“بين العدالة والرحمة: كيفية معالجة قضية حادث قاصر طنجة والتحرش وفقًا للقانون الجنائي المغربي”

0
198

في ظل الأحداث المؤسفة التي شهدتها مدينة طنجة، تتجه الأنظار نحو الفتى المتورط في واقعة التحرش، حيث يستحضر الكثيرون كيف يمكن لفتى في سن المراهقة، في خضم الاندفاع والعواطف المشتتة، أن يصبح ضحية لضغوط مجتمعية وقيم خاطئة. فالمجتمع يضغط عليه ليكون قويًا، ويتجاهل أحيانًا مشاعره الداخلية وضعفه.

إن الصراع بين الرغبة في الانتماء والتعبير عن الذات وبين التقاليد والأخلاقيات يمكن أن يؤدي به إلى اتخاذ قرارات كارثية.

هل من العدل أن نحكم عليه بناءً على تصرف واحد دون أن نفكر في الأسباب والدوافع التي دفعته إلى هذا السلوك؟ أم أن علينا أن نرى فيه إنسانًا يحتاج إلى الدعم والإرشاد، بدلاً من العقوبة وحدها؟ في النهاية، إن هذا الوضع يحتم علينا التساؤل عن دور المجتمع في تشكيل سلوكيات الأطفال والمراهقين وكيف يمكننا، بدلًا من الحكم عليهم، أن نساعدهم على تجاوز هذه المحن.

حادثة التحرش الجنسي الجماعي في طنجة

أثارت واقعة التحرش الجنسي الجماعي التي تعرضت لها فتاة ترتدي تنورة قصيرة في شوارع مدينة طنجة، نهاية الأسبوع الماضي، نقاشاً واسعاً بين حقوقيين ومختصين في القانون.

وتباينت الآراء حول الواقعة، حيث تناول بعضهم القضية من زاوية أخلاقية وقيمية، بينما فضل آخرون تناولها من الجانب القانوني، مستندين إلى ما تنص عليه المنظومة الجنائية الوطنية في مثل هذه الأفعال وكيفية تكييفها مع مراعاة سن المتورطين.

في هذا السياق، قال محمد ألمو، محامٍ بهيئة الرباط وخبير قانوني، إن “نحن أمام جناية قد تصل عقوبتها القصوى إلى عشر سنوات، وفقاً للنصوص القانونية.

هناك فهم خاطئ حول التكييف القانوني لهذا الفعل المرتكب من قبل هؤلاء المراهقين، حيث اعتبرت غالبية المنشورات الفعل تحرشاً جنسياً”.

تكييف الفعل قانونياً

أوضح ألمو في تصريحاته أنه يجب تفكيك العناصر المادية لهذا الفعل، بدءاً من الترصد المسبق للفتاة بنية ارتكاب الفعل وتوثيقه عبر التصوير، مروراً بنزع تنورتها بالقوة بهدف الكشف عن جسدها، وصولاً إلى لمس مؤخراتها باستعمال العنف، في غياب رضى الضحية، التي أبدت مقاومة عنيفة. وأضاف أن “المكان المستهدف يحمل طابعاً حميماً وجنسانياً، مما يشير بوضوح إلى نية الفاعل استهدافها جنسياً وهتك عرضها بالقوة”.

نصوص قانونية ذات صلة

ينص قانون العقوبات المغربي في المادة 484 على عقوبة بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات بحق من هتك عرض قاصر يقل عمره عن 18 سنة دون عنف. بينما تنص المادة 485 على عقوبة بالسجن من 5 إلى 10 سنوات في حالات هتك العرض مع استعمال العنف.

كما أشار إلى الفصل 1.1.503 من القانون رقم 103.13 الخاص بـ”محاربة العنف ضد النساء”، الذي يُعرف التحرش الجنسي ويعاقب عليه بالحبس وغرامة مالية.

تكييف النازلة

في حال تمييز الجريمتين، أوضح ألمو أن جريمة التحرش الجنسي يمكن أن تتحول إلى هتك عرض إذا انتقل الفاعل من المضايقات إلى المس المباشر بالأعضاء الحميمية للضحية.

واستناداً إلى قانون العقوبات، فإن الفعل الأول يُعتبر جنحة لا تتجاوز عقوبتها ستة أشهر، بينما يُعتبر الهتك جناية تصل عقوبتها إلى عشر سنوات، مما يجعل الفعل الأول أقل شدة.

ظروف التخفيف

عند الحديث عن ظروف التخفيف بالنسبة للمشتبه فيهم، اعتبر المحامي أن “مثل هذه الأفعال تعتبر جنايات من الناحية القانونية، لكنهم يمكنهم الاستفادة من ظروف التخفيف نظرًا لسنهم، مما قد يؤدي إلى تقليص الحكم”.

وأكد على أهمية التمييز بين الاتفاق الجماعي أو التعاون بين المتورطين، والذي قد يؤدي إلى اعتبار الأمر كعصابة إجرامية، وبين كونه مجرد حادث عرضي، مما يبقى رهيناً بتقدير القضاء.

لكن، ماذا عن الحالات التي يرتكب فيها القاصرون أنفسهم جرائم دون استخدام العنف؟ هنا تكمن الثغرة القانونية التي تحتاج إلى مراجعة.

إن القانون لم يحدد بوضوح كيف يجب أن يتم التعامل مع الأطفال القاصرين الذين يرتكبون جرائم صغيرة أو يتحرشون بالآخرين دون عنف. وفي الوقت نفسه، قد يتم توجيههم إلى المحاكم الجنائية، حيث قد يُعاملون كالبالغين، دون النظر إلى الظروف النفسية والاجتماعية التي قد تؤثر في سلوكهم.

نحن هنا لا ندعو إلى التساهل في العقوبات على الأفعال الجرمية، ولكن علينا أن نتساءل: هل من العدالة أن يُحاكم طفلٌ في مرحلة المراهقة بحكم مماثل لشخص بالغ ارتكب الجريمة ذاتها؟ يجب أن نأخذ في الاعتبار أن المراهقة هي مرحلة حساسة من النمو، مليئة بالتحديات النفسية والعاطفية. ويجب أن يكون التركيز في هذه الحالات على إعادة تأهيل القاصرين وإصلاحهم بدلاً من تدمير حياتهم بحكم قاسٍ.

إن العدل الحقيقي لا يكمن فقط في تطبيق القانون بصلابة، بل أيضًا في القدرة على التفهم والتعامل بحكمة مع الحالات الخاصة. نأمل أن يكون للقضاء المغربي دور في تطوير نظام قانوني أكثر مرونة وإنسانية في التعامل مع قضايا القاصرين، وذلك لحماية مستقبلهم وضمان عدم تدمير حياتهم بسبب خطأ ارتكبوه في لحظة من الطيش.

في النهاية، نوجه دعوة إلى كل المعنيين بالشأن القضائي والاجتماعي إلى إعادة النظر في هذه الثغرات القانونية. يجب أن نعمل جميعًا على بناء مجتمع عادل يوازن بين العقاب والإصلاح، ويمنح القاصرين فرصة للتعلم من أخطائهم والنمو بشكل إيجابي داخل المجتمع.