أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج،ناصر بوريطة، أن علاقات المملكة مع الدول الأوروبية شهدت خلال سنة 2021، تطورا ملفتا،ويجب على ألمانيا أن “تراعي الوضوح والمعاملة بالمثل”.
جاء ذلك خلال لقاء عقده الوزير مع المستشارين البرلمانيين (أعضاء الغرفة الثانية للبرلمان المغربي)، بحسب تقرير، وزع على البرلمانيين السبت.
وفي 6 مايو/أيار الماضي، استدعى المغرب سفيرته لدى برلين زهور العلوي، للتشاور بسبب ما وصفه بموقف ألمانيا “السلبي” بشأن قضية الصحراء المغربية و”محاولة استبعاد الرباط من الاجتماعات الإقليمية حول ليبيا”.
وقبل استدعاء السفيرة بشهرين، كان المغرب أعلن مطلع مارس/ آذار الماضي، قطع علاقاته مع السفارة الألمانية بالعاصمة الرباط، جراء “خلافات عميقة تهم قضايا مصيرية (لم يتم توضيحها وقتها بالضبط)”.
لكن الموقف المغربي ارتبط بدعوة ألمانيا لاجتماع في مجلس الأمن الدولي لبحث الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على إقليم الصحراء.
وكان القرار الأميركي جزء من اتفاق شمل أيضا تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، لكن الرباط أكدت حينها أن الأمر يتعلق باستئناف العلاقات مع تل أبيب.
وأوضح التقرير البرلماني، أن “العلاقات الحالية للمغرب مع ألمانيا، تحتاج لعمل ومجهود، وفق منطق يراعي الوضوح والمعاملة بالمثل”.
وأكد أن الوزير أثناء تقديمه مشروع ميزانية وزارته لسنة 2022، قال إن “علاقات المملكة مع الدول الأوروبية شهدت خلال سنة 2021، تطورا ملفتا”.
واعتبر بوريطة، أن “اتصالات المملكة مع الشركاء الأوروبيين خلال عام 2021، مكنت من إعادة تقييم شامل للعلاقات الثنائية مع جل الدول الأوروبية، استعداد لمرحلة ما بعد الجائحة”.
وتابع الوزير المغربي ان “المملكة المغربية حافظت بشكل إيجابي، على مبادلاتها التجارية مع مختلف شركائها الأوروبيين، مراهنة في ذلك على الثقة التي تتمتع بها كشريك اقتصادي متميز للاتحاد الأوروبي”.
ويبقى ملف الصحراء المغربية هو الملف الجوهري في الخلافات المغربية الألمانية، فالمغرب يعتبر قضية الصحراء المغربية قضيته الأولى ونجح في حشد الدعم الدولي لمقترح “الحكم الذاتي” الموسع كحل نهائي لهذه الأزمة المقتعلة من النظام الجزائري التي عمرت طويلا.
ونجحت المملكة المغربية، برأي مراقبين في الآونة الأخيرة في اعتراف مجموعة كبيرة من الدول الغربية والعربية واللتينية بسيادتها على الصحراء المغربية ودعم مترح “الحكم الذاتي”، آخرها اعتراف الولايات المتحدة بـ”مغربية الصحراء” في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
لكن يبدو أن الألمانيا ترفض الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء المغربية وتعتبرها منطقة متنازع عليها حسب الأمم المتحدة. وأكدت الخارجية الألمانية هذا الموقف في مؤتمر صحفي في (07 مايو/ أيار 2021) حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية ماريا أديبار بأن “موقفنا من قضية الصحراء المغربية ثابت ولن يتغير”، مضيفة “أوضحنا سابقا بأننا لم نستوعب قرار ترامب بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء المغربية”.
ويرى خبير العلاقات الدولية والمختص في قضية الصحراء المغربية الدكتور أحمد نور الدين أن المغرب يطلب من ألمانيا أن تكون إيجابية وأن لا تحاول التأثير على قرارات الدول الأخرى السيادية، مثلما حدث مع الموقف الأمريكي من خلال دعوتها لاجتماع طارئ لمجلس الأمن “من أجل التأثير على الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء”.
ويضيف الخبير المغربي “ألمانيا كانت شريكة أو على الأقل شاهدة على الأحداث التاريخية التي أدت لخلق مشكل الصحراء في مؤتمر برلين 1884 وألمانيا كقوة أوروبية وعلى اطلاع تام بالاتفاقية التي تمت بين فرنسا وإسبانيا عام 1902 و1904 والتي أدت إلى تقسييم أراضي المملكة المغربية”.
وتلقي الأزمة الأخيرة أيضا بضلالها على العلاقات الأمنية المغربية الألمانية، حيث سبق للمغرب أن قدم في أكثر من مرة معلومات استخباراتية عن تهديدات إرهابية على الأراضي الألمانية، مثلما ما حصل مع الاعتداء الذي استهدف سوق أعياد الميلاد في برلين حسبما جاء في موقع “شبيغل”.
بالمقابل ينتظر المغرب من ألمانيا أن تكون ملزمة بتعاون مماثل في القضايا التي تهم أمنه وقضاياه الحيوية. ويوضح الخبير أحمد نورالدين ذلك بالقول “التعاون الأمني والقضائي لا ينبغي أن يكون في اتجاه واحد. فإذا كان المغرب قد ساهم في إحباط عمليات إرهابية في شتوتغارت عام 2018 وقدم معلومات استباقية هامة جدا سنة 2016 لتفادي عملية الدهس في برلين. فإن ألمانيا بالمقابل لا تريد حتى تسليم مطلوبا لدى القضاء في قضايا إرهاب، بل وفرت له الغطاء السياسي ومنحته الجنسية. وكشفت عن طريق حكم لمحكمة إدارية ألمانية عن معطيات أمنية حساسة كان قدمها المغرب”. وهو ما يعني أن ألمانيا تريد أن تستفيد من التعاون الأمني المغربي دون أن تكون ملزمة بتعاون مماثل. على حد قول الخبير المغربي.
أيضا التعاون فيما يتعلق بترحيل المهاجرين غير الشرعيين للمغرب أصبح صعبا جراء الأزمة الأخيرة بسبب عدم توفير السلطات المغربية لجوازات الأشخاص قيد الترحيل أو توضيح هويتهم.
ونظرا للمصالح الأمنية والاقتصادية بين المغرب وألمانيا تستبعد خبيرة العلاقات الدولية في جامعة بريمن كريسن تهين حصول قطيعة في العلاقات المغربية الألمانية. وتعتبر أن ما يحدث “استعراض عضلات من المغرب للتعبير عما يروق له وما لايروق له، وفي النهاية أعتقد أنه سيتم احتواء المسألة من الجانب الألماني ومن ثم عودة الدفء للعلاقات بين البلدين”.
وهو ما أكدته متحدثة باسم الخارجية الألمانية ماريا أديبار في مؤتمر صحفي اليوم عندما قالت “من وجهة نظرنا فإنه لا يزال بالطبع وفي مصلحة كلا البلدين مواصلة العلاقات الدبلوماسية على نطاق واسع. ولهذا الغرض كنا على اتصال مع الجانب المغربي في الأسابيع المقبلة…”
وحتى من الجانب المغربي يرى خبراء أن الخطوة المغربية الأخيرة ينبغي أن تفهم على أنها بحث عن الحل وليس عن القطيعة.
وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا بإقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو “البوليساريو” إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
ويعتبر المغرب ملف الصحراء ملفا وطنيا لا يقبل التنازل حيث دخلت الرباط في خلافات مع الجارة الجزائر التي تدعم جبهة البوليساريو وصلت الى قطع العلاقات الدبلوماسية مع مخاوف من أن تشهد المنطقة سباق تسلح وصراعا مسلحا.
ورغم الحديث عن وساطات عربية ودولية خاصة من اسبانيا لإنهاء الأزمة لكن يبدو ان كل بلد متمسك بموقفه حيال ملف الصحراء.