بين الشفافية القضائية وأسئلة الغموض: قراءة في بلاغ الوكيل العام للملك بالدار البيضاء

0
178

في مشهد بات يتكرر كثيراً في السنوات الأخيرة، حيث تسبق الأخبار المتداولة على وسائط التواصل الاجتماعي البيانات الرسمية، خرج الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ببلاغ يضع حداً للشائعات، ويوضح للرأي العام حقيقة ما جرى بخصوص قضية السيد سيون شمعون حريم بروخ أسدون.

البلاغ، على عادته في مثل هذه القضايا، جاء مفصّلاً ومشحوناً بالمعطيات الميدانية: من توقيت حضور المبلغين عن الغياب، إلى معاينة الشرطة، ثم اكتشاف الأدوات والآثار بحديقة المنزل، وصولاً إلى الكاميرات والشهادات. كل ذلك يقدم صورة أولية توحي بكون الحادثة مرتبطة بأنشطة اعتيادية كتشذيب الأشجار، أكثر منها واقعة إجرامية.

لكن، قراءة ما وراء السطور تفتح المجال لطرح أسئلة أعمق:

  • لماذا تحولت الواقعة إلى قضية رأي عام قبل صدور أي بلاغ رسمي؟

  • ما الذي يجعل المغاربة أسرع إلى تصديق فرضية الجريمة والغموض أكثر من الاطمئنان إلى بساطة الأمور؟

  • هل يعود الأمر إلى فقدان الثقة في المؤسسات، أم إلى تعطش الجمهور للحكايات المثيرة التي تغذيها المنصات الرقمية؟

من جهة أخرى، البلاغ يُظهر حرص السلطات على تفنيد أي شبهة محتملة عبر ذكر تفاصيل دقيقة: البصمات الوحيدة هي بصمات المعني بالأمر، أدوات التشذيب تطابق شهادة الجيران، وكاميرا المراقبة لم ترصد أي دخول أو خروج لشخص آخر. غير أن هذه الدقة ذاتها تثير سؤالاً آخر: هل نحن أمام تحول في منهجية التواصل القضائي، بحيث لم يعد البلاغ مقتضباً ومجرداً، بل بات أقرب إلى تقرير شبه استقصائي موجه للرأي العام؟

الأثر المتوقع لهذه الواقعة يتجاوز حدودها الفردية، إذ تعكس اختباراً جديداً للعلاقة بين الشارع والمؤسسة القضائية. فكلما غاب الشرح والتوضيح، ازداد انتشار الشائعات. وكلما جاء البلاغ سريعاً ومفصلاً، تعززت الثقة، ولو بشكل نسبي.

في النهاية، يظل السؤال المركزي: هل يكفي بلاغ مفصّل لتبديد الغموض، أم أن الأمر يستدعي سياسة تواصل أوسع تضع المواطن في قلب الحقيقة منذ البداية، قبل أن تسبقها روايات “الفيسبوك” و”الواتساب”؟

هكذا تتحول حادثة عابرة لرجل عُثر عليه مغمىً عليه في منزله، إلى مرآة عاكسة لواقع أكبر: واقع العلاقة المأزومة بين الحقيقة والشائعة، وبين المؤسسات الرسمية والرأي العام المتعطش للشفافية.