بين “الاستغلال السياسي” و”الحق في التنمية”: هل تُخفي حكومة أخنوش فشلها خلف الاتهامات؟

0
219

في عز صيف ساخن اجتماعيًا، حيث خرج سكان آيت بوكماز في مسيرة رمزية للمطالبة بفك العزلة، اختار رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش الرد باتهام مباشر لمنظمي المسيرة ب”الاستغلال السياسي”، متهمًا ضمنيًا منتخبين معارضين بتهييج الشارع. هذا التصريح، عوض أن يُهدئ الغضب، فجّر أسئلة أعمق حول منطق السلطة في التعامل مع احتجاجات الهامش، ومدى صدقية شعارات “الدولة الاجتماعية”.

قراءة في التصريح الرسمي: أخنوش قال خلال جلسة برلمانية إن منطقة آيت بوكماز ليست معزولة عن التنمية، وإن المطالب التي خرج السكان من أجلها ليست صعبة. لكنه في المقابل وصف ما حدث ب”التهييج السياسي” من طرف رئيس جماعة ينتمي للمعارضة. هذا التناقض بين الاعتراف بالمطالب والتقليل من شرعيتها يكشف ارتباكًا في الخطاب الرسمي، ويطرح السؤال: إذا كانت المطالب بسيطة، فلماذا تأخرت الاستجابة؟

أرقام ومؤشرات رسمية: تمتلك المملكة المغربية شبكة طرق بطول يتجاوز 57,000 كيلومتر، لكن النفاذ الفعلي للقرى الجبلية لا يزال تحديًا حقيقيًا، رغم تنفيذ برامج كبرى مثل “البرنامج الوطني للطرق القروية” (PNRR) الذي رفع نسبة الولوج من 54% سنة 2005 إلى أكثر من 80% بحلول 2016. وفي إقليم أزيلال، تم إنجاز 154 كلم من الطرق بين 2012 و2014 بتكلفة 68 مليون درهم. كما ينص برنامج تقليص الفوارق المجالية (PRDTS) على تعبيد آلاف الكيلومترات من الطرق الجبلية، بعضها يخدم أزيد من 800 ألف نسمة، بقيمة تناهز 28 مليار درهم.

ورغم هذه المؤشرات، لا تزال شهادات سكان آيت بوكماز تتحدث عن واقع مناقض. أحد السكان يقول: “طرق ضيقة محفورة، ومستوصف لا يفتح إلا مرتين في الأسبوع، وأبناؤنا يمشون 5 كلم للوصول إلى المدرسة”. وناشط مدني يضيف: “نعيش في عزلة فعلية لا مثيل لها. لا كهرباء باستمرار، لا طرق معبدة، لا إمكانية للعلاج”.

ردود المعارضة: في المقابل، اعتبرت المعارضة ما حدث في آيت بوكماز صرخة منسية ضد “الفشل الحكومي”. النائبة فاطمة التامني قالت إن الشعارات الكبرى مثل “العدالة المجالية” بقيت بلا أثر، وإن صناديق التنمية لم تغيّر الواقع. وذهبت إلى أبعد من ذلك حين أكدت أن الحكومة تتهرّب من المسؤولية، وتحوّل كل صوت احتجاجي إلى تهمة سياسية. وتساءلت: “أين ذهبت صناديق التنمية؟ وماذا فعلت الحكومة طيلة أربع سنوات؟”

سياق أوسع: ما حدث في آيت بوكماز ليس سوى نموذج مصغر لوضع عام يعيشه المغرب القروي. طرق مهترئة، مستوصفات بلا أطباء، مدارس من دون بنية، وشباب بدون أمل. هذه ليست مبالغات إعلامية، بل معطيات موثقة في تقارير وطنية ودولية، كما تؤكدها مؤشرات التنمية المجالية والمندوبية السامية للتخطيط.

أسئلة مشروعة:

  • هل تملك الحكومة رؤية تنموية حقيقية للعالم القروي، أم أنها تكتفي بردود الفعل؟

  • هل الدفاع عن مطالب المواطنين أصبح مرادفًا للتهييج؟

  • لماذا لم تُفعل صناديق التنمية المجالية كما وعدت بها الحكومة في بداية ولايتها؟

خلاصة: تصريح رئيس الحكومة حول آيت بوكماز يُظهر أزمة أعمق من مجرد رد على احتجاج موضعي. إنه يكشف هشاشة المقاربة الحكومية في تدبير الاحتقان الاجتماعي، واستسهال اتهام الخصوم بالتهييج بدل الاعتراف بالتقصير. وبينما تُفتح جلسات البرلمان بالكلمات الرنانة، تبقى دروب آيت بوكماز شاهدة على تأخر الدولة عن مواطنيها، وعلى أن التنمية لا تكون بخطاب سياسي، بل بمشاريع تصل حيث توجد الحاجة، لا حيث توجد الكاميرات.