وضع حزب “العادالة والتنمية” (معارضة)، بداية رمضان الحالي، على محك الاختبار مخطط المغرب الأخضر الذي رعاه رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، منذ دخوله عالم السياسة، عام 2007، مع حكومة عباس الفاسي التي تولى فيها وزارة الفلاحة والصيد البحري.
وجه رئيس الفريق البرلماني لحزب “العدالة والتنمية”، عبد الله بوانو، سؤالا كتابياً لكل من وزير الداخلية ووزيرة الاقتصاد والمالية، ووزير الفلاحة، يطالب فيه بالكشف عن لائحة المستفيدين من أراضي الدولة خلال سبعينيات القرن الماضي في إطار سياسة الإصلاح الزراعي.
وقال بوانو في ذات السؤال إن مجموعة من المستفيدين من أملاك الدولة (الأراضي المنعزلة) بجماعة أربعاء عياشة التابعة لإقليم العرائش، لم يتمكنوا من تسوية الوضعية القانونية لتملكهم الأراضي الممنوحة لهم استنادا إلى التشريعات ذات الصلة وأسوة بنظرائهم في باقي مناطق المغرب.
ودعا بوانو الوزارات السالفة الذكر إلى الكشف عن التدابير والإجراءات المتخذة لتسوية وضعية هذه العقارات، ونقل ملكيتها إلى المستفيدين منها بالجماعة المذكورة، تطبيقا للقانون رقم 63.18 بسن أحكام جديدة لتسوية وضعية بعض الفلاحين المستفيدين سابقا من أراض فلاحية أو قابلة للفلاحة من ملك الدولة الخاص يغير ويتمم بموجبه الظهير الشريف رقم 277.72.1 بتاريخ 22 من ذي القعدة 1392 (29 ديسمبر 1972) بمثابة قانون يتعلق بمنح بعض الفلاحين أرض فلاحية أو قابلة للفلاحة من ملك الدولة الخاص.
تبلغ مساحة الأراضي الزراعية التي استولى عليها المعمرون حوالي مليون هكتار موزعة على 6000 ضيعة أي بمساحة معدلها 166 هكتار للضيعة ، لكن تتراوح هذه المساحة حسب المناطق بين 80 هكتار و400 هكتار. وكان المعمرون يلتجئون الى الاستغلال البشع للآلاف من العمال الزراعيين لخدمة هده الضيعات العصرية التي كانت تزود فرنسا بالمنتوجات الفلاحية التي تحتاجها . بالإضافة إلى المعمرين الفرنسيين يستحوذ الملاكون العقاريون المغاربة المتعاونون مع الاستعمار على مساحات تفوق 280.000 هكتار من أجود الأراضي وهي عبارة عن ضيعات شاسعة يتم استغلالها من طرف الخماسة والرباعة.
مقابل هذا القطاع الحديث الدي يشمل حوالي 1.3 مليون هكتار، هناك قطاع تقليدي يقدر ب 6.5 مليون هكتار جلها من الاستغلاليات العتيقة والصغيرة والمتواجدة في أرض أقل خصوبة مقارنة مع القطاع الحديث . لكن حتى داخل هدا القطاع التقليدي يستحوذ 5800 ملاك عقاري كبير على 1.5 مليون هكتار أي بمساحة معدلها 260 هكتار للاستغلالية. وهؤلاء كانوا عملاء للسلطات الاستعمارية ضد المقاومة الوطنية ولقد استفادوا من وضعهم هدا ليوسعوا ضيعاتهم على حساب انتزاع أراضي صغار الفلاحين وأراض الجموع المجاورة.
سيستمر الحديث على الإصلاح ، إلى ان تم الحسم في الأخير للطرف الذي يتوفر على موازين القوة لصالحه وهو تكتل الملاكين العقاريين الكبار والبورجوازية التجارية الملتفون حول النظام الذين استحوذوا على أجود الأراضي بطرق غامضة ومشبوهة.
ففي سنة 1963 سيتم استرجاع 250.000 هكتار من الأراضي المسمات اراض الاستعمار الرسمي.
وفي سنة 1973 سيتم استرجاع 750.000 هكتار من الأراضي المسمات اراض الاستعمار الخاص.
وخلال هذه المدة تقدير المساحة التي استولى عليها الملاكون العقاريون وحلفائهم المقربون من القصر بطرق ملتبسة وغامضة بحوالي 400.000 هكتار.
وليتم إضفاء نوع من الشرعية على هذا المسلسل الخطير لنهب أراضي الشعب، سيتم توزيع أقل من 340.000 هكتار على 26500 فلاح منظمين في 670 تعاونية للإصلاح الزراعي.
وهذه التجربة على تواضعها كانت ستشكل بداية انطلاق التوزيع العادل للثروات وارصاء اسس مجتمع متضامن نظرا لوجود تقاليد التضامن والتازر بين افراد القبائل، لكن النظام والطبقة الملتفة حوله كانت له استراتيجية اخرى تتمثل في تدمير كل الاعراف والتقاليد التقدمية نسبيا والتي لم يستطع الاستعمار ان يجفف منابعها الاصيلة. وهكدا سيتم افشال هده العملية بطريقة بيروقراطية بسيطة، تتمثل في تعيين مدير ومراقب الحاسبات على رأس كل تعاونية ليتم التحكم في مصير هذه التعاونيات وعدم إعطائها صلاحيات واسعة في تسيير وتدبير شؤونها. وسيستمر مسلسل الفساد داخل التعاونيات التي أصبحت عبارة عن صناديق سوداء يتصرف فيها المديرون ومراقبوا الحسابات بشكل مطلق وستتراكم الديون على التعاونيات دون ان يكون للفلاحين المنخرطين علم بدلك .
وبعد عقدين تقريبا سيتم التخلي عن هذه التجربة بعد إفشالها وبالمقابل سيتم التركيز، بإيعاز من البنك الدولي، على أن التوجه الأنجع هو ليبرالية القطاع ألفلاحي وإطلاق يد البرجوازية الزراعية للاستيلاء على ما تبقى من أراضي المسترجعة التي كانت تسيرها شركات الدولة آو أراض الجموع تحت أساليب مختلفة كالكراء لمدة طويلة بأثمان رخيصة أو التفويت بعقد ودفتر التحملات للمستثمرين المغاربة والأجانب وفي هدا الإطار يندرج ما يسمى بمخطط المغرب الأخضر الذي يهدف إلى تعزيز قبضة الرأسمال على القطاع ألفلاحي وتعزيز إدماجه في السوق الرأسمالي العالمي وهو ما يعني المزيد من تجويع الجماهير الشعبية وجعلها تحت رحمة الشركات العابرة للقارات التي تتحكم في تجارة المواد العدائية الأساسية.
بالإضافة إلى الأراضي التي استفادت ولا زالت تستفيد منها البرجوازية في القطاع ألفلاحي، فقد تم منحها حصة الأسد من الدعم المخصص لهدا القطاع وتسهيل القروض وبالخصوص تم إعفائها من الضريبة على الأرباح على مدى مدد طويلة.
الآن وبعد تطبيق توجهات المؤسسات المالية الدولية من خلال ما سمي ببرنامج التقويم الهيكلي ألفلاحي خلال بدية الثمانينات وإبرام اتفاقيات التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي وأمريكا خلال التسعينات، يمكن أن نقف على النتائج التي تم تحقيقها، خاصة فيما يهم تحرير الاسعار وتنمية الصادرات .
أدى تحرير الأسعار إلى الارتفاع المهول والمستمر لأثمان المواد الأساسية مما فاقم من تدهور القدرة الشرائية للجماهير الشعبية، أما الصادرات التي تشمل أساسا الحوامض والبواكير فقد عرفت تراجعا ملحوظا بسبب الحماية التي تفرضها أسواق الاتحاد الأوروبي الذي يستقبل حوالي 80% من صادرات المغرب.
وقد نتج عن هذا عجز كبير في الميزان التجاري ألفلاحي، بحيث أصبحت الصادرات الفلاحية لا تغطي إلا أقل من 50% من الواردات الفلاحية التي تشمل الحبوب والزيوت والسكر.
فخلال السنوات الأخيرة لم تتعدى قيمة الصادرات الفلاحية معدل 9 مليار درهم في السنة في حين فاقت قيمة الواردات معدل 20 مليار درهم سنويا وتتشكل من المواد الأساسية لتغدية الشعب، فالحبوب يستورد المغرب معدل 55% من حاجياته الغذائية سنويا مهما كانت الظروف المناخية والزيوت يتم سنويا استيراد معدل 70% من حاجيات الشعب فيما ان الواردات السنوية من مادة السكر فتفوق 60% من الحاجيات.
لقد أثبت التوجه الليبرالي فشله الذريع في ضمان الأمن الغذائي للشعب المغربي بحيث أصبح رهينة لسياسة بعض الشركات العابرة للقارات التي تتحكم في التجارة الدولية للحبوب والزيوت والسكر والبديل الحقيقي لضمان الأمن الغذائي للشعب هو القطع مع الاندماج المتزايد للفلاحة المغربية في الاقتصاد الرأسمالي العالمي وإعطاء الأولوية للتوجه نحو الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الأساسية وخاصة الحبوب والزيوت والسكر والحليب ومشتقاته واللحوم، وهذا يستوجب النضال من أجل إرساء سياسة فلاحية تهدف إلى الاستجابة للحاجيات الغذائية للشعب كأولوية قصوى . وهد ا بدوره يتطلب نضالا مستميتا لفرض إصلاح زراعي لصالح الجماهير الشعبية.
و للوصول الى هدا الهدف يمكن البدء بمرحلة انتقالية تشمل ثلاث محاور أساسية :
أولا: تأميم الأراضي التي استولى عليها الأعيان والملاكون العقاريون الكبار خلال عقد السبعينات سواء تلك التي تراموا عليها بدون وثائق أو تلك التي تحايلوا على الاستيلاء عليها عبر وثائق تم تحريرها مع المعمرين أثناء انسحابهم، وهذه المساحة تشمل ما يناهز 650.000 هكتار وتتواجد كلها بالأراضي الخصبة، واستفادت من التجهيزات الهيدروفلاحية المقامة في إطار ما سمي بسياسة السدود وهي في أغلبها مكونة من ضيعات كبيرة تنتج الزراعات الموجهة للتصدير وتواجه حاليا ظروف صعبة نتيجة المنافسة الشديدة للدول التي تتوفر على مستوى متقدم من التكنولوجيا والديمقراطية فضلا عن الظروف المناخية الملائمة والتي تجعل مستوى تكلفة الإنتاج اقل بكثير من مستوى هده الضيعات الشيء الذي يدفع البورجوازية الزراعية إلى الضغط على الحلقة الضعيفة في سلسلة تكاليف الإنتاج وهي مضاعفة استغلال العمال الزراعيين وإلى تسريحهم وتشريد العديد من عائلاتهم .
فإذا ما تم تأميم هده الأراضي وتم زرع نصف هذه المساحة فقط أي حوالي 350.000 هكتار التي تتواجد بالمناطق المتوفرة على السقي بزراعة الحبوب ،ستمكن من إنتاج حوالي 15 مليون قنطار وهو ما يمثل 40% من الكمية المستوردة سنويا من الأسواق الخارجية أي اقتصاد ما يناهز 4 مليار درهم من العملة الصعبة ويشغل حوالي 200.000 عامل زراعي أي تقريبا ربع عدد العمال الزراعيين الذين يتم تشريد الآلاف منهم بشكل مستمر من طرف البرجوازية الفلاحية نتيجة الصعوبات المالية التي تعترض صادراتها بسبب السياسة الحمائية التي تنتهجها أسواق الاتحاد الأوربي في إطار السياسة المجحفة لاتفاقية التبادل الحر المبرمة بين المغرب وكل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الا ميريكة.
ثانيا: استرجاع المساحات التي تم تفويتها للأعيان وكبار العسكريين والتي تقدر بحوالي 70.000 هكتار تتواجد كلها بالمناطق الخصبة التي تتوفر على مصادر المياه هده الأراضي تم اقتطاعها من الأراضي المسماة الملك العمومي للدولة آو الاراضي التي كانت تحت تسيير صوديا وصوجيطا . وادا تم زرع حوالي نصف هده المساحة بالزراعات السكرية وخاصة الشمندر السكري ستمكن من إنتاج ما يوازي ربع ما نستورده شريطة تأميم شركة تحويل النباتات السكرية (كوزيمار) التي تم تفويتها لمجمع اونا المملوك من طرف القصر .
وهده المساحات ستمكن من تشغيل أزيد من 20.000 عامل زراعي بشكل دائم ورسمي.