة 1972 بقيادة الجنرال محمد أوفقير.

وتراجع حزب “العدالة والتنمية”، الذي قاد الحكومتين السابقتين لأول مرة في تاريخ البلاد، من 125 مقعدا خلال انتخابات عام 2016 إلى 13 مقعدا خلال انتخابات 2021.

وبنكيران (68 عاما) هو رئيس الحكومة المغربية خلال الفترة من نوفمبر/تشرين ثان 2011 إلى أبريل/نيسان 2017، وأمين عام حزب العدالة والتنمية المعارض.