بوعيدة: لو دخلنا بعض المنتخبين للحبـ ـس والله متلقا شكون يترشح مزال..مَنْ يُحاسبُ مَنْ؟!

0
231

قال الملك المفدى محمد السادس- حفظه الله ورعاه-  في خطاب متلفز أمام النواب البرلمانيين المغاربة بمقر البرلمان بالرباط في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الحالية، مخاطبا نواب ومستشاري البرلمان المغربي إن المواطنين المغاربة أصبحوا أكثر نضجا، إذ بإمكانهم محاسبة النواب البرلمانيين، أن تمثيل المواطنين أمانة ومسؤولية.




ويعني النص الدستوري المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة عدم إفلات المسؤولين عن تدبير الشأن العام، سواء كانوا سياسيين أو وزراء أو منتخبين في مختلف المناصب، من المحاسبة عند ثبوت تورطهم في تقصير أو اختلالات مهنية، والتي غالباً ما يتم استنتاجها من تقارير تطالب بها جهات معينة، مثل القصر الملكي أو رئاسة الحكومة، أو تعمل عليها مؤسسات معينة، من قبيل المجلس الأعلى للحسابات. وتطبيق المبدأ الدستوري، المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة على أرض الواقع في الساحة المغربية، انقسم إلى مرحلتين زمنيتين رئيسيتين، الأولى امتدت منذ إقرار الدستور في 2011 من طرف الأغلبية الساحقة من الشعب، والثانية منذ سنة 2015 إلى اليوم. وفي المرحلة الأولى من عمر تنزيل دستور ربط المسؤولية بالمحاسبة، والذي كانت تنادي به أصوات وأحزاب سياسية باعتباره أحد أركان الديمقراطية في البلاد، أي منذ يوليو/تموز 2011 إلى يناير/كانون الثاني 2015، فإنه لم يتم تطبيق الدستور في هذا الصدد في أية شكاوى من مسؤولين وتقارير عن اختلالات معينة. وفي المرحلة الثانية، وخصوصاً منذ يناير/كانون الثاني 2015 إلى نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، عرف المشهد السياسي والحكومي المغربي عدة حالات من تطبيق مبدأ الربط بين المسؤولية والمحاسبة، من خلال إقالة وإعفاء مسؤولين من طرف الملك المفدى محمد السادس -حفظه الله-، فضلاً عن معاقبة آخرين بعدم شغل أية مناصب مستقبلاً.

ويمكن القول إن ضغط الرأي العام الوطني، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي ونشطاء موقع “فيسبوك”، أو من خلال الاحتجاجات في الشوارع، ساهم بشكل كبير في تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، إذ إن ضغوطات شديدة واحتجاجات عارمة في الشارع المغربي ساهمت في قرارات سياسية كبيرة، من حجم إعفاء وزراء ومسؤولين ساميين وكبار في الدولة. وكانت بداية سنة 2015 إيذاناً بأول تطبيق للمبدأ الدستوري الجديد، الذي لم يكن وارداً ولا منصوصاً عليه في دساتير سابقة، كما هو الحال عليه في الدستور الجديد، عندما تم إعفاء وزير الرياضة والشباب، محمد أوزين، بسبب تداعيات ما سمي حينها بفضيحة ملعب الرباط لكرة القدم، عندما غمرته مياه الأمطار، وصار بمثابة مسبح كبير خلال كأس العالم للأندية في ديسمبر/كانون الأول 2014. صورة الملعب الذي تحول إلى بركة ماء تناقلتها كبريات وسائل الإعلام الدولية بكثير من الاستهزاء والتبخيس، ما خدش حينها صورة البلاد، خصوصاً أنه تم تجفيف المياه بوسائل بدائية أثارت سخرية العالم، وهو ما أفضى إلى مطالب شعبية بإقالة الوزير، استجاب لها القصر الملكي. وتقدم رئيس الحكومة حينها، عبد الإله بنكيران، بطلب إلى القصر الملكي يلتمس فيه إعفاء أوزين من مهامه، جراء ثبوت اختلالات في الملعب الكبير للعاصمة، كشف عنه تحقيق أمرت بها السلطات العليا في البلاد، إذ أثبت التقرير حينها “المسؤولية السياسية والإدارية المباشرة لوزارة الشباب والرياضة”. 

وحذرت جمعية حماية المال العام في المغرب من إغلاق قوس محاربة الفساد، الذي انطلق بداية 2011، وعبرت عن قلقها من استمرار نهب المال العمومي والإفلات من العقاب. وكشفت الجمعية في مؤتمرها الوطني الأول، الذي عقد نهاية الأسبوع الماضي في الرباط، عن تجميد ملفات الفساد والاكتفاء بمتابعة بعض الموظفين الصغار. وقال محمد الغلوسي رئيس الجمعية: «إنها ماضية في التصدي للإرادة التي تحاول غلق قوس الإصلاحات»، وتصديها للجهات التي تسعى إلى انتشار الفساد وتوقيف الإصلاحات الدستورية والتشريعية.

وكشف عن وجود محاولات سياسية لإفراغ الدستور من محتواه في شقه المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة، بسبب قوة لوبي الفساد في المغرب، واستمرار مراكز النفوذ ولوبيات الفساد للتصدي لأي إصلاح، ورغبتها في إضعاف مؤسسات الحكامة وتجميد عملها، وفي مقدمتها المجلس الأعلى للحسابات. وقال إن هذه المؤسسات تم «إفراغها من محتواها وعدم تمكينها من الإمكانيات البشرية والتقنية الكفيلة لممارسة صلاحياتها الكبرى».

وقال: «إن القضاء أصبح عائقاً في التصدي للفساد، في الوقت الذي كان بإمكانه أن يلعب دوراً مهماً»، مؤكداً على دور السلطة القضائية في التصدي للرشوة والإفلات من العقاب، إلا أن المؤشرات المتوفرة للجمعية من حيث طبيعة الأحكام القضائية أو المتابعات ومدة الأبحاث التمهيدية التي تستغرق وقتاً طويلاً، كلها مؤشرات تؤكد على غياب إرادة قوية، لأن القضاء غير حازم مع الفساد والنهب العام، وهو الوضع الذي وصفه بغير العادي، وأضاف: «إن هذا التوجه إذا استمر سوف تكون نتائجه وخيمة على الجميع»، داعياً إلى ضرورة التنزيل الحقيقي والفعلي لكافة مواد الدستور المغربي، وخاصة تلك المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة، وقال: «إن الأمل الوحيد في وضع حد لقضايا نهب المال العام، هو القضاء».