يجد مزارعوا ومئات الآلاف من الأسر التي تعيش من تجارة القنب الهندي شمال شرقي المغرب أنفسهم فريسة لأطماع سياسية تتعامل مع أزماتهم على أنها ورقة تستغل في الابتزاز، بالتالي يسعى :الامين العام السابق لحزب العدالة والتنمية” الى استثمار “اخطاء” رئيس الحكومة سعد الدين العثماني ويضع تشريع القنب الهندي في واجهة المعركة السياسية داخل الحزب ، متجاهلا المقاربة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ولوح بنكيران بالاستقالة من الحزب في حال دعم نواب الحزب مرور مشروع قانون لإجازة القنب الهندي، في تصعيد يعكس حدة الأزمة التي يعيشها الحزب والصراع بين تياري العثماني وبنكيران.
وقال بنكيران، رئيس الحكومة السابق (2012 – 2017)، الاثنين إنه يعتزم الانسحاب من حزب العدالة والتنمية الذي يقود الائتلاف الحكومي، إذا وافق نواب الحزب في البرلمان على مشروع قانون أعدته الحكومة لتقنين القنب الهندي (الحشيش).
وأضاف بنكيران في وثيقة نشرها موقع “كود” الإخباري “بصفتي عضوا في المجلس الوطني للحزب (مجلس شورى الحزب)، أعلن أنه في حالة ما إذا وافقت الأمانة العامة للحزب على تبني القانون المتعلق بالقنب الهندي، فإنني سأجمد عضويتي في الحزب”.
وتابع “وإذا ما صادق ممثلو الحزب في البرلمان على القانون المذكور، فإنني سأنسحب من الحزب نهائيا”.
وقال مراقبون إن بنكيران يريد أن يوظف ورقة التشريع للأفيون للضغط على العثماني والشق الداعم له من قيادات الحزب أكثر من كونها رفضا للقانون الجديد، مشيرين إلى أن بنكيران نفسه حين ترأس الحكومة كان أكثر براغماتية في مواقفه، ولم يكن يحتكم في مواقفه إلى “فتاوى” دينية.
ويريد الأمين العام السابق للحزب استثمار “أخطاء” العثماني خاصة بعد موضوع التطبيع ومشاركته في التوقيع على اتفاق مغربي إسرائيلي بصفته رئيسا للحكومة، للإيحاء بأن العثماني تخلى عن هوية الحزب الإسلامية وحوله إلى حزب براغماتي انتهازي، والهدف هو كسب المزيد من القيادات في صفه خاصة القيادات المحافظة التي لم تغادر إلى الآن الأفكار القديمة للجماعة الدعوية ذات الخلفية الإخوانية.
وأطلق بنكيران تصريحات قوية ضد قيادات الحزب الممثلين في الحكومة، والذين حضروا في لقاءات مع الوفد الإسرائيلي. وتساءل في أحد تصريحاته “هل أخذتم المناصب بالذهاب إلى إسرائيل، كان قبلكم يذهب البعض إلى إسرائيل، من يتذكرهم اليوم أو حضر لجنازتهم”؟ وذلك في انتقاد واضح منه للعثماني ولعزيز رباح، وزير الطاقة والمعادن المغربي والقيادي بالحزب الذي أكد أنه لا يمانع زيارة إسرائيل إذا اقتضى الأمر، باعتباره يمثل الدولة.
والخميس، شرعت الحكومة في دراسة مشروع قانون لتقنين استخدام القنب الهندي في الأغراض الطبية والصناعية، وسط جدل كبير بشأن الأمر.
وقالت الحكومة إنه سيتم استكمال دراسة مشروع القانون والمصادقة عليه في المجلس الحكومي المقبل (الخميس).
وعقب تصديق الحكومة على مشروع القانون، يُحال إلى البرلمان بغرفتيه للمصادقة عليه، ثم يُنشر في الجريدة الرسمية ليدخل حيز التنفيذ، بحسب الدستور.
ووفق المذكرة التقديمية للمشروع، يطمح المغرب إلى جلب “استثمارات عالمية من خلال استقطاب الشركات المتخصصة في الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي في الأغراض الطبية والصناعية”.
ورأت أن “تطوير الزراعات المشروعة للقنب الهندي كفيل بتحسين دخل المزارعين، وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي للمخدرات، وجلب الاستثمارات العالمية؛ بهدف الاستفادة من مداخيل السوق الدولية لهذه النبتة”.
ويدعو المؤيدون إلى تقنين زراعة “القنب الهندي” على غرار الزراعات الأخرى، فيما يحذر الرافضون من تأثير التقنين على زيادة مساحات زراعة المخدرات، وتفاقم ظاهرة الإتجار به في المملكة.
ولم يصدر على الفور تعليق من جانب الحزب على موقف بنكيران.
وللمرة الأولى في تاريخ المغرب، يقود “العدالة والتنمية” الحكومة منذ عام 2012، إثر فوزه في انتخابات عامي 2011 و2016، وهو يستعد لخوض انتخابات برلمانية وبلدية العام الجاري.
وإضافة إلى “القنب الهندي”، يثير ملف آخر انتقادات وجدلا حول “العدالة والتنمية”، وهو توقيع رئيس الحكومة، أمين عام الحزب، سعد الدين العثماني، على اتفاقية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وقال العثماني، في أكثر من مناسبة، إن توقيعه على هذه الاتفاقية، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أملته عليه مسؤولية رئاسة الحكومة.
ويراهن بنكيران على كسب “شيوخ” جماعة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوية للحزب، في صفه، ما يساعده على محاصرة خصمه وتجريده من صفته كحام لأفكار الحزب ومبادئه، ومن ثمة الإطاحة به من قيادة الحزب.
ويعيش الحزب على وقع استقالات كبرى سواء داخله أو في الحكومة، وأبرزها استقالة إدريس الأزمي رئيس المجلس الوطني للحزب. وقدم الأزمي استقالته ليلة السبت احتجاجا على “ما يجري داخل الحزب” من صراعات.
وسعى العثماني السبت للتخفيف من وقع هذه الاستقالة بالقول إنه لا صحة للأخبار المتداولة التي أرجعت سبب استقالة الرميد إلى زيارة وفد حكومي مغربي لإسرائيل.
وصنّفت مؤسسة “نيوفرونتير داتا” (new frontier data) الأميركية المتخصصة في جمع المعطيات حول صناعة القنب الهندي حول العالم، المغرب ثالث أكبر سوق لتجارة القنب على المستوى الأفريقي والتي تبلغ عائداتها 3,5 مليار دولار سنوياً، بعد إثيوبيا ونيجيريا، فيما حددت عدد مستهلكيها بالمغرب بـ 1,7 مليون مستهلك، من أصل 58 مليوناً على المستوى الأفريقي. تورد بعض التقارير أن المغرب يجني من تجارة القنب الهندي ما يناهز 23 مليار دولار، وأن تلك التجارة تُوجه أساساً إلى بعض الدول الأوروبية، حيث تجتهد المافيات العالمية للمخدرات لإيجاد أسهل السبل لإيصال سلعتهم إلى القارة العجوز.
وتعتمد بعض العائلات في الريف المغربي على زراعة القنب الهندي (الحشيش) الممنوعة في البلاد. بالنسبة إلى المزارعين، ما من بديل بسبب طبيعة المناطق الجغرافية، إلا أنهم يعانون الفقر بسبب الملاحقات الأمنية.
حياة قاسية تعيشها عائلات عدة في الريف المغربي، التي تقتات من نبتة الكيف (القنب الهندي)، باعتبارها الزراعة الوحيدة المتوفّرة نظراً لمعطيات جغرافية خاصة في المنطقة، بسبب مذكرات البحث والتوقيف والاعتقال الصادرة بحق آلاف المزارعين البسطاء.
وتتلخّص معاناة آلاف العائلات في الشمال المغربي، التي تعيش من عائدات زراعة الكيف المحظورة قانوناً في البلاد، بأمرين: الأول يتمثّل في الشعور بالخوف الدائم بسبب اعتقال المزارعين أو البحث عنهم لمخالفتهم القانون باستمرار من خلال زراعة النبتة، والثاني عدم توفر زراعة بديلة. ويطالب سياسيّون وأحزاب وفاعلون وناشطون بعفو عام عن المزارعين الملاحقين، والذين يقدّر عددهم بحسب أرقام شبه رسمية بنحو 48 ألفاً، بهدف تحقيق مصالحة مع شمال البلاد.
وتشهد المنطقة غياباً تاماً للاستثمارات، وقد رصدت الميزانية الموجهة لإقليم الحسيمة إلى مشروع مدينة الحسيمة منارة المتوسط، فيما يبقى نصيب منطقة صنهاجة التي تزرع الكيف هزيلاً وضعيفاً مقارنةً بحجم الاستثمارات المرصودة. و أنّ “أكثر من 40 ألف مزارع يعيشون في سراح مؤقت، لأن قانون عام 1974 يجرم زراعة نبتة الكيف في البلاد، ما يجعل المئات منهم يعيشون بلا هوية بعد إصدار مذكرات بحث في حقهم تتعلق إما باجتثات أشجار الغابة أو زراعة القنب الهندي”.
ويتفادى المزارعين استصدار الوثائق الرسمية خوفاً من الاعتقال، الأمر الذي ينعكس سلباً على أبنائهم الذين لا يسجلون في الإدارات الرسمية، فضلاً عن مشكلة أخرى تتعلق بتوثيق الزواج لدى محاكم المملكة.