بودريقة في قفص الاتهام… وصور “العلاقات العليا” كدفاع: هل يتحوّل القرب من السلطة إلى صك براءة؟

0
95

“هذا التحليل لا يُعد حكمًا قضائيًا ولا تبنيًا لرواية جهة على حساب أخرى، بل قراءة صحافية في قضية رأي عام.”

بين مشهد قاعة المحكمة الزجرية بالدار البيضاء، والوجوه البارزة التي ظهرت في الصور المقدّمة للدفاع، تتشكّل مفارقة لافتة في قضية محمد بودريقة، البرلماني المعزول والرئيس السابق لنادي الرجاء، المتابع في قضايا تتعلق بالنصب. ففي خطوة مثيرة للجدل، لجأ دفاعه إلى التلويح بصور يظهر فيها موكله مع الملك محمد السادس، وولي العهد، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومع شخصيات سياسية خليجية ومغربية، أبرزها رئيس الحكومة عزيز أخنوش.

الرمزية بدل الأدلة: هل الصور صك براءة أم محاولة لتوجيه الوعي القضائي؟

أن يستدل محامٍ بصور لموكله مع رؤساء وملوك كدليل على “حسن النية” و”نزاهة السلوك”، يطرح سؤالًا محوريًا حول منطق العدالة ومقتضيات دولة القانون: هل يُفترض أن الظهور في صور مع رموز السيادة، مهما علت، يعفي من الخضوع للمساءلة القانونية؟ وهل تحوّلت الرمزية إلى وسيلة ضغط خفيّ على القضاة والرأي العام؟

هذا المنطق الدفاعي، وإن كان يُراد به إحداث أثر نفسي في المحكمة، إلا أنه يمسّ بجوهر المساواة أمام القانون. فالقرب من مركز السلطة، في الأنظمة الديمقراطية، لا ينبغي أن يُستغل كحاجز ضد التحقيق أو العقاب.

اتهامات النصب بين الأزمة الاقتصادية وتبرير “النية الحسنة”

أحد مبررات الدفاع كان أن بودريقة تأثر بجائحة “كوفيد-19” مثل باقي المستثمرين، وهي حجة تتكرر في قضايا الإفلاس والتعثر التجاري. لكن، أليس من واجب القضاء التمييز بين التعثر الناتج عن الظرفية والاحتيال الممنهج؟ ثم، هل يستطيع المتهم أن يُثبت أن تعثره كان عرضيًا وليس نتاج تدبير مشوب بالغموض والنية السيئة؟

كما يشير المحامي إلى أزمة نفسية حادة ومشاكل صحية عاشها بودريقة، فهل تدخل هذه المعطيات في باب التخفيف القضائي أم تُستعمل لإثارة التعاطف فقط؟

هل هناك فعلاً “أياد خفية” وراء الملف؟

أخطر ما ورد في مرافعة الدفاع هو الإيحاء بوجود “جهات مجهولة” تضغط من خلف الستار لإسقاط بودريقة سياسيًا واقتصاديًا. لكن، ما الهدف من هذا الاتهام دون أدلة؟ وهل يكون المقصود الصراع داخل حزب التجمع الوطني للأحرار نفسه؟ أم صراعات مراكز النفوذ حول نادي الرجاء؟ وإذا كان هناك فعلاً “أشباح” تحرك هذا الملف، فلماذا لم يُكشف عنها رسمياً؟

في الأنظمة التي تحترم استقلال القضاء، لا يجوز التلميح إلى أن المحاكم تتحرك بتوجيهات غير معلنة. العدالة ليست مسرحًا للغمز واللمز، بل ساحة لإثبات الأفعال بالأدلة.

ما بعد بودريقة: هل هناك علاقة بين السلطة الكروية والسلطة السياسية؟

قضية بودريقة، بما تحمله من رموز وعلاقات، تثير أيضًا سؤالًا بنيويًا: إلى أي مدى يمكن لمواقع مثل رئاسة نادٍ رياضي كبير أو عضوية في البرلمان أن تتحوّل إلى مواقع تجميع نفوذ هشّة لا تخضع للرقابة؟ وهل هناك خلط بين “الشرعية الشعبية” و”الامتيازات السياسية” يُستعمل كدرع للتهرب من المساءلة؟

خلاصة تحليلية:

  • القضية تعكس نوعًا من الالتباس بين المكانة الرمزية والمسؤولية القانونية.

  • استخدام صور مع رؤساء الدول وملوك الخليج في قاعة المحكمة سلوك يطرح تساؤلات عن مفهوم العدالة والفصل بين السلطات.

  • التلميح إلى “أيادٍ خفية” دون تسمية أو أدلة يحيد بالقضية نحو التسييس بدل التمحيص.

  • المحكمة الآن أمام اختبار صعب: بين الضغوط الرمزية وصوت القانون.

سؤال مفتوح للرأي العام: هل يحق لأي مسؤول أو منتخب أن يطالب بالحصانة غير المعلنة لمجرد قربه من السلطة؟ وهل هذا مؤشر على خلل أعمق في هندسة العلاقة بين السياسة والعدالة في المغرب؟