في تصريحات مثيرة للجدل، عبّر عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عن رفضه لبعض التعديلات التي أُدرجت على مدونة الأسرة المغربية، محذرًا من انعكاساتها السلبية على المجتمع. وأشار بنكيران، في كلمة مصورة نشر جزءًا منها على صفحته في “فيسبوك”، إلى أن هذه التعديلات أثارت قلقًا مجتمعيًا واسعًا، مشددًا على ضرورة أخذ الإشكاليات المطروحة بعين الاعتبار عند صياغة أي نص قانوني.
واستعرض بنكيران أبرز النقاط التي أثارت جدلاً، بدءًا من قضية “إيقاف بيت الزوجية عن التركة”، وهي التعديلات التي رأى فيها ظُلمًا للورثة الشرعيين وحرمانًا لهم من حقوقهم. ورغم اعترافه بالمشاكل التي قد تنشأ في بعض الحالات عندما يبيع “العصبة” المنزل، مما يؤدي إلى تشتيت المرأة وأبنائها، أكد أن الحلول المطروحة لا تضمن حقوق المرأة في السكن، بل تضر بالورثة جميعهم.
الإشكاليات المتعلقة بحق الورثة في بيت الزوجية:
أحد أبرز المواضيع التي أثارها بنكيران هو التعديل الذي يخص “إيقاف بيت الزوجية عن التركة”. هذا التعديل يقضي بحصر ملكية البيت في الزوج أو الزوجة في حالة الوفاة، مما يعني أن الورثة الشرعيين قد يتم حرمانهم من حقهم في السكن إذا تم تحديد هذا الحق لصالح الزوج المتبقي. على الرغم من اعترافه بالمشاكل التي قد تطرأ في بعض الحالات، حيث قد تبيع “العصبة” المنزل مما يؤدي إلى تشتيت الأسرة، إلا أن بنكيران أكد أن الحلول المقدمة لا تضمن حق المرأة في السكن، بل على العكس قد تضر بالورثة ككل. وهذا التعديل يثير تساؤلات كبيرة حول كيفية ضمان حقوق جميع الأطراف في الميراث، دون أن يُساء استخدام هذه التعديلات لمصالح شخصية.
إشكاليات الديون المشتركة:
أحد التعديلات المثيرة للجدل التي ناقشها بنكيران هو موضوع الديون المشتركة بين الزوجين. وفقًا لهذا التعديل، يُعتبر أن ديون الزوجين الناشئة عن وحدة الذمة المالية تعتبر ديونًا مشتركة يتم دفعها من مال الزوجين على حد سواء. وهذا يعني أن الدين الذي قد يتحملها الزوج بسبب ممارسات غير أخلاقية أو مشروعة، مثل القروض لأغراض القمار أو الخمر، يمكن أن يتم دفعه من إرث الزوجة، والعكس صحيح.
وكان بنكيران قد وصف هذا الوضع بـ”المصيبة”، معتبرًا أن هذا التعديل يتجاهل حقوق الورثة الآخرين بشكل فاضح. فكيف يمكن أن يتم فرض عبء ديون لا علاقة لها بأخلاقيات العلاقة الزوجية على ورثة لا علاقة لهم بهذه الديون؟ هل من المعقول أن يدفع أحد الزوجين من حصته في الإرث ديونًا ناتجة عن تصرفات غير مسؤولة؟
الذمة المالية المشتركة وتأثيرها على الزواج:
أحد النقاط الأخرى التي تناولها بنكيران هو “الذمة المالية المشتركة” بين الزوجين، والتي يمكن أن تزعزع الاستقرار المالي والنفسي للزوجين على حد سواء. كان بنكيران قد أكد أن الذمة المالية للرجل يجب أن تظل مستقلة عن الذمة المالية للمرأة، مشيرًا إلى أن جعل المال مشتركًا بين الزوجين قد يؤدي إلى تدمير مؤسسة الزواج نفسها.
هذه النقطة تثير تساؤلات حقيقية حول إمكانية الحفاظ على التوازن بين حقوق الزوجين في إدارة أموالهما دون التأثير على استقرار علاقتهما الزوجية.
مفهوم “العمل المنزلي” وحساب قيمته المالية:
من بين النقاط الأكثر إثارة للجدل أيضًا، تلك المتعلقة باحتساب “العمل المنزلي” للزوجة كمساهمة في تنمية الأموال المشتركة. بموجب هذا التعديل، يتم تقدير العمل المنزلي للزوجة داخل المنزل وحساب سنوات عملها ماليًا بعد وفاة الزوج، مما يعتبره بنكيران نوعًا من “الإهانة” لهوية العلاقة الزوجية.
فما المقصود من تعويض الزوجة ماليًا عن “العمل المنزلي”؟ أليست العلاقة الزوجية قائمة على المكارمة والإحسان، حيث يساهم كل طرف بطريقته الخاصة لتحقيق التوازن الأسري؟ وكيف سيتم تحديد قيمة العمل المنزلي للمرأة؟ هل سيكون هذا بمثابة إثارة لمشاعر التنافس بين الزوجين بدلاً من تعزيز الترابط؟
إلغاء المسطرة القضائية للطلاق الاتفاقي:
أما في ما يتعلق بإلغاء المسطرة القضائية في حالة الطلاق الاتفاقي، فقد اعتبر بنكيران هذا التعديل غير مبرر، مشيرًا إلى أن إلغاء المسطرة القضائية في حالات الطلاق يُحرم الطرفين من فرصة التفاهم أو التوفيق بينهما. ففي حالات الطلاق، يجب أن يكون هناك إطار قانوني يضمن حق الطرفين في مراجعة قرار الطلاق، وهي عملية قد تتيح لهما فرصة للصلح والتوصل إلى اتفاق يرضي الجميع. هل حقًا من الصواب تسهيل الطلاق في هذه الحالات دون محاولة تأجيله والبحث عن سبل التفاهم بين الزوجين؟
هل التعديلات ضرورية لتحقيق المساواة؟
يتساءل البعض: هل هذه التعديلات هي خطوة ضرورية نحو تحقيق المساواة بين الجنسين؟ أم أن هناك مخاطر حقيقية قد تنتج عن تطبيق هذه التعديلات التي قد تُستغل لصالح فئة معينة ضد فئة أخرى؟ ما هو المدى الذي يمكن أن تصل إليه التعديلات في هذه المدونة لكي تضمن حقوق المرأة دون المساس بحقوق الآخرين؟ وكيف يمكن تحقيق التوازن بين تحديث النصوص القانونية ومراعاة القيم الاجتماعية التي طالما كانت أساسًا للعلاقات الأسرية في المجتمع المغربي؟
التحديات التي يواجهها المجتمع المغربي:
من المؤكد أن هذه التعديلات تفتح الباب للعديد من التساؤلات حول مستقبل الأسرة المغربية. هل سيتسبب هذا التعديل في تفكك الأسرة المغربية، خاصةً في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المجتمع؟ وهل سيؤدي إلى خلق فوضى قانونية في المستقبل؟ ومع تزايد الضغوط المجتمعية على المدونة الجديدة، قد يكون من الضروري إعادة النظر في بعض التعديلات أو توضيحها بشكل أكبر لضمان استقرار العلاقات الأسرية وحمايتها من التفكك.
الخلاصة:
إذن، وبينما تسعى التعديلات الجديدة لمدونة الأسرة المغربية إلى تحقيق مزيد من العدالة والمساواة بين الزوجين، فإن الجدل الذي أثارته هذه التعديلات يشير إلى أن هناك تحديات كبرى تواجه المجتمع المغربي في قبول هذه التعديلات. فمن الضروري التأكد من أن هذه التعديلات لن تضر بمبادئ الشريعة الإسلامية أو بالقيم الاجتماعية التي تحدد أسس الحياة الزوجية في المغرب، وفي الوقت نفسه، يجب أن تستجيب بشكل حقيقي لحقوق المرأة.
الأسئلة التي تطرحها هذه التعديلات:
-
هل ستكون هذه التعديلات لصالح الأسرة المغربية أم ستتسبب في تفككها؟
-
هل من المعقول تحويل بعض جوانب الحياة الزوجية إلى حسابات مالية؟
-
كيف يمكن التأكد من أن التعديلات ستضمن العدالة بين جميع الأطراف دون أن تؤدي إلى تفرقة؟
-
هل ستؤدي هذه التعديلات إلى تقوية العلاقات الزوجية أم أنها ستضعفها؟