بين الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسيات الموازية… قراءة في خطاب محمد أوجار

0
162

جاء حضور الوزير الأسبق محمد أوجار في برنامج «حديث مع الصحافة» في لحظة سياسية تعرف تجديداً ملحوظاً لخطاب الدفاع عن الوحدة الترابية. ما يلفت في هذا الحوار ليس فقط مضمون الأفكار، بل الطريقة التي أعاد بها أوجار ترتيب خريطة الفاعلين في هذا الملف، بعيداً عن مركزية الدولة وحدها.

كان واضحاً أن أوجار يتحدث من موقع الخبرة داخل المؤسسات الدولية، ومن موقع مراقب لتطور لغة الدبلوماسية المغربية. فالخطاب لم يكن احتفالياً، بل توصيفياً، يعرض ما تحقق دون انزلاق نحو خطاب الانتصار النهائي أو النهاية المغلقة للصراع.

1) الدبلوماسية الرسمية… مركز ثقل لا يزال قائماً

أوجار شدد على أن وزارة الخارجية والمؤسسة الملكية تشكلان الإطار الناظم للملف. لكن الإشارة الأساسية كانت أن نجاح المغرب دولياً لم يعد يستند فقط إلى المرافعة القانونية والسياسية، بل إلى بناء صورة دولة مستقرة تتقدم بهدوء في محيط متقلب.

السؤال هنا يفتح ذاته:

هل نجاح الدبلوماسية الرسمية اليوم يرجع إلى قوة الحجج، أم إلى هشاشة خطاب الخصم الذي استُهلك عالمياً؟

2) تعدد الأذرع… من مركز واحد إلى شبكة تأثير

في حديثه عن البرلمان، النقابات، والجمعيات، لم يقدّم أوجار وصفاً تقنياً، بل ملاحظة استراتيجية: الفاعلون الجدد في الترافع ليسوا بديلاً عن الدولة، بل امتدادها الاجتماعي. هذا يعني أن الملف لم يعد ملف «حكومة»، بل ملف **مجتمع سياسي».

غير أن هذا التوسع يطرح سؤال التماسك:

كيف تُنسّق الخطابات حتى لا يتحول الترافع إلى أصوات متوازية بدلاً من أن يكون جوقة منسجمة؟

أوجار لمح إلى أن إدارة هذا التنوع أصبحت في ذاتها عملاً دبلوماسياً.

3) أمريكا اللاتينية: المختبر السياسي الأكثر دلالة

حين تحدث أوجار عن أمريكا اللاتينية، لم يكن ذلك مجرد استحضار جغرافي. بل تقديم مثال على ساحة كانت محسوبة بالكامل لصالح البوليساريو لعقود طويلة. اليوم، التحول في موازين التأثير داخل برلمانات تلك المنطقة ليس حدثاً عابراً، بل نتيجة:

  • حضور مغربي متدرج

  • بناء علاقات مع الأحزاب والحركات العمالية

  • تفكيك خطاب “الضحية” الذي كانت الجزائر تستثمر فيه

السؤال هنا يفتح أفقاً جديداً:

هل هذا التحول دائم؟ أم أنه مرهون بلحظة سياسية قابلة للتأرجح مع تغير الحكومات؟

4) المجتمع المدني: من موقع المتلقي إلى موقع الفاعل

عندما استشهد أوجار بالمبادرات المدنية والحقوقية، كان يشير إلى نقطة انتقال جوهرية: لم يعد الحديث فقط باسم الدولة، بل باسم الناس الذين يعيشون في الصحراء، وفي مقدمتهم الشباب والنساء والفاعلون المحليون.

القيمة هنا ليست رمزية فقط، بل خطابية:

حين يتحدث مواطن يعيش في العيون، فخطابه لا يُستقبل دولياً كبيان سياسي، بل كشهادة حياة.

وهذا ما كان ينقص خطاب المغرب في العقود السابقة.

خاتمة مفتوحة

ما كشفه أوجار في هذا اللقاء لا يتعلق فقط بتوصيف واقع، بل بتوجيه بوصلة المرحلة المقبلة: الدفاع عن الوحدة الترابية لم يعد معركة حدود، بل معركة سردية.

يبقى السؤال في قلب هذا التحول: كيف نحمي هذا التراكم من الارتجال؟ وهل نستطيع الانتقال من تعدد المبادرات إلى استراتيجية خطاب موحدة دون إلغاء تنوع الفاعلين؟

الجواب ما يزال في طور التشكل. لكن الحوار كشف أن المغرب اليوم أكثر استعداداً لإدارة هذه الأسئلة بهدوء، وبثقة، وبعقل مفتوح على المتغيرات. وهذا بحد ذاته تحول يستحق القراءة.