“بنك المغرب: تراجع القيمة الفلاحية يعرقل النمو الاقتصادي في 2024 ويهدد الأمن الغذائي”

0
63

تُظهر التوقعات الاقتصادية لعام 2024 التي قدمها بنك المغرب أن نمو الاقتصاد الوطني سيظل محدودًا بنسبة 2.6٪، بعد أن سجل 3.4٪ في عام 2023. هذا التباطؤ الاقتصادي يحد من التطلعات المستقبلية، ويعود جزئيًا إلى تراجع القيمة الفلاحية، التي يُتوقع أن تتراجع بنسبة 4.6٪ نتيجة للظروف المناخية القاسية التي عرفها الموسم الفلاحي الماضي. بينما يُتوقع أن يتحسن القطاع غير الفلاحي تدريجيًا، فإن القطاع الزراعي يبدو أنه سيظل في حالة تراجع نسبي، مما يطرح تساؤلات حول قدرة الاقتصاد الوطني على التعافي في ظل هذا الواقع.

هل يمكن للمغرب تجاوز تحديات الجفاف؟

القطاع الزراعي في المغرب، الذي يعد من الركائز الأساسية للاقتصاد، يواجه تحديات هيكلية معقدة، أبرزها التقلبات المناخية، والتي تُعد أكبر تهديد لمستقبل هذا القطاع. في ظل السنة السادسة من الجفاف، يتعرض المغرب لخسائر فادحة في المحاصيل، مما يؤثر بشكل مباشر على القيمة الفلاحية. وتُعتبر هذه الظروف المناخية غير المواتية جزءًا من واقع عالمي يشهد ازديادًا في الأزمات البيئية.

“بنكيران يكشف فضيحة تحلية مياه البحر: هل يتلاعب رئيس الحكومة بمستقبل الشفافية؟”

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يمكن للمغرب التكيف مع هذا الواقع المناخي المتقلب؟ الإجابة قد تكمن في التوجهات الحديثة التي تحاول الحكومة والقطاع الخاص تبنيها. ففي الوقت الذي تشهد فيه الزراعة التقليدية تدهورًا، بدأ المغرب في اعتماد التقنيات الزراعية الحديثة، مثل الزراعة الذكية التي تستخدم التكنولوجيا لمواجهة الجفاف وتقلبات الطقس. هل تكفي هذه الحلول لمواجهة تحديات تتجاوز مجرد تقنيات الري إلى التكيف مع تغيرات مناخية غير مسبوقة؟

الزراعة الذكية: هل هي الحل الفعّال؟

يشير رشيد بنعلي، رئيس الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، إلى أن المغرب بدأ في التوجه نحو “الزراعة الذكية” التي تعتمد على تكنولوجيا حديثة لتحسين الإنتاجية وتحقيق التكيف مع التغيرات المناخية. هذا التوجه قد يساهم في تقليل تأثيرات الجفاف، إلا أن السؤال الأهم يبقى: هل يمكن للزراعة الذكية أن تُغني عن الحلول الجذرية التي تتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية للري وتقنيات الزراعة المستدامة؟

إلى جانب ذلك، دعا الأكاديمي المغربي عمر الكتاني إلى ضرورة عدم الاعتماد على الأمطار في الزراعة. فهل يمكن للمغرب أن يطور قطاعًا زراعيًا مقاومًا للجفاف دون الحاجة إلى الأمطار الغزيرة؟ بالطبع، يتطلب هذا تطورًا في أساليب الإنتاج، وربما تغييرات جذرية في السياسات الزراعية.

المخطط الأخضر: إنجازات وتحديات

من جهة أخرى، كان للمخطط الأخضر الذي أُطلق قبل أكثر من 10 سنوات دورٌ كبيرٌ في تعزيز الإنتاج الزراعي وتوسيع الصادرات. فحسب المعطيات الحكومية، ساهم المخطط في رفع الناتج الداخلي الخام الزراعي إلى أكثر من 127 مليار درهم عام 2021، وزيادة الصادرات ثلاثة أضعاف، بالإضافة إلى خلق فرص عمل إضافية في المناطق القروية. لكن هل يمكن اعتبار هذه النتائج كافية؟ وما هي انعكاسات هذه السياسات على الأمن الغذائي المحلي؟

العديد من المنتقدين يشيرون إلى أن المخطط الأخضر ركز بشكل أساسي على التصدير على حساب الحاجة المحلية، حيث تراجعت الزراعة المعيشية في مقابل تعزيز الزراعة الموجهة للتصدير. هل يؤدي هذا التوجه إلى تهديد الأمن الغذائي في المغرب؟ أم أن التركيز على التصدير يُعد ضرورة استراتيجية لتعزيز الاقتصاد الوطني؟ هذه الأسئلة تثير جدلاً حول الاستدامة والتوازن بين تلبية احتياجات السوق المحلية وتوسيع الأسواق الخارجية.

تأثيرات الجفاف على الإنتاج الفلاحي

وبينما تستمر التقلبات المناخية في تهديد القطاع الفلاحي، أصبحت مسألة الجفاف قضية محورية. ففي هذا السياق، كشف وزير الفلاحة محمد صديقي عن فقدان المغرب لـ20% من المساحات المزروعة هذا العام بسبب الجفاف، وهو ما يشير إلى حجم التحديات التي يواجهها الفلاحون. كيف يمكن للمغرب أن يتعامل مع هذه الخسائر؟ هل يجب على الحكومة تطوير سياسات أكثر فاعلية لحماية الزراعة الوطنية من التأثيرات السلبية للمناخ، أم أن الحل يكمن في تبني نموذج زراعي يتلاءم مع هذه الظروف الطارئة؟

الاعتراضات الأوروبية: هل تشكل تهديدًا للقطاع؟

على الصعيد الدولي، يواجه القطاع الزراعي المغربي تحديات أخرى، مثل اعتراض مزارعين إسبان على المنتجات المغربية، خاصةً في ظل احتجاجات ضد سياسة إغراق الأسواق بالمنتجات الرخيصة. هذه المعركة التجارية مع المزارعين الأوروبيين تطرح تساؤلات حول استدامة تصدير المنتجات الفلاحية المغربية. هل يجب على المغرب تقليل اعتماده على تصدير المنتجات الزراعية إلى أوروبا والتركيز أكثر على تنمية الأسواق المحلية؟ أم أن تعزيز الصادرات هو السبيل الوحيد لمواصلة دعم النمو الاقتصادي في المناطق القروية؟

الزراعة في المغرب: إلى أين؟

يبقى مستقبل الزراعة في المغرب مرتبطًا بقدرة البلاد على التكيف مع التحديات البيئية والاقتصادية. بين الحاجة إلى تقنيات مبتكرة وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية الزراعية، يظل السؤال الأهم: هل ستكون السياسات الحالية كافية لضمان الاستدامة في قطاع يواجه تهديدات بيئية ضخمة؟ وكيف يمكن للمغرب أن يوازن بين تلبية احتياجات السوق المحلية وزيادة صادراته الزراعية؟

الجواب على هذه الأسئلة سيحدد مسار تطور القطاع الفلاحي في المغرب، وسيكون له تأثير كبير على استقرار الاقتصاد الوطني.