بيان ناري من النقابة المستقلة: الأطر الإدارية والتقنية خارج حسابات الإصلاح الصحي!

0
895

الإقصاء المتواصل للأطر الإدارية والتقنية يعيد طرح أسئلة جوهرية حول عدالة إصلاح المنظومة الصحية

في بيان ناري لا يخلو من المرارة والاستغراب، عبّرت النقابة المستقلة للأطر الإدارية والتقنية للصحة عن رفضها القاطع لما وصفته بـ”التمييز الممنهج” الذي تتعرض له فئة تشكّل – كما تقول – الكتلة البشرية الثانية داخل المنظومة الصحية، والتي تضم تنوعًا واسعًا من المهنيين: مساعدون تقنيون وإداريون، مساعدو علاج، محررون، تقنيون، مهندسون، ومسعفون صحيون، وغيرهم.

لكن لماذا يستمر هذا الإقصاء؟ وهل فعلاً هناك “نظرة دونية” من داخل الوزارة تجاه هذه الفئات؟ وأين موقعها من ورش إصلاح المنظومة الصحية الذي يروّج له باعتباره “ورشًا ملكيًا استراتيجيًا”؟

الإقصاء في صمت… ومفارقات تكشف ارتباك الإصلاح؟

البيان يستعرض ممارسات متتالية وصفها بـ”الإقصائية وغير المفهومة” تجاه هذه الفئات، بدءًا من الحرمان من التعويض عن الأخطار المهنية، رغم مساهماتهم الميدانية المستمرة، إلى تهميشهم من التمثيلية داخل المجالس الإدارية للمجموعات الصحية الترابية، رغم حضورهم في هيئات مشابهة مثل المجالس الإدارية للمراكز الاستشفائية الجامعية.

هذه المفارقة تثير سؤالًا مشروعًا: لماذا هذا التمييز في التمثيلية داخل هيئات يُفترض أنها تمثل كل مكونات القطاع؟ وهل يتعلق الأمر بإقصاء متعمّد أم بسوء تدبير للإصلاح الهيكلي الجاري؟

المرسوم 2.23.1054… إصلاح أم فرض فوقي؟

من أبرز النقاط التي فجّرت هذا الغضب النقابي، صدور المرسوم رقم 2.23.1054 في 24 مارس 2025، الذي يطبق بعض أحكام القانون رقم 08.22 المتعلق بإحداث المجموعات الصحية الترابية. النقابة اعتبرت هذا المرسوم إقصائيًا وغير متشاور بشأنه، مطالبة بسحبه وفتحه للنقاش في إطار حوار اجتماعي حقيقي.

وهنا يطرح سؤال جوهري نفسه: هل يمكن الاستمرار في تنزيل أوراش إصلاحية كبرى دون إشراك كافة المكونات الفاعلة داخل القطاع؟ وإن كانت هذه الفئات فعلاً جزءًا لا يتجزأ من الموارد البشرية الصحية، فكيف يُبرر تغييبها من مشاورات ترسم مستقبلها المهني والإداري؟

بين الإنصاف والتحفيز: لماذا يعجز الإصلاح عن معاملة الجميع بالمنطق نفسه؟

البيان يُسلّط الضوء على ما يعتبره ازدواجية في المعايير: إذ بينما تم إقرار تعويضات وتحفيزات لفئات صحية أخرى، يُطالَب الأطر الإدارية والتقنية بـ”التضحية” دون مقابل يُنصفها مادياً أو معنوياً.

فهل تتعامل الوزارة بمنطق “موظفين درجة ثالثة” مع فئات تؤدي أدوارًا محورية في التسيير الإداري، والتقني، والنقل، والإسعاف، والمواكبة العلاجية؟ ألا تتطلب الكفاءة والتحفيز منظومة شاملة لا تستثني أحدًا؟

ما الذي تعنيه وظيفة صحية محفزة… إذا استثنت نصف المشتغلين؟

النقابة ترى أن ما يحدث اليوم هو نقيض لمفهوم “الوظيفة الصحية المحفزة” التي بشّرت بها الحكومة في أكثر من مناسبة، مؤكدة أن أي إصلاح لا يقوم على مبدأ الإنصاف في الحقوق والتعويضات والتحفيزات، سيكون بمنزلة تقويض لمبدأ العدالة داخل المنظومة، وسينعكس سلبًا على الجودة والتماسك المهني.

هل يُدرك صناع القرار أن تأجيج الشعور بالحيف وسط فئات أساسية من داخل القطاع قد يكون له أثر أكبر من أي إصلاح هيكلي؟ وهل يمكن بناء منظومة صحية “متماسكة” بتغذية الانقسام داخلها؟

نقابة الأطر الإدارية والتقنية: خطوات نضالية في الأفق؟

البيان ختم بدعوة صريحة إلى وحدة الصف بين الأطر الإدارية والتقنية، والالتفاف حول نقابتهم المستقلة، مشيرًا إلى أن المكتب الوطني يُحضّر لخطوات نضالية سيتم الإعلان عنها لاحقًا.

فهل نشهد تصعيدًا ميدانيًا قد يؤثر على سير المرافق الصحية؟ وهل الحكومة مستعدة لفتح قنوات حوار حقيقية وجريئة مع هذه الفئة، قبل أن يتحول الملف إلى أزمة اجتماعية وصحية جديدة؟

خلاصة: الإصلاح لا ينجح بالإقصاء

ما تُحذّر منه النقابة اليوم هو أكثر من مجرد “مطالب فئوية”، بل هو جرس إنذار بشأن اتساع فجوة الثقة داخل قطاع حساس في مرحلة انتقالية.
إن بناء نظام صحي حديث وعادل لا يمكن أن يقوم على إرضاء فئة دون أخرى، ولا يمكن أن يستقيم إذا ما شعر جزء من الجسم الصحي بأنه يُعامل كمجرد “تفصيل إداري” لا يستحق النظر ولا الاعتبار.

يبقى السؤال المفتوح: هل تنصت وزارة الصحة لهذا النداء؟ أم أن الطريق نحو العدالة المهنية ما زال طويلاً في ظل بيروقراطية غير مبالية؟