بين ترخيص قانوني وشبهات خرق للبناء… من يملك الحقيقة في فاجعة فاس؟ تصريحات رئيس مقاطعة زواغة تفتح الباب لأسئلة صعبة حول الرقابة والمسؤولية

0
186

لم تمرّ تصريحات إسماعيل جاي المنصوري، رئيس مجلس مقاطعة زواغة بفاس، مرور الكرام. فالرجل الذي عبّر عن “أسفه العميق” لوفاة 22 شخصاً في انهيار البنايتين، قدّم رواية تحمل في طياتها تساؤلات أكثر مما تقدّم إجابات: البنايتان، بحسبه، شُيّدتا وفق التراخيص القانونية قبل نحو 20 سنة… فكيف انهارتا؟ ومن غيّر طبيعة البناء؟

رواية رسمية تؤكد قانونية البناء… لكنها لا تغلق قوس الأسئلة

يقول رئيس المقاطعة إن البنايات وُلدت من رحم مشروع إعادة الإيواء سنة 2006، حين استفاد سكان الحي من بقع أرضية رسمية وبنوا عليها منازلهم “وفق المعايير والتراخيص الممنوحة آنذاك”.

لكن الرجل يضيف جملة محورية: “قد يكون أصحاب المنازل عمدوا إلى الزيادة في البناء.”

هذه العبارة البسيطة تفتح فجوة عميقة بين مرحلتين:

  • مرحلة البناء الأصلي «القانوني»،

  • ومرحلة التعليّة المحتملة التي لم تُوثّق، ولم تُراقَب، ولم تُبلّغ بشأنها مصالح المقاطعة.

هنا يبرز سؤال جوهري: إذا كانت الزيادات تمت فعلاً، فكيف مرت دون أن تراها أعين مصالح التعمير؟

أين يبدأ دور المقاطعة… وأين ينتهي؟

رئيس المقاطعة نفى بشكل قاطع أن تكون مصالحه قد توصلت بأي طلبات إصلاح من أصحاب البنايات. وهذا يعني واحداً من احتمالين:

  1. إما أن السكان فعلاً لم يقدموا أي طلب رسمي،

  2. أو أن عمليات التعليّة تمت في الخفاء، بعيداً عن المساطر الإدارية.

لكن هل يعفي ذلك الإدارة الترابية من واجب المراقبة؟ وهل تقتصر مسؤولية المقاطعة على “ما يصلها من طلبات”، أم تمتدّ إلى مراقبة التغييرات التي تطرأ على بنايات قائمة منذ سنوات؟

هنا تتسع دائرة النقاش نحو سؤال أكثر عمقاً: هل اختفت البنايات عن الرادار الإداري لمدة 20 سنة؟

بين روايتين رسميتين… تناقض يستحق التوقف

تصريحات رئيس المقاطعة تقول: البناء الأصلي قانوني.

مصادر قضائية في المقابل رجّحت أن انهيار البنايتين مرتبط بـ إضافة طابقين دون ترخيص.

إذن نحن أمام مشهد مركّب:

  • بناء قانوني قبل عشرين سنة،

  • وتعديلات غير قانونية محتملة لاحقاً،

  • وإدارة محلية لم تتلقَّ أي طلب،

  • وسلطات تحقيق تبحث اليوم عن الأسباب الحقيقية.

هذا التداخل يطرح سؤالاً حتمياً: من يمتلك الحقيقة الكاملة: المقاطعة؟ النيابة العامة؟ تقارير الخبرة التقنية؟ أم الوثائق الأصلية الموجودة في أرشيف إعادة الإيواء؟

الناجون… وواقع ما بعد الفاجعة

المنصوري أوضح أن ولاية جهة فاس–مكناس تشرف على متابعة وضعية الناجين. بعضهم أُسكن في فنادق، فيما طُلب من الجيران إخلاء مساكنهم خوفاً من انهيارات جديدة.

هذا المشهد الإنساني يضيف طبقة أخرى من الأسئلة: كم من بناية أخرى تخفي خللاً مشابهاً؟ وهل فاجعة فاس كانت أول ناقوس خطر أم آخره؟

التحقيق القضائي… محاولة لإعادة تركيب المشهد

النيابة العامة أمرت بفتح بحث قضائي تشرف عليه الشرطة القضائية، بهدف تحديد ما إذا كانت:

  • المخالفات في البناء هي السبب المباشر،

  • أم أن هناك عوامل تقنية أخرى،

  • أم أن الأمر خليط معقد بين هشاشة قديمة وخرق حديث.

إلى أن تظهر نتائج هذا التحقيق، تبقى الروايات متعددة، والحقائق جزئية، والأسئلة مفتوحة على مصراعيها.

ما الذي نعرفه… وما الذي لا نعرفه؟

نعرف أن:

  • البنايات بُنيت قانونياً في البداية.

  • هناك احتمال بوجود تعلية غير مرخصة.

  • المقاطعة تؤكد أنها لم تتوصل بأي طلب تعديل.

  • عشرات الأرواح فُقدت بشكل مأساوي.

  • تحقيقاً قضائياً فُتح لتحديد المسؤوليات.

ولا نعرف بعد:

  • كيف مرّت التعليّة دون مراقبة.

  • من غضّ الطرف، إن كان هناك من غضّ.

  • وهل توجد ملفات مشابهة في المنطقة نفسها.

  • وهل ستقود هذه الفاجعة إلى إصلاح حقيقي أم إلى طيّ الصفحة بسرعة.

خاتمة: فاجعة تكشف هشاشة البناء… وهشاشة الرقابة

بين تصريح مسؤول محلي، ومعطيات قضائية أولية، وصورة ميدانية لحي منكوب، تتكوّن ملامح قصة أكبر من مجرد انهيار مبنيين.

قصة تسائل منظومة بأكملها: من يحرس المدن حين يتجاوز البناء حدود الورق؟ ومن يضمن ألا تتحول المخالفات الصغيرة إلى كوارث كبرى؟ وأين تبدأ مسؤولية السلطة وأين تنتهي؟

أسئلة لا تنتظر إجابات عابرة… بل إصلاحات جذرية.