بين خطاب الإصلاح وواقع الاحتقان: قراءة تحليلية في كلمة رئيس الحكومة المغربي بإشبيلية

0
276

في كلمة ألقاها رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، يوم الإثنين بمدينة إشبيلية الإسبانية، خلال مشاركته في المؤتمر الدولي الرابع حول تمويل التنمية، بدا الخطاب الرسمي محمّلاً بالشعارات الكبرى عن الإصلاح والعدالة والتنمية الشاملة، دون أن يقدم أجوبة واضحة عن أسئلة جوهرية ظل الملك محمد السادس نفسه يطرحها، وعلى رأسها: أين هي الثروات؟ ولماذا لا تنعكس على حياة المواطنين؟

1. الدولة ذات الدخل المتوسط… لكن أين الأثر؟

يُصنف المغرب، بحسب تعبير رئيس الحكومة، ضمن الدول ذات “الدخل المتوسط”، وهو تصنيف اقتصادي تقني في تقارير المؤسسات الدولية، لكنه لا يعكس الواقع اليومي للملايين من المواطنين الذين يعيشون تحت ضغط الغلاء وتراجع القدرة الشرائية، وانهيار الخدمات العمومية.

فهل نحن فعلاً في خانة الدول “المتوسطة”، أم أن هذا التصنيف يُستعمل لتبرير التوجه نحو التمويلات الخارجية وطلب الدعم؟

2. إصلاحات هيكلية أم شعارات متكررة؟

أخنوش أشار إلى جملة من الإصلاحات التي تقودها حكومته تحت إشراف ملكي مباشر: التأمين الإجباري، تعميم التغطية الصحية، دعم السكن، إصلاح التعليم والصحة… لكن الواقع يقول شيئاً آخر:

  • الأطر الصحية تُضرب احتجاجاً على ظروف العمل.

  • المدرسة العمومية تُفرغ من كفاءاتها.

  • برامج الدعم لا تصل للمستحقين كما يجب.

فأين تذهب الأموال؟ ومن المستفيد الحقيقي من هذه “الإصلاحات”؟ ولماذا لا يلمس المواطن البسيط أي تحسين فعلي في معيشه اليومي؟

3. تعبئة الموارد: من يدفع الثمن؟

أبرز رئيس الحكومة أن المغرب قام بإصلاح ضريبي لتوسيع الوعاء، ومكافحة التهرب. لكن:

  • هل شملت هذه الإجراءات الشركات الكبرى والقطاعات الريعية؟

  • لماذا لا تزال بعض المجموعات الاقتصادية تتمتع بامتيازات ضريبية ضخمة؟

  • هل فعلاً هناك عدالة جبائية؟ أم أن المواطن البسيط هو من يُسدد الفاتورة في النهاية؟

4. البحث عن تمويل خارجي: اعتراف بالعجز؟

حين يؤكد رئيس الحكومة أن حاجيات المغرب تتطلب موارد إضافية، فهو يُقر ضمناً بعدم كفاية القدرات الذاتية لتمويل الأوراش الكبرى. لكن الخطير في الأمر، أن هذا العجز لا يتم شرحه بشفافية:

  • هل يتعلق الأمر بهدر مالي؟

  • أم بتوجيه غير عادل للثروات؟

  • أم أن هناك لوبيات مالية تُحكم قبضتها على الاقتصاد الوطني؟

5. أين هي الثروة التي تحدث عنها الملك؟

في أكثر من خطاب، تساءل الملك محمد السادس: “أين هي الثروة؟ ولماذا لا يستفيد منها جميع المغاربة؟”

هذا التساؤل الملكي لم يجد، إلى حدود اليوم، أجوبة واقعية في مواقف الحكومة. بل إن كلمة أخنوش في المؤتمر لم تلامس هذا العمق، وتحدثت عن تطلعات وأوراش، دون مساءلة حقيقة الواقع أو توضيح كيف سيتم ضمان استفادة عموم الشعب من هذه الطموحات.

6. هل نحن بصدد حكومة تنجز في صمت؟

قد يقول البعض إن الدولة تشتغل بحزم وفي صمت. لكن الصمت لا يُبرر غياب الشفافية. الإصلاح لا يُقاس بالكلام عن الإصلاح، بل بنتائجه. والمواطن اليوم لا يريد مؤتمرات دولية، بل يريد مستشفى يشتغل، ومدرسة تُعلّم، وسكن يحفظ كرامته.

خلاصة

ما قدّمه رئيس الحكومة المغربية في إشبيلية هو عرض دبلوماسي لا يخلو من منطق الترويج السياسي الخارجي، لكنه لا يُقنع الداخل المغربي الذي يتساءل عن مصير الثروة، ومآل الإصلاحات، ومتى ستُطوى صفحة المفارقات الصارخة بين الغنى الظاهر والفقر المعمم.

فإذا كانت الحكومة جادة في مسارها، فإن أولى أولوياتها هي المصارحة: من يملك؟ من يستفيد؟ ومن يؤدي الثمن؟

الجواب عن هذه الأسئلة، هو وحده ما يجعل من أي مؤتمر أو إصلاح أو خطاب، فعلاً سياسياً ذا معنى.””