بين الرباط والقاهرة: توافق دبلوماسي يرسم مستقبل الاستقرار الإقليمي

0
153

المغرب ومصر: شراكة استراتيجية في زمن التحديات الإقليمية ودعم متبادل للسيادة والتنمية

في ظل تقلبات جيوسياسية معقدة وتوترات متزايدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، برزت زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إلى المغرب كإشارة واضحة على استمرار التنسيق الدبلوماسي بين الرباط والقاهرة. ليست الزيارة مجرد لقاء بروتوكولي، بل تجسيد لتفاهم استراتيجي بين دولتين تحرصان على تعزيز دعائم الاستقرار الإقليمي، والحفاظ على سيادة الدول ووحدتها، ورفض الحلول العسكرية التي تزيد من تعقيد الأزمات.

في الندوة الصحفية المشتركة مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، لم يكتفِ عبد العاطي بتأكيد الموقف المصري الداعم لسيادة المغرب ووحدة أراضيه، بل نقل رسالة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الملك محمد السادس، التي تؤكد حرص القاهرة على “تعزيز العلاقات في كافة المجالات” في مواجهة تحديات إقليمية وقارية وعالمية متشابكة. هذا التصريح يحمل في طياته رسالة ضمنية مفادها أن الرباط والقاهرة تنسقان على مستويات استراتيجية لمواجهة تحولات دولية متسارعة، تعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة.

النقاش حول القضية الفلسطينية مثّل محوراً أساسياً في اللقاء، حيث اتفق الطرفان على رفض سياسة التجويع التي تُفرض على الفلسطينيين، ودعوا لاستئناف المساعدات الغذائية والطبية. هنا يبرز المغرب مجدداً كفاعل دبلوماسي رئيسي، خصوصاً من خلال دوره في لجنة القدس وبيت مال القدس، مما يعزز من مكانته كوسيط معتدل ومؤثر في القضايا الحساسة بالمنطقة.

على صعيد ليبيا، أظهر وزير الخارجية المصري تقديراً للمبادرات المغربية، خاصة جهود “اتفاق الصخيرات”، التي لا تزال تمثل إطاراً أساسياً للسلام في هذا البلد الممزق. هل يشير هذا التقدير إلى رغبة مشتركة في تعزيز أدوار فعالة للجهات الإقليمية في إرساء الأمن والاستقرار، بدلاً من الاعتماد على التدخلات الخارجية؟

في الملف الأكثر حساسية إقليمياً، وهو سد النهضة، جدد المغرب دعمه لمصر في أمنها المائي، مؤكدًا موقفه الداعم للحوار والتوصل إلى حلول تحفظ الحقوق التاريخية للأطراف. ما يجعل المغرب في هذا الملف ليس فقط شريكاً محايداً، بل لاعباً دبلوماسياً يُحسب له حساب، يسعى لتحقيق توازن بين مصالح الدول ويحاول فتح آفاق جديدة للتعاون بدل الصراع.

على الصعيد الاقتصادي، دعا الطرفان إلى تجاوز منطق الخاسر والرابح، وإلى تعزيز التعاون والتكامل الاقتصادي برؤية “رابح-رابح”، تعكس رغبة واضحة في بناء شراكات اقتصادية مستدامة تُسهم في تنمية البلدين. كيف يمكن لهذه الرؤية أن تسهم في تنمية إفريقيا عموماً، مستفيدة من موقع المغرب كبوابة للقارة، ومصر كقوة اقتصادية كبرى في شمالها؟

وأخيرًا، جاء الحديث عن تفعيل لجان مشتركة بين البلدين لتعزيز التعاون الحكومي والتنسيق في مختلف القضايا كخطوة عملية تدعم ما تم الاتفاق عليه على المستوى السياسي. هل سيكون هذا التنسيق دليلاً على قدرة الدبلوماسية المغاربية-المصرية على تجاوز أزمات المنطقة وتعزيز الاستقرار الإقليمي؟

في خضم هذه التطورات، يتجلى بوضوح أن المغرب لا يقتصر على كونه لاعباً محلياً، بل يُعزز مكانته كقوة دبلوماسية متزنة، تجمع بين العمل الهادئ والاستراتيجية المدروسة، مما يرسخ صورته كلاعب رئيسي في مسارات السلام والتنمية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.