بين تحولات الوعي وازدواجية المواقف: قراءة في تدوينة يونس مسكين حول إسرائيل وفلسطين

0
125

في تدوينة مثيرة نشرها الصحفي يونس مسكين على صفحته بالفايسبوك، عبّر عن استغرابه مما سمّاه بـ”خطر غسيل الدماغ” الذي يتعرض له جزء من الرأي العام المغربي، متهمًا بعض الأصوات بمحاولة “تطبيع وجداني وفكري” مع إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية، ومستدلاً بذلك على ما اعتبره بديهيات جديدة يتبناها البعض في التعاطي مع النزاع العربي الإسرائيلي.

تدوينة مسكين تنبني على رفض صريح لفكرة أي تقارب “ثقافي أو سياسي” مع إسرائيل، انطلاقًا من موقفه المبدئي الرافض للتطبيع.

لكن التدوينة، وإن كانت تعكس موقفًا مشروعًا ضمن تعددية الرؤى داخل المجتمع المغربي، تثير أسئلة عميقة حول طبيعة التوازنات السياسية الجديدة التي اختارها المغرب، وحدود الاختلاف المشروع بين مؤسسات الدولة وخطاب بعض النخب الفكرية.

بين بوتين والرباط: هل تقيس الدول مواقفها بموازين “الانتماء”؟

حين استدل مسكين بكلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تحدث عن ميل بلاده لإسرائيل لكونها تضم قرابة مليوني شخص من أصول سوفياتية، بدا وكأنه يرفض أن يُبنى القرار المغربي على أسس مماثلة – أي الروابط البشرية والتاريخية. لكن، هل من المعيب أن تأخذ الدولة المغربية بعين الاعتبار وجود جالية يهودية مغربية كبيرة في إسرائيل؟ وهل يجب تجاهل هذا الامتداد الثقافي والإنساني في رسم سياسات الدولة الخارجية؟

مفارقة المواطنة المزدوجة: حين يُسمح للمسلمين ويُدان اليهود

أحد أوجه التناقض في خطاب الرافضين للتطبيع – كما تُظهر تدوينة مسكين – هو الانتقائية في تقييم الانتماء الوطني. فاليوم، يحمل أكثر من 6 ملايين مغربي مسلم جنسيات مزدوجة ويقيمون في أوروبا وأمريكا والخليج، دون أن يُنظر إليهم كغرباء أو مشكوك في ولائهم. بل إن بعضهم يتقلد مناصب رفيعة، ويمثل المغرب في المنتديات الدولية.

في المقابل، حين يحمل يهودي مغربي الجنسية الإسرائيلية ويحتفظ بجنسيته المغربية، يُسارع البعض إلى نزع صفة الوطنية عنه، واعتباره “جزءًا من الكيان المحتل”. فهل الوطنية تُختزل في الدين؟ وهل يُمكن المطالبة بحقوق المهاجرين المسلمين المغاربة، وفي الوقت ذاته نفي هذا الحق عن اليهود المغاربة؟

الحقيقة أن المغرب الرسمي والوجداني والتاريخي ظل وفيًا لتعدديته، وهو ما يتجلى في إعادة ترميم المعابد اليهودية، وإدراج الثقافة اليهودية في المقررات الدراسية، والاعتراف الرمزي العميق الذي يجسده الخطاب الملكي حول المكون العبري في الهوية الوطنية.

بين التأويل والتأزيم: أين تتجه الصحافة المغربية؟

تدوينة يونس مسكين تسلط الضوء على تحولات عميقة في الوعي السياسي المغربي، لكنها تتعامل معها بمنطق الخوف والتوجس، أكثر من التحليل والتفكيك. فالمقارنة بين الدعم الفلسطيني والتقارب مع إسرائيل لا ينبغي أن تكون صفرية، بقدر ما تتطلب قراءة متوازنة ترى في استرجاع العلاقات الدبلوماسية وسيلة لخدمة مصالح الدولة العليا، دون التفريط في الدعم الإنساني والرمزي للقضية الفلسطينية.

خلاصة

لا أحد يملك تفويضًا حصر الوطنية في زاوية دون أخرى. والتطبيع، سواء اتفقت معه أو عارضته، لا يُلغي حقيقة أن الدولة تتحرك ضمن منطق المصالح الإستراتيجية، لا العواطف فقط. وتبقى الصحافة، إن أرادت أن تظل ضميرًا حيًا، مطالبة بمساءلة هذه السياسات دون شيطنة، وبطرح الأسئلة دون استعلاء، وباستيعاب التعدد لا إلغائه.

ملاحظة مهمة:
هذا التحليل لا يُعد حكمًا قضائيًا ولا تبنيًا لرواية جهة على حساب أخرى، بل قراءة صحافية في قضية رأي عام، تندرج ضمن تعددية المواقف في فضاء ديمقراطي مفتوح.