في تصعيد غير مسبوق داخل الساحة السياسية المغربية، اتهم عبد الله بوانو، رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، وزير الصحة الحالي، أمين التهراوي، بمحاولة تمرير صفقة مثيرة للجدل قد تعرض بيانات المواطنين المغاربة لجهات أجنبية، بما في ذلك شركات أمريكية وإسرائيلية.
هذه الاتهامات التي أثارت العديد من التساؤلات تطرح أكثر من نقطة استفهام حول نوايا وزير الصحة وما إذا كانت هناك بالفعل مؤامرة ضد سيادة المغرب في مجال حماية البيانات.
الاتهام الذي هز الساحة السياسية
خلال كلمته في الملتقى الوطني للهيئات المجالية للفضاء المغربي للمهنيين ومنتخبي العدالة، حمل بوانو وزير الصحة مسؤولية ما وصفه بـ”التواطؤ مع شركات أجنبية” في وقت تتزايد فيه المخاوف من تسريب بيانات المواطنين إلى جهات خارجية. ووصف بوانو هذه الصفقة بـ”الخطيرة” التي تهدد الأمن السيبراني للمغاربة.
الحديث هنا لا يتعلق فقط بالصفقة، بل يشمل تحذيرات أكثر عمقًا، حيث اعتبر بوانو أن هذه المحاولات ستضر بمصلحة المغرب وسيادته. هل فعلاً هناك صفقة تجري وراء الكواليس أم أن هذه الاتهامات هي جزء من الصراع السياسي الداخلي؟
بين الرقمنة والتجاهل: غياب الهيكلة الحقيقية للقطاع
من جانب آخر، وجه بوانو انتقادات لاذعة لوزير الصحة بشأن غياب خطة رقمنة حقيقية من شأنها تحسين ولوج المغاربة إلى الخدمات الصحية. في وقت كان فيه الحديث عن أهمية رقمنة قطاع الصحة أكثر من أي وقت مضى، جاء تلميح بوانو بأن الوزير لا يعير هذا الموضوع الاهتمام اللازم. هل تمثل الرقمنة بالفعل الحل الأمثل للقطاع الصحي، أم أن هناك تهاونًا في تطبيق هذه الاستراتيجيات بسبب صراعات داخلية؟
أيضًا، انتقد بوانو تجاهل الوزير لمشاكل الشغيلة في القطاع الصحي، مطالبًا إياه بتركيز جهوده على إصلاح هيكلة القطاع بدلاً من الانشغال بصفقات مشبوهة. في المقابل، هل يمكن أن تكون الصفقة المقترحة جزءًا من استراتيجية لتحديث القطاع وجذب استثمارات قد تساهم في تطويره؟
الحكومة تحت المجهر: اتهامات أخرى حول “محاربة الأسرة”
من غير المتوقع أن تقتصر تصريحات بوانو على وزير الصحة فقط، فقد توجّه أيضًا بانتقادات حادة إلى وزير العدل عبد اللطيف وهبي، متهما إياه بمحاولة “شرعنة العلاقات الرضائية” والتقليل من قيمة الأسرة المغربية. وصف بوانو تصريحاته حول “المتعة” بأنها محاولة لتبخيس مؤسسة الأسرة في المغرب، مؤكدًا أن هذه التصريحات تفتح أبوابًا لمفاهيم غريبة على المجتمع المغربي.
كيف تنظر الحكومة إلى مثل هذه الاتهامات؟ وهل بالفعل يمكن أن تسهم التصريحات التي أدلى بها بعض الوزراء في إضعاف مؤسسة الأسرة المغربية؟ هل الحكومة قادرة على الوفاء بتعهداتها الإصلاحية دون تهديد الثوابت المجتمعية؟
الأزمة الاقتصادية: التحديات الاجتماعية في ظل الظروف الراهنة
في معرض حديثه عن الوضع الاجتماعي، أشار بوانو إلى عدة تحديات أخرى تواجه المغاربة اليوم، بما في ذلك ارتفاع نسبة الشيخوخة، التي وصلت إلى 23.4%، وانخفاض معدل الخصوبة. هذه المعطيات تثير تساؤلات حول مستقبل النمو السكاني في المغرب. ما هي السياسات الفعّالة التي يمكن تبنيها لمواجهة هذه الأزمة الديموغرافية؟
أيضًا، لم يغفل بوانو عن الحديث عن الوضع الاقتصادي المتدهور، حيث اتهم الحكومة بعدم التعامل بالشكل الكافي مع قضايا البطالة وإفلاس المقاولات. كما أشار إلى “التطبيع مع الفساد” بعد تخلي الحكومة عن قوانين كانت تهدف لمكافحة الإثراء غير المشروع واحتلال الملك العمومي. هل يمكن للمغاربة أن يثقوا في الحكومة الحالية التي تفرط في محاربة الفساد؟
القضية الفلسطينية: موضوع لا يغيب عن النقاش
من ناحية أخرى، تطرق بوانو إلى قضية فلسطين، التي وصفها بأنها “قضية مركزية”، محذرًا من أن تجاهل هذه القضية له آثار سياسية كبيرة على الساحة الدولية، بما في ذلك في العالم العربي. وأضاف بوانو أنه من المهم أن تكون القضية الفلسطينية حاضرة في كل نقاش سياسي، خاصة عندما يتعلق الأمر بمستقبل المنطقة. هل يمكن للمغرب أن يلعب دورًا فاعلًا في الدفاع عن القضية الفلسطينية على الساحة الدولية؟
خلاصة: هل هي حملة سياسية أم حقيقة تستدعي التحقيق؟
الأسئلة التي تطرح نفسها اليوم في أعقاب هذه التصريحات تتراوح بين التساؤل حول حقيقة الاتهامات الموجهة لوزير الصحة، والتأثير المحتمل لهذه الصفقة على السيادة المغربية. وفيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية، يظل الوضع غامضًا في ظل غياب الإجراءات الحاسمة من الحكومة. هل ستكون هذه الاتهامات بداية لفتح تحقيقات معمقة، أم أنها مجرد جزء من الصراع السياسي القائم؟
قد يكون من المبكر التنبؤ بمستقبل هذا الجدل، لكنه من المؤكد أن هذه القضايا ستظل تحت الضوء في الأسابيع المقبلة، ما لم تتم تسويتها بحلول حقيقية تضمن استقرار المغرب وأمن مواطنيه.