بين الصحافة والحملة: لماذا يُستهدف الأمن المغربي وعبد اللطيف حموشي؟

0
233

في الأسابيع الأخيرة، تصدرت بعض المنابر الإعلامية في أوروبا، خاصة في فرنسا وإسبانيا، تقارير تحمل اتهامات مباشرة أو ضمنية لعبد اللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DGST). هذه الاتهامات، التي تراوحت بين قضايا حقوقية مزعومة وملفات مرتبطة ببرامج تجسس مثل “بيغاسوس”، فتحت الباب أمام نقاش واسع: هل نحن أمام مساءلة صحفية مشروعة، أم أمام حملة منظمة لتقويض صورة جهاز أمني أصبح أحد أعمدة الاستقرار الإقليمي؟

حموشي: من ضابط تحقيق إلى رمز أمني

لا يمكن فهم الحملة الحالية دون التوقف عند المسار المهني لعبد اللطيف حموشي. فمنذ توليه قيادة المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني سنة 2005، ثم الجمع بينها وبين المديرية العامة للأمن الوطني في 2015، ارتبط اسمه بالتحولات الكبرى في المنظومة الأمنية المغربية:

  • مكافحة الإرهاب: تفكيك عشرات الخلايا ومنع هجمات كانت تستهدف المغرب وأوروبا على حد سواء.

  • محاربة الجريمة المنظمة: ضرب شبكات تهريب المخدرات والهجرة السرية العابرة للحدود.

  • الشراكات الدولية: بناء تعاون استخباراتي وثيق مع فرنسا، إسبانيا، والولايات المتحدة، وصل إلى حدّ الإشادة العلنية من أجهزة غربية.

هذه الإنجازات جعلت من حموشي شخصية تحظى باحترام دولي، إلى درجة حصوله على وسام جوقة الشرف من فرنسا، وهو ما يعكس تقديرًا رسميًا يتناقض جذريًا مع ما يُنشر اليوم في بعض وسائل الإعلام الفرنسية.

طبيعة الحملة: تضخيم إعلامي أم مساءلة ضرورية؟

تستند بعض التقارير إلى شكايات قديمة تم حفظها قضائيًا، أو إلى اتهامات متداولة دون تقديم أدلة ملموسة. ومن أبرز القضايا التي يُعاد استدعاؤها:

  • قضية “بيغاسوس” التي اتُهم فيها المغرب باستخدام برنامج تجسس، رغم غياب حكم قضائي يؤكد صحة هذه المزاعم.

  • شكايات التعذيب التي وُضعت في فرنسا خلال العقد الماضي ضد حموشي، لكنها أُغلقت سنة 2016 لعدم كفاية الأدلة.

هذا التوظيف الانتقائي للمعطيات يفتح الباب لسؤال أساسي: هل الهدف هو البحث عن الحقيقة، أم خلق سردية إعلامية لتقويض مصداقية الأمن المغربي؟

التوقيت: لماذا الآن؟

لا يخفى أن توقيت تصاعد هذه الحملة يثير أكثر من علامة استفهام، خاصة في ظل مجموعة من التحولات:

  1. نجاحات المغرب الأمنية: تصاعد وتيرة تفكيك الخلايا الإرهابية، وآخرها تلك المرتبطة بتنظيم “داعش”، ما يجعل من الأجهزة المغربية شريكًا أمنيًا محوريًا لأوروبا.

  2. التنافس الجيوسياسي: المغرب يعزز حضوره في الساحل وغرب إفريقيا، ما يقلق بعض القوى الأوروبية التي اعتادت لعب دور المهيمن في هذه المنطقة.

  3. ملف الهجرة: بروز المغرب كدولة أساسية في ضبط الهجرة غير النظامية نحو أوروبا، ما يمنحه ورقة تفاوضية قوية.

من هنا، يصبح مشروعًا طرح السؤال: هل هذه الحملات انعكاس لصراع نفوذ دولي أكثر من كونها مساءلة مهنية لشخصية أمنية؟

الرد المغربي: صمت واثق أم ضعف تواصلي؟

الموقف المغربي اتسم، إلى حدود الساعة، بنوع من الصمت الواثق. فالقضاء سبق أن برّأ أو حفظ الملفات المرتبطة بالاتهامات، كما أن القيادة العليا للدولة جدّدت ثقتها في حموشي. غير أن هذا الصمت قد يُقرأ أيضًا على أنه قصور في التواصل الاستباقي، خاصة في زمن تتحكم فيه وسائل الإعلام والرأي العام في تشكيل الانطباعات.

هل يحتاج المغرب إلى استراتيجية تواصلية جديدة تُبرز إنجازاته الأمنية للرأي العام الدولي؟ أم أن الرد الهادئ أفضل في مواجهة ما يعتبره حملات عابرة؟

بين حرية الصحافة واستهداف ممنهج

من المؤكد أن مساءلة المسؤولين، مهما علت مناصبهم، جزء أساسي من عمل الصحافة المستقلة. لكن عندما تُبنى المقالات على “مصادر مجهولة” و”معلومات غير مؤكدة”، يتحول التحقيق إلى أداة للتأثير أكثر من كونه وسيلة لكشف الحقيقة.

وهنا تكمن المعضلة: كيف يمكن التوفيق بين احترام حرية الصحافة، وحماية المؤسسات الأمنية من التشويه المتعمد؟

الخلاصة: معركة صورة قبل أن تكون معركة أمن

الحملة التي تستهدف عبد اللطيف حموشي تبدو أبعد من مجرد جدل حقوقي. هي معركة سرديات وصراع على النفوذ، حيث يسعى البعض إلى إضعاف صورة المغرب كدولة صاعدة في مجال الأمن الإقليمي والدولي.

في النهاية، التحدي الأكبر أمام المغرب لا يكمن فقط في صد الهجمات الإرهابية أو مواجهة شبكات الجريمة المنظمة، بل في الدفاع عن صورته ومصداقيته في عالم تتحدد فيه القوة أيضًا بقدرة الدول على رواية قصتها للعالم.