بين تصريحات “لا عطش في المغرب” وواقع خريبكة… أزمة الماء تكشف فجوة الخطاب والواقع

0
332

بينما يؤكد وزير الداخلية عبد اللطيف الفتيت، في تصريحات رسمية، أن المغرب لا يعرف أي جهة محرومة من الماء الصالح للشرب، وأن التزويد يتم بانتظام ودون انقطاعات، تجد مدينة خريبكة نفسها في قلب جدل متصاعد حول هذا الحق الحيوي.

فقد أصدرت السلطات المحلية، ممثلة في باشا المدينة، قرارًا يقضي بمنع أي وقفة احتجاجية أو مسيرة كانت مقررة يوم الثلاثاء 12 غشت 2025، بساحة “المجاهدين” أو أي مكان آخر داخل المدينة، بدعوى أن النشاط يشكل “إخلالًا بالأمن والنظام العامين” ويتزامن مع فعالية ثقافية وفنية في المكان نفسه.

دعوة للاحتجاج ومطالب واضحة

الجمعية المغربية لحقوق الإنسان – فرع خريبكة، التي دعت للاحتجاج، كانت قد رفعت ثلاثة مطالب أساسية:

  1. وقف الانقطاعات المتكررة وضعف صبيب المياه.

  2. تحسين جودة المياه المسمّاة “صالحة للشرب”.

  3. إلغاء ضريبة التطهير المضافة على فواتير الماء.

وفي بيانها، عبّرت الجمعية عن استغرابها من عدم ذكر اسمها في قرار المنع، معتبرة ذلك استمرارًا في “التنكر لوجودها” وحرمانها من حقها في النشاط القانوني، بعد رفض تسلم ملفها القانوني ومنعها من القاعات العمومية والدعم.

صوت الشارع… شهادات من قلب الأزمة

في جولة ميدانية ورصد لصفحات محلية على مواقع التواصل الاجتماعي، عبّر عدد من سكان خريبكة عن غضبهم من الانقطاعات المتكررة للماء.

  • فاطمة (ربة بيت، حي القدس) تقول: “نضطر لتخزين الماء في براميل، لكن مع الانقطاع الطويل تصبح حتى مياه التخزين غير صالحة للاستعمال”.

  • يوسف (عامل، حي الفتح) يشير إلى أن شراء قنينات الماء للشرب أصبح عبئًا ماليًا إضافيًا على الأسر، خاصة مع ارتفاع الأسعار.

  • حسن (متقاعد، حي المسيرة) يصف الماء بأنه “عكر الطعم والرائحة”، مضيفًا أن فاتورة التطهير تثير استياءً أكبر من الخدمة نفسها.

الصور المنشورة من قبل السكان على فيسبوك وإنستغرام تُظهر صنابير جافة، وصهاريج متنقلة لتوزيع الماء في بعض الأحياء، وطوابير لملء القنينات البلاستيكية، ما يعكس حدة المعاناة اليومية.

السلطات ترد: مشكل ظرفي وأشغال طارئة

من جهتها، أوضحت المديرية الجهوية للوسط أن سبب الانقطاع يعود إلى “تسرب طارئ في قناة الجر الرئيسية” التي تغذي خريبكة ووادي زم، بالتزامن مع موجة حر وارتفاع استثنائي في الطلب على الماء. وأكدت أن فرق الصيانة باشرت إصلاح العطب وأن التزويد سيعود إلى طبيعته تدريجيًا.

لكن هذه التوضيحات لم تُقنع العديد من الساكنة، الذين يعتبرون أن الأزمة مستمرة منذ أشهر وأن الحلول تظل ظرفية وغير جذرية.

بين الخطاب الرسمي وواقع الميدان: أسئلة معلقة

هذا التباين بين تصريحات “لا عطش في المغرب” وواقع خريبكة يفتح الباب أمام تساؤلات ملحّة:

  • هل يكفي توصيف المشكل كطارئ تقني لتفسير معاناة متكررة على مدار السنة؟

  • أين تكمن الخلل: في البنية التحتية، أم في التدبير، أم في التواصل مع المواطنين؟

  • كيف يمكن استعادة الثقة بين الساكنة والمؤسسات إذا ظل الخطاب الرسمي بعيدًا عن التجربة اليومية للناس؟

الحق في الماء… والحق في التعبير

الماء ليس مجرد خدمة عمومية، بل حق أساسي تكفله المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب. والمنع الإداري لوقفة احتجاجية تطالب بهذا الحق يثير إشكالًا مزدوجًا:

  • من جهة، المساس بحرية التعبير والتجمع السلمي.

  • ومن جهة أخرى، عدم استثمار هذه المطالب الشعبية كفرصة للحوار وإشراك الساكنة في إيجاد حلول.

خاتمة

أزمة خريبكة ليست حادثًا معزولًا، بل مؤشرًا على تحديات أوسع في تدبير الموارد المائية وضمان استمرارية الخدمة بجودة مقبولة. بين خطاب رسمي يطمئن، وواقع ميداني يشتكي، يبقى الرهان على قدرة الأطراف المعنية – سلطات، مؤسسات، ومجتمع مدني – على الجلوس حول طاولة واحدة للبحث عن حلول مستدامة، بعيدًا عن لغة المنع، وقريبًا من منطق الشراكة والثقة.