اللغة الأمازيغية والعربية: تكامل الهويات أم صراع النخب؟
في سياق وطني متأثر بتحولات هوياتية عميقة، يعيد مقال الدكتور عبد النبي عيدودي المعنون بـ”اللغة الأمازيغية والعربية: مقاربة تكاملية في بناء الهوية الوطنية المغربية” طرح قضية التعدد اللغوي من زاوية تتجاوز الصراع المفتعل، نحو فهم تكاملي للهوية المغربية في أبعادها الدستورية والتاريخية والثقافية.
بين الماضي والحاضر: العربية كجسر حضاري لا أداة هيمنة
ينطلق الكاتب من خلفية تاريخية تؤكد أن اللغة العربية، باعتبارها لغة القرآن الكريم، لم تُفرض على الشعوب بقدر ما تبنتها مجتمعات متعددة لفهم النصوص الدينية وبناء نهضة علمية وفكرية. في هذا السياق، لم تلغِ العربية اللغات المحلية في الفضاءات الإسلامية، بل تعايشت معها بمرونة، وهو ما يدحض الطرح القائل إن العربية كانت أداة طمس للهويات.
هذا الاستحضار للتاريخ لا ينفصل عن الحاضر المغربي، حيث يُستعمل الجدل اللغوي أحيانًا لتغذية استقطابات سياسية وإيديولوجية، بينما يثبت التاريخ أن التعدد اللغوي كان دائمًا مصدر غنى لا تهديد.
اللغة والهوية في ظل الدستور: ثنائية زائفة
يشير الدكتور عيدودي إلى أن الدستور المغربي لسنة 2011 حسم المسألة اللغوية بشكل واضح من خلال الاعتراف بالعربية والأمازيغية كلغتين رسميتين. ورغم هذا الإطار القانوني، تستمر بعض الأصوات في تقديم علاقة اللغتين بصيغة تنافسية أو تصادمية، وهو ما يعتبره الكاتب “ثنائية زائفة”.
الهوية الوطنية، كما يراها، ليست هوية أحادية بل نسيج مركب يعكس الروافد التاريخية والجغرافية والثقافية التي تشكل الشخصية المغربية. ومن هذا المنطلق، فإن المساس بأي من اللغتين يعد مسا بالتوازن الدستوري والاجتماعي للمغرب.
اللغة كأداة انتخابية: أزمة الخطاب الحزبي
يحذر المقال من توظيف اللغة الأمازيغية لأغراض سياسية ضيقة، خصوصًا في الحملات الانتخابية. ويعزز هذه الرؤية بتحليل واقعي للخريطة الانتخابية، حيث تظهر الأرقام أن بعض الأحزاب التي تتبنى الدفاع عن الأمازيغية لا تحقق بالضرورة تمثيلية واسعة في المناطق ذات الأغلبية الناطقة بالأمازيغية. هذه المفارقة تطرح إشكالية استغلال الهويات اللغوية كشعارات ظرفية، في غياب مشاريع حقيقية لدمج التنوع اللغوي في السياسات العمومية.
التحديات الخارجية وحماية السيادة الثقافية
في ظل تزايد تدخل بعض الجهات الأجنبية في ملفات الهوية واللغة، يلفت الكاتب الانتباه إلى ضرورة التمييز بين المطالب الثقافية المشروعة، وبين المشاريع التي توظف الخطاب الهوياتي كغطاء لأجندات خارجية تهدف إلى خلق انقسامات داخلية. تجربة المغرب، كما يرى، أظهرت عبر التاريخ قدرة على استيعاب التنوع ضمن إطار موحد للدولة والعرش.
نحو رؤية تكاملية: دعوة إلى تجاوز خطاب الصراع
يدعو الكاتب في ختام مقاله إلى تبني نموذج لغوي تكاملي يقوم على احترام التعدد وتفعيله في مجالات التعليم والإعلام والإدارة، دون الوقوع في فخ التنافس الهوياتي. إن تعزيز مكانة الأمازيغية لا ينبغي أن يُفهم كمواجهة للعربية، بل كجزء من مشروع وطني لبناء هوية متوازنة ومفتوحة على المستقبل.
خلاصة المغرب الآن:
يرتقي مقال الدكتور عبد النبي عيدودي بالنقاش حول التعدد اللغوي من مستوى التوظيف السياسي إلى مستوى التفكير الاستراتيجي. فهو لا يكتفي بالدعوة إلى الاعتراف المتبادل بين اللغتين، بل يقدم أطروحة متكاملة تدعو إلى الاستثمار في التعدد كرافعة للوحدة الوطنية، لا كذريعة للانقسام.
والسؤال الذي يبقى مطروحًا أمام المؤسسات، والنخب، والرأي العام هو: هل نملك الإرادة الحقيقية لتجاوز خطاب الصراع وبناء تعايش لغوي مؤسس على العدالة اللغوية والإنصاف الرمزي؟