بين الأرقام والواقع: قراءة تحليلية في تصريح مصطفى بايتاس عن الموارد والميزانية والشرطة البيئية

0
356

أعلن مصطفى بايتاس أن المداخيل الجبائية ارتفعت من 199 مليار درهم عام 2020 إلى ما يُتوقَّع أن تصل إليه حوالي 363 مليار درهم في أفق 2026، وأن الموارد العادية للدولة انتقلت من 229 مليار درهم سنة 2020 إلى 427 مليار درهم سنة 2025. كما أكد أن العجز انخفض من نحو 7% (2020) إلى حوالي 3.5% هذه السنة، مع هدف الوصول إلى 3% في السنة المقبلة، فيما يتوقع خفض نسبة المديونية من مستويات تقارب 72% إلى نحو 65.8% في أفق 2026. أما على مستوى البيئة، فصادق مجلس الحكومة على مشروع المرسوم 2.25.432 لتخفيف شروط انتقاء ومهام مفتشي «الشرطة البيئية» وزيادة عددهم لبلوغ 80 مفتشًا سنة 2026.

هذه الأرقام والمبادرات تستدعي قراءة نقدية مركّبة: من أين أتت هذه الزيادة في الموارد؟ ماذا يخفي مفهوم «التحكم في التوازنات الماكرو-اقتصادية»؟ وهل تخفّف شروط توظيف مفتشي البيئة يضعف جودة المراقبة أم يعالج عجزًا وظيفيًا؟ سنمر الآن عبر عناصر القضية، ونطرح الأسئلة التي ينبغي أن تُجيب عليها الحكومة والهيئات الرقابية والفاعلون السياسيون.

1) لماذا ارتفعت المداخيل الجبائية؟ (الأسباب المباشرة والهيكلية)

بايتاس عاد إلى جانب من آليات تحصيل الموارد: التسوية الضريبية الطوعية، تحسّن جمع الضريبة (ضريبة القيمة المضافة، ضريبة الدخل، ضريبة الشركات)، إضافة إلى تحسّن النشاط الاقتصادي الجزئي الذي رفَع القاعدة الضريبية. تقارير رسمية وبيانات وزارية أشارت إلى أن التسوية الطوعية أفرزت مبالغ كبيرة تفوق التوقعات الأولية، كما سجّلت إدارة الضرائب ارتفاعات ملموسة في البنود المختلفة للجبايات خلال 2024.

لكنّ التحليل العميق يضع أمامنا تفسيرات متعددة يجب التفريق بينها:

  • جزء من الارتفاع ناتج عن إجراءات استثنائية (تسويات طوعية، إجراءات تحصيل مؤقتة) لا تعكس بالضرورة تحولًا هيكليًا دائمًا في أداء الاقتصاد أو في قاعدة الضريبة. خبراء انتقدوا أن اعتماد التسوية الطوعية قد يولِّد آثارًا جانبية مثل تحفيز التداول النقدي أو الشعور بعدم عدالة الضريبة إذا لم يصاحبها تقليص للتهرّب الضريبي بآليات دائمة.

  • جزء آخر يمكن أن يكون نتيجة زيادة الأجور والتحسينات في القطاع العام والخاص (التي ترفع الدخل الخاضع للضريبة)، أو نتيجة تحسين كفاءة جباية الضرائب والجمرك. مقالات تحليلية ربطت بين الحوار الاجتماعي والزيادات في الأجور وارتفاع تحصيل ضريبة الدخل/الـTVA.

  • ثمة تحفّظ اقتصادي واقعي: هل هذه الزيادة دامجة ومستدامة أم «قفزات» محققة بآليات ظرفية؟ التقارير التحليلية للمنظمات الاقتصادية تشير إلى أن استدامة الموارد تتطلب إصلاحًا هيكليًا لنظام الضريبة ومكافحةٍ منهجية للتهرب، وإعادة تقييم للإعفاءات الضريبية التي تمنح لبعض القطاعات.

أسئلة للبرلمان والحوار العام:

  1. كم بلغت إسهامات «التسوية الطوعية» في إجمالي الزيادة؟ هل هي مبالغ مرّت لمرة واحدة أم ستتعاظم سنويًا؟.

  2. ما الخطط الحكومية لتحويل التحصيل الاستثنائي إلى رفع دائم في الحصيلة الضريبية (إصلاح قواعد الوعاء الضريبي، مكافحة التهرّب، إلغاء الإعفاءات غير المبررة)؟.

2) ماذا عن عجز الميزانية ونسبة المديونية؟ مؤشرات جيدة أم أرقام مضخّمة؟

بايتاس تحدث عن تراجع العجز من 7% (2020) إلى 3.5% متوقعًا، ثم 3% في 2026، وطالب بأن هذه النسب «غير مسبوقة». كما ذكَر انخفاضًا متوقعًا في نسبة الدين من ~72% إلى 65.8%. هذه مؤشرات تفاخرية لكنّها تحتاج تحققًا:

  • أولاً، الأرقام الحكومية المرتقبة تعتمد على افتراضات نمو (توقّعات بنحو 4.5% نمو عام 2026 وردت في خطابات حكومية) وعلى تحقّق إيرادات مرتقبة. وإذا ما تباطأ النمو أو انخفضت أسعار الصادرات أو دُفعت ميزانيات استثنائية، قد تختلّ هذه المعادلة.

  • ثانياً، المعارضة وبعض المراقبين يُحذّرون من أن مؤشرات الدين قد تبقى مرتفعة فعليًا، خصوصًا إذا ما احتسبنا الدين الإجمالي (الخارجية والداخلية) وتأثير الاقتراض لتغطية استثمارات كبرى. تقارير تحدثت عن تجاوز الدين العمومي الإجمالي عتبة 1,050 مليار درهم نهاية 2024، وإشارة إلى أن الديون بقيت مرتفعة بعد أزمة 2020.

أسئلة ضرورية للنقاش المالي:
3. ما هي افتراضات النمو والإنفاق التي استندت إليها الحكومة لتوقع انخفاض العجز إلى 3%؟ وهل هناك سيناريو بديل في حال تباطأ النمو إلى أقل من المتوقّع؟. 
4. ما مقدار الدين الإجمالي (خارجي+داخلي) المتوقع في 2026 بالدرهم، وما هي الحكومة آلياتها لخفض خدمة الدين دون الإضرار بالاستثمارات العمومية؟.

3) كيف تفسَّر المعارضة والمراقبون هذه الأرقام؟ نقد وتحفّظات

المعارضة السياسية (أحزاب ومنابر نقدية) وبعض خبراء الاقتصاد يطرحون تحفظات أساسية:

  • الحوار السياسي: أحزاب المعارضة تتهم أحيانًا الحكومة بالتركيز على المؤشرات الكلية بينما المواطن لا يشعر بتحسن ملموس في القدرة الشرائية وفرص الشغل؛ وتطالب بمزيد من الشفافية حول الموارد وكيفية توزيعها. تقارير ومواقف أحزاب وأوراق تحليلية أكدت أهمية ربط الأرقام بنتائج ملموسة.

  • التحفظ على التسوية الطوعية: خبراء أثاروا أن التسوية الطوعية قد تُشجّع تداول الكاش أو تُولِّد عدم عدالة إذا لم تتبعها إجراءات لمحاربة التهرّب بشكل دائم. بعض التقارير أشارت إلى ضرورة إصلاحٍ جبائي هيكلي بدل الاعتماد على أدوات استثنائية.

  • المديونية: أحزاب أخرى وحركات مدنية تخشى أن يؤدي الاعتماد على الاقتراض لتمويل مشاريع رأسمالية إلى رهن مستقبل الأجيال، مطالبة بتقشف استثماري وترشيد النفقات.

أسئلة إلى المعارضة:
5. ما البدائل الملموسة التي تقترحها المعارضة لزيادة الموارد دون الاعتماد على إجراءات استثنائية؟ كيف ترصد حلولًا مستدامة لمكافحة التهرّب الضريبي وتوسيع الوعاء الضريبي؟.

4) مشروع المرسوم 2.25.432 والشرطة البيئية: رفع قدرة أم خفض للمعايير؟

صادق مجلس الحكومة على تعديل يوسع مهمات الشرطة البيئية ويخفف شروط التعيين (فتح الباب أمام فئات أعوان الإدارة، تخفيض شرط الأقدمية من 5 سنوات إلى سنة واحدة)، بهدف رفع عدد المفتشين من 48 إلى نحو 80 مفتشًا سنة 2026 لأن العدد الحالي “غير كافٍ”. هذا المرسوم يسعى إلى تعزيز قدرة الدولة على مراقبة مكبات النفايات، المقالع، محطات معالجة المياه وغيرها.

لكنّ التحليل العملي يبرز نقاط توخّي الحذر:

  • الجانب الإيجابي: تزايد العدد يعني قدرة أكبر على المراقبة الإقليمية واستجابة أسرع للمخالفات، خصوصًا في مواجهة التحديات المتنامية كالتلوث البلاستيكي والملوثات الصناعية.

  • الجانب المقلق: تخفيف الشروط (فتح المجال لأعوان بمستوى خبرة أقل) قد يعرّض جودة التفتيش للتشكيك ما لم تُصحب العملية بتكوينات مكثفة ومعايير مهنية واضحة وبرامج تدريب واعتماد. قد تتحول إلى «كمّية» دون «نوعية». كما أنّ تحرير تحرير محاضر المخالفات يكشف عن مسؤوليات قضائية وإجرائية يجب تدبيرها بوضوح.

أسئلة تشريعية وتنفيذية:
6. ما خطط التدريب والاعتماد التي سترافق توسيع جسم الشرطة البيئية لضمان كفاءة التفتيش وسلامة المحاضر؟ وهل ستُنشأ آلية رقابة داخلية وخارجية لمراقبة جودة عمل المفتشين؟.

5) مخاطر السياسة الاتصالية: المبالغات الإعلامية مقابل الشفافية الحقيقية

بايتاس قدّم سردًا إيجابيًا ومطمئنًا. هذا خطابي مطلوب لكنّه لا يكفي وحده. إذا لم تصحبه معلومات مفصّلة وشفافة (تقارير ميزانية مفصلة، محاضر التسوية الضريبية، آليات متابعة إنفاق الموارد)، فسيفتح الباب للنقد وللسردية المضادة من المعارضة ووسائط التواصل الاجتماعي.

مقترح عملي: نشر تقرير حكومي مفصّل يبيّن مساهمة كل بند في ارتفاع الموارد (التسوية الطوعية، TVA، ضريبة الدخل، الجمارك…) والإنفاق المصاحب لها، مع جدول زمني لتتبع تنفيذ الوعود المتعلقة بتخفيض العجز والحد من المديونية.

6) توصيات للبرلمان والمجتمع المدني — أسئلة رقابية عملية

لتحويل المناقشة إلى رقابة فعّالة، أقترح أن يسأل النواب الحكومة (كتالي أمثلة قابلة للطرح في جلسة عمومية أو عبر لجنة المالية):

  • قدموا تفصيلاً لمصادر الـ+198 مليار درهم زيادة في الموارد منذ 2020 (بندًا ببند).

  • ما هو الجزء الذي جاء من إجراءات ظرفية (تسويات)، وما هو الجزء الناتج عن إصلاحات هيكلية؟.

  • أودوا نشر محاضر وتقييمات عن فعالية الإجراءات المتخذة لمكافحة التهرّب الضريبي منذ 2020.

  • فيما يخص الشرطة البيئية: قدموا خطة تدريب، معيار اعتماد المفتش، وتقدير للأثر المتوخّى من رفع العدد على فعالية المراقبة وردع المخالفين.

الخلاصة — تصريحي بايتاس مهمّان لكنّهما يستدعِيان مساءلة دقيقة

تصريحات مصطفى بايتاس تعكس نتائج وجهودًا حقيقية في تحصيل الموارد ومحاولة ضبط المؤشرات الماكرو-اقتصادية؛ وهي معلومات مفيدة في سياق بناء سرد نجاح حكومي. لكنّها ليست كافية لوحدها — فمصادر ارتفاع الموارد، وديمومتها، وتكلفة الاقتراض، وجودة إنفاق الموارد، وآلية توسيع الشرطة البيئية كلها نقاط تحتاج تحقيقًا رقابيًا متخصصًا. الخصم الديمقراطي (البرلمان، المعارضة، المجتمع المدني) مطالب بأن يسائل الحكومة عمّا وعدت به، ويطالب بالوثائق والتقارير التي تحوّل الأرقام التسويقية إلى شفافية قابلة للمحاسبة.