بين الغضب الأخلاقي والتحليل الصحافي: قراءة نقدية في مقال يونس مسكين حول قضية حميد المهداوي

0
217

أثار الحكم القضائي الصادر في حق الصحافي حميد المهداوي، والقاضي بسجنه سنة ونصف وتغريمه مبلغًا ماليًا باهظًا، موجة تضامن داخل الأوساط الحقوقية والإعلامية، كان من أبرز تمظهراتها مقال رأي وقّعه الصحافي يونس مسكين.

سجن المستقبل

المقال، الذي يتجاوز طبيعته الخبرية إلى خطاب تعبوي، يستدعي قراءة تحليلية ناقدة، لا لمضمونه التضامني فحسب، بل لبنيته، ومنطقه الداخلي، وطرحه التأويلي لحرية التعبير في المغرب.

1. خلفية المقال وسياقه:

يندرج المقال في لحظة سياسية حساسة، تتزامن مع عرض مشاريع قوانين جديدة حول الصحافة والنشر. وقد استثمر مسكين هذه اللحظة لطرح رؤية نقدية لوضع حرية التعبير، مستندًا إلى حالة المهداوي كنموذج. غير أن الطرح تجاوز حدود المعالجة المهنية، ليشكل نوعًا من “المانيفستو الأخلاقي” الذي يُخاطب الضمير الجماعي، أكثر مما يُحلل السياق القضائي والمؤسساتي.

2. بنية المقال: من الواقعة إلى الإدانة الكلية

اعتمد المقال على تصعيد لغوي واضح: من الدفاع عن المهداوي إلى الإدانة الشاملة للمؤسسات، مرورا بتشكيك في النية والشرعية، وانتهاء بتوصيف قاتم للحالة المغربية، على النحو التالي:

  • استعمال مكثف لعبارات مثل “العدل الانتقائي”، “الوطن رقعة جغرافية بلا روح”، “القانون أداة انتقام”، وهي تعبيرات مشروعة أدبيًا، لكنها لا تتكئ على معطيات قانونية أو تحليل مؤسساتي دقيق.

  • غياب تام لصوت الطرف الآخر: القضاء، الوزير المشتكي، أو حتى ملخص موضوع الدعوى.

  • توظيف الماضي الملكي (الحسن الثاني ومحمد السادس) لمقارنة ردود أفعالهم بصيغة مثالية، دون ربطها بالسياق القانوني للملف الحالي.

3. ما الذي لم يُكتب؟ (نقد فجوات المقال):

  • غياب المعطيات القانونية الأساسية: لا ذكر لتفاصيل الحكم، لطبيعة الاتهام، للجهة القضائية، أو لحق المتقاضي في اللجوء إلى العدالة.

  • تجاهل الأسئلة المهنية: هل ما نشره المهداوي يدخل في نطاق العمل الصحافي، أم الاتهام الصريح دون أدلة؟ هل تميّز مقاله بالدقة والنزاهة؟

  • الخلط بين التضامن والدفاع الأعمى: لا يُفترض في صحفي محترف أن يتحول إلى محامٍ أو ناطق باسم زميل، بل أن يلتزم بضوابط المهنة في التحليل، حتى في المواقف العاطفية.

4. الأثر والنية: من يخاطب مسكين؟ ومن يخدم المقال؟

  • المقال موجّه أساسًا للرأي العام الصحافي والحقوقي، لكنه يتبنى نبرة صدامية لا تساعد على بناء جسر حوار مع المؤسسة.

  • يكرّس سردية “الدولة القامعة مقابل الإعلام الضحية”، وهي سردية مكرورة، تُضعف قدرة الخطاب الإعلامي على التأثير السياسي الواقعي، لأنها تفتقر إلى اقتراحات عملية أو مطالب واضحة.

5. تحليل الخطاب والأسلوب:

  • اللغة أقرب إلى خطاب سياسي تعبوي منها إلى تحليل صحفي مهني.

  • غياب واضح للمسافة النقدية بين الكاتب والموضوع، وهو أمر يحد من الموضوعية.

  • حضور طاغٍ للعاطفة على حساب العقلنة، وهو ما يجعل النص ملهمًا للقارئ العام، لكنه ضعيف التأثير على صناع القرار أو المدافعين عن إصلاح التشريعات.

6. خلاصة “المغرب الآن”: نحو صحافة تؤثر لا تكتفي بالاحتجاج

ما كتبه يونس مسكين هو تعبير عن وجدان صحفي مسؤول، لكنه في شكله الحالي، يؤسس لخطاب احتجاجي أكثر مما يؤسس لخطاب مهني ضاغط. القضية أكبر من المهداوي، وتتعلق بمسار حرية التعبير ككل، ما يتطلب أدوات تحليل مؤسساتية، وطرحًا يستنطق النصوص القانونية، ويتفاعل مع كل الفاعلين، لا أن يحصر النقاش في ثنائية تبسيطية.

ملاحظة:

“في المغرب الآن، لا ننطلق في تحليلاتنا من أي خلفية شخصية أو نية في التجريح أو الاتهام، بل نمارس صحافتنا وفق قناعة مبدئية بأن التحليل والتفكيك جزء من الوظيفة الأساسية للإعلام المسؤول. ما نقدمه هو قراءة نقدية لما يُنشر في الفضاء العمومي، نسائل فيه الخطاب لا الأشخاص، ونبحث فيه عن البنية والخلفية والسياق والدلالة، لا عن النوايا أو الخصومات. فنحن نؤمن أن الصحافة الجادة لا تكتفي بالنقل بل تساهم في الفهم، وتضيء زوايا النص، وتغني النقاش العمومي بما يعزز الوعي ويعمق النقاش، دون مزايدة أو تحامل.”