بين الحقيقة والإشاعات: الجنرال محمد بريظ واقعُ الرّصد العسكري الوطني ودورُ المؤسسة العسكرية

0
538

في وقتٍ يشهد فيه الإعلامّ الحديثَ معلّقًا حول العديد من القضايا، ظهرت مؤخرًا ادّعاءات تتناول الجنرال محمد بريظ، المفتّش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة العسكرية الجنوبية. تزعم بعض التدوينات أن الجنرال فرّ هربًا من “علاقة مشبوهة مع الإمارات” دون علم الملك، أو أن ظروفًا داخلية تستدعي المساءلة. هذه الادعاءات تستدعي وقفة تحليلية متأنية لبيان ما هو مؤكد وما هو مفترى، وما هو ممكن وما هو مستبعد.

من هو الجنرال محمد بريظ؟ معطيات موثقة

  • المسار المهني: وُلد محمد بريظ سنة 1955 بمنطقة القباب قرب خنيفرة، التحق بالقوات المسلحة الملكية في السبعينيات.

  • المناصب الحالية: يشغل حاليًا منصب المفتّش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة العسكرية الجنوبية، بعد أن عيّنه الملك محمد السادس سنة 2023، خلفًا للجنرال بلخير الفاروق.

  • السمعة والصفات المهنية: يُعرف عنه الانضباط، السرّية المتناسبة مع طبيعة مهام أعلى قيادة عسكرية، الخبرة الطويلة، واحترام اللوائح العسكرية.

هذه المعطيات تجعل منه شخصية مركزية في القيادة العسكرية في المغرب، تُحمَل مسؤوليات جسيمة في تأمين البلاد، مراقبة الحدود، قيادة المناطق العسكرية، وضمان جاهزية القوات.

الادعاءات المتداولة: محتوىها وتقييم مصداقيتها

الادّعاء الأبرز

  • “فرار الجنرال محمد بريظ بسبب علاقة مشبوهة مع الإمارات دون علم الملك”: هذا الادعاء ينطوي على عناصر قوية تتطلب دليلاً: فرار، علاقة خارجية، تجاوز التسلسل اللوجستي أو الإداري. إلى الآن، لا توجد وثائق موثوقة، لا صحف معروفة أو مؤسسات إعلامية موثوقة نشرت تحقيقًا يؤكد هذا الادعاء.

  • الترويج من طرف شخصيات معروفة بالإثارة أو التشكيك: التدوينات المُشار إليها ضدّ الجنرال بريظ تُنسب إلى سليمان الريسوني أو أصوات تشكّك في المؤسسات. لكن المراقب يُلاحظ أن الريسوني نفسه موضوع جدل واسع وأن مصداقيته تعرضت للاختبار من قِبل الجمهور والإعلام.

ما هو غير موجود حتى الآن

  • لا يوجد تأكيد رسمي أو بيان من وزارة الدفاع أو من الديوان الملكي يُفصح عن فرار أو علاقة مشبوهة.

  • لا توجد قواعد بيانات قضائية أو تحقيقات صحفية محترفة أكّدت تلك المزاعم.

  • لا يوجد حتى الساعة ما يشير إلى تحّرك قانوني يُثبت حدوث مخالفة لتسلسل السلطة أو خيانة للأمانة أو تجاوز يليق بعنوان “فرار”.

لماذا تُثار مثل هذه الادّعاءات؟ تحليل دوافع مفترضة

لماذا تُطلق هذه الشائعات؟ هناك احتمالات متعددة تتداخل فيها الأبعاد السياسية، الإعلامية، وحتى النفسية:

  1. تصاعد الجدل الإعلامي والسياسي
    في السنوات الأخيرة ازداد حجم التحديات المرتبطة بحرية التعبير والنقد، مما يجعل بعض الأصوات تُستخدم للإثارة وخلق بلبلة، سواء لغرض سياسي أو للحصول على متابعة. الشائعات تلقى صدى أسرع من التحليل والدحض، يمكن أن تُستخدم لاستهداف رموز يُنظر إليها على أنها خط أحمر.

  2. توظيف التشكيك كأداة ضغط أو تضليل
    طرح ادعاءات خطيرة مثل “علاقة مشبوهة مع دولة أخرى” دون دليل يمكن أن يؤدي إلى تساؤلات على الصعيدين الداخلي والدولي، مما يستنزف وقت المؤسسة العسكرية في الرد، ويخلق شكوكًا تُستخدم كوسيلة ضغط أو لتشويه صورة المؤسّسة.

  3. المنافسات الداخلية أو النزاعات الإعلامية
    قد تكون هناك جهات داخل الإعلام أو الدوائر التي ترى أن تحوّل المؤسسة العسكرية إلى مؤسّسة شفافة وفاعلة يُقلق من تقليديات النفوذ أو التأثير. وقد يتم استخدام شخصيات إعلامية لها سجلّ من إثارة الجدل كمروّجين لهذه الشائعات.

أسئلة جوهرية: ما الذي يستحق التحقيق الحقيقي؟

لكي يكون النقاش بناءً ومسؤولاً، يجب طرح هذه الأسئلة:

  • هل هناك وثائق أو مصادر مسجلة — قضائية، إدارية، أمنية — تثبت وجود علاقة خارجية “مشبوهة”؟

  • من هو الذي يدّعي أن الجنرال “هرب”؟ ما هي التواريخ، الأماكن، شهود العيان؟ هل هناك تقارير أمنية رسمية من جهات أمنية أوروبية أو من داخل المغرب تدعم هذا الادعاء؟

  • ما هو السياق الذي يُستخدم فيه اسم الإمارات في هذه الادعاءات؟ هل هو جزء من سياسة تشويه وجه دولي، أو رغبة في خلق انطباع يثير قلقًا داخليًّا وخارجيًّا؟

  • كيف تستجيب المؤسسة العسكرية رسميًّا لهذه الادعاءات؟ هل هناك بيانات تكذيب، تحقيقات، مساندة قانونية؟

  • هل الجمهور والإعلام محمّلان بمعرفة فكرة “المسؤول العسكري لا يُنشر له كل شيء” — أي احترام السرّية العسكرية — مما يجعل بعض الادعاءات تبدو واقعية في نظر من لا يعرف التقيّد بروابط التسلسل العسكري والأمن؟

الرد المغربي الرسمي والمجتمعي: حقائق تعزيز الثقة

المغرب يمتلك من العوامل ما يدعم محصّنية رموزه الأمنية ضد الشائعات:

  • التعيينات الملكية الواضحة: تعيين الجنرال بريظ مفتّشًا عامًا للقوات المسلحة الملكية من طرف الملك عام 2023 هو قرار رسمي موثّق، جاء كخيار ممنهج يرسّخ الانضباط والتنظيم في المؤسسة العسكرية.

  • شفافية نسبية في المعلومات المتاحة: السيرة الذاتية، التدريب، المناصب، كل ذلك معروفٌ وتُعرضه المصادر الموثوقة كويكيبيديا، الأخبار الرسمية، وكذا ما تنشره الصحافة المستقلة عند تعريف الشخصيات العامة.

  • المحافظة على احترام المؤسسة العسكرية: غالبية المغاربة يُبدون موقفًا يدعو إلى الاحترام للجيش وللأمن كرموز وطنية، يربطون بين الأمان والاستقرار والسيادة، والتي لا تُبنى بالشائعات بل بالأداء الحقيقي.

الأهمية الاستراتيجية للرد المحترف

الخطأ في التعاطي مع مثل هذه الادعاءات يمكن أن يترك أثراً سلبيًّا:

  • تآكل معنوي ضمن الصفوف: الشائعات غير المبنية على دليل يمكن أن تُضعف روح الانضباط داخل المؤسسة العسكرية، وتثير القلق بين الضباط والجنود.

  • الضرر الدولي: إذا وصلت الادعاءات إلى منابر أجنبية دون ردّ سريع وموثوق، يمكن أن تؤثر في نظرة الحكومات أو الشركاء استراتيجيًا نحو المغرب.

  • استغلال الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي: سرعة الانتشار تُحفّز المُروّجين للشائعات لأنه ليس مطلوبًا تقديم دليل مسبق لإشاعة ما، فقط التكرار والتداول.

مقترحات استراتيجية لتأكيد الحقيقة وتعزيز الثقة

لكي تنتصر الرموز الأمنية الوطنية للحقائق، ولمكانة المؤسسة العسكرية، يمكن اقتراح ما يلي:

  1. الإفصاح الرسمي المنقّح
    إصدار بيان من قيادة القوات المسلحة الملكية ينفي الادعاءات بشكل واضح، مع طلب من المدّعين تقديم أدلتهم إن وجدت، وإيضاح أن عدم وجود دليل يُعدّ عاملاً مهمًا في تقييم credibility.

  2. التعامل القانوني مع التشهير
    استخدام القوانين المتاحة لملاحقة التشهير إن ثبت، بما يوازن بين حرية التعبير وسمعة الأشخاص والمؤسسات.

  3. تعزيز ثقافة الشفافية العسكرية
    ليس بالضرورة الكشف عن كل كبيرة وصغيرة — فالأمن يحتّم السرّية في بعض الملفات — لكن تقديم معلومات رسمية دورية، محكمة، تُظهر الأداء، التعيينات، المهام المسنودة، يمكن أن يقلّل من الفراغ الذي يُستغل لبث الشائعات.

  4. العمل الإعلامي الاستباقي
    تمكين الصحافة الوطنية والمستقلة من التحقيقات الدقيقة، وتحفيز الحوار بين مؤسسات الدولة والإعلام، لتسليط الضوء على ضوابط الأداء العسكري، على أن تكون المادة الإعلامية متوازنة وتبتعد عن التهويل.

خلاصة تحليلية

لا تبدو الادعاءات التي تُثار حاليًا بشأن الجنرال محمد بريظ مبنية على أساس ثابت من الأدلة: لا تقارير رسمية، لا تحقيقات صحفية مستقلة أكدت “فرارًا” أو “علاقة مشبوهة”. ما هو مؤكد هو أن الجنرال براعرٌ محترم، يحمل تاريخًا طويلًا في الخدمة، وأن تعيينه من طرف الملك يعكس الثقة به. التيّار الذي يسعى لتشويه شخصيته ليس بجديد في المشهد الإعلامي، لكنه في هذه الحالة يواجه رياح الحقيقة، التي إن بقيت غير مبنيّة على الأدلة ستصبح سريعًا عرضة للانكشاف.

بين الصحافة والحملة: لماذا يُستهدف الأمن المغربي وعبد اللطيف حموشي؟

المؤسسة العسكرية، بنظامها، هي جزء من السيادة؛ وكرامتها جزء من كرامة الوطن. في زمن تغريدات لا تُراقَب والتحريض الذي لا يُحاكَم، يكون الثبات على الحق، والتمسُّك بالشفافية القانونية والمصداقية الوطنية، هو أفضل رد. المبادرة بالمعلومة، والوقف الفوري لأي إشاعة، هو ما سيبقي الغيب والغموض ليس منصّة للنيل من الرموز، بل دعوة للتماسك الوطني والثقة المؤسسية.