بين خطاب الإنجاز واختبار الحكامة: ماذا يعيق النهوض الحقيقي بالرياضة المغربية؟

0
106

منذ مناظرة الصخيرات سنة 2008، والرياضة المغربية تعيش على إيقاع وعود الإصلاح. استراتيجيات تُعلن، وقوانين تُسن، ومنشآت تُدشَّن، فيما يستمر السؤال الجوهري معلقًا: لماذا لا تنعكس كل هذه الجهود على مختلف الرياضات بنفس القوة والاستدامة؟ ولماذا يبدو أن كرة القدم وحدها تحصد ثمار “المسار الإصلاحي”، بينما تظل الرياضات الفردية والجامعية والهواة عالقة في منطقة رمادية بين الطموح والتعثر؟

قانون 30.09: إطار قانوني متقدم… وتطبيق متعثر

يشكل القانون رقم 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة العمود الفقري للتنظيم الرياضي بالمغرب. وقد جاء، نظريًا، ليؤسس لحكامة حديثة، ويضبط العلاقة بين الدولة والجامعات الرياضية، ويؤطر التمويل والدعم العمومي. غير أن قراءة متأنية في الممارسة اليومية تكشف فجوة واضحة بين النص والتطبيق؛ فجوة تتجلى في شكاوى متكررة من جامعات رياضية حول غموض معايير الدعم، وتأخر صرف الاعتمادات، وغياب آليات طعن مستقلة وفعالة.

هذه الفجوة لا تعني بالضرورة فشل القانون، بل تطرح سؤال تنزيله: هل تُفَعَّل روحه أم يُكتفى بحرفيته؟ وهل تُدار العلاقة مع الجامعات بمنطق الشراكة أم بمنطق الوصاية الإدارية؟

مديرية الرياضة: مركز القرار أم عنق الزجاجة؟

في قلب هذا الجدل تقف مديرية الرياضة، باعتبارها جهازًا تنفيذيًا محوريًا في تفعيل السياسات العمومية الرياضية. غير أن العديد من التقارير الصحفية والبيانات الصادرة عن فاعلين رياضيين تشير إلى أن هذه المديرية تحولت، في نظر منتقديها، من أداة للتنزيل إلى نقطة اختناق بيروقراطية. فقرارات الدعم أو تجميده، حسب هذه المصادر، تُتخذ أحيانًا دون تعليل مكتوب أو آجال واضحة، ما يربك البرمجة السنوية للجامعات ويضع الرياضيين أمام واقع هش.

ولا يتعلق الأمر هنا باتهام مباشر، بقدر ما هو توصيف لاختلال وظيفي محتمل: غياب الشفافية الإجرائية يفتح الباب أمام التأويل، ويُضعف الثقة بين الفاعل الرياضي والمؤسسة الوصية.

التمويل: أولوية للواجهة على حساب القاعدة؟

لا يمكن إنكار التحول الكبير الذي عرفته البنيات التحتية الرياضية بالمغرب، خاصة في سياق الاستعداد لاحتضان تظاهرات قارية وعالمية. غير أن تقارير مدنية وصحفية تثير سؤال التوازن: هل يتم الاستثمار بنفس السخاء في الإنسان الرياضي، وفي التكوين القاعدي، وفي الرياضات التي لا تحظى بزخم إعلامي؟

المقارنة بين ميزانيات المنشآت الكبرى وحجم الدعم المخصص للجامعات الرياضية، خصوصًا الفردية والجامعية، تكشف اختلالًا في سلم الأولويات. اختلال لا يُقاس فقط بالأرقام، بل بمدى استدامة النتائج الرياضية خارج لحظات التوهج الاستثنائي.

شكاوى الجامعات والرياضيين: أعراض لا يمكن تجاهلها

خلال السنوات الأخيرة، تصاعدت أصوات جامعات رياضية ورياضيين ومدربين، عبر بيانات وتصريحات إعلامية، تشتكي من التهميش أو من “تعامل انتقائي” في منح الدعم والاعتراف. بعض هذه القضايا تحولت إلى ملفات رأي عام، كما هو الحال في نزاعات مرتبطة برياضات حديثة أو صاعدة، حيث تتقاطع الأسئلة حول الاعتماد، والشرعية التمثيلية، وحدود تدخل الإدارة.

هذه الشكاوى، حتى وإن اختلفت تفاصيلها، تشترك في نقطة واحدة: غياب مساطر واضحة وشفافة لحل النزاعات داخل المنظومة الرياضية، وهو ما يحول الخلافات التقنية إلى أزمات ثقة.

التعيينات الإدارية واستمرارية السياسات

عامل آخر لا يقل أهمية يتمثل في تواتر التعيينات والتغييرات داخل الأجهزة المشرفة على الرياضة. فالتقارير التي واكبت تعيين مسؤولين جدد في مواقع استراتيجية، مثل مديرية أو مصالح مرتبطة بالرياضة، تطرح سؤال الاستمرارية: هل تتغير الرؤية بتغير الأشخاص؟ أم أن الإشكال أعمق من الأسماء، ويتعلق بثقافة إدارية راسخة؟

في غياب تقييمات علنية لأداء السياسات السابقة، تصبح كل مرحلة جديدة بداية غير مكتملة، ما يضعف التراكم المؤسساتي.

كرة القدم كنموذج… واستثناء

لا يهدف هذا التشخيص إلى التقليل من قيمة الإنجازات الكروية، التي شكلت مصدر فخر وطني. لكنه يطرح سؤال العدالة الرياضية: لماذا نجحت كرة القدم في بناء منظومة شبه متكاملة (تمويل، تكوين، تسويق، دبلوماسية رياضية)، بينما بقيت رياضات أخرى أسيرة الارتجال؟

الجواب لا يكمن فقط في الشعبية، بل في نموذج حكامة أكثر وضوحًا، وشراكات أقوى، وقدرة أعلى على جلب الموارد وتدبيرها.

«بين خطاب الإنجاز وأسئلة الحكامة: كرة القدم في المقدمة… والرياضات الأخرى في الظل – قراءة تحليلية لمناظرة البرلمان حول الرياضة المغربية»

نحو تشخيص موضوعي قبل وصفة العلاج

ما يتضح من هذا الاستقصاء الأولي أن الداء ليس في رياضة بعينها، ولا في شخص أو جامعة، بل في بنية تحتاج إلى مراجعة شجاعة. مراجعة تبدأ بتقييم مستقل لتنزيل قانون 30.09، وتمر بإعادة تعريف دور مديرية الرياضة كوسيط شفاف لا كحَكَم غامض، وتنتهي بإرساء مبدأ المحاسبة وربط الدعم بالنتائج وفق معايير معلنة.

فالرياضة، في نهاية المطاف، ليست ترفًا ولا مجرد واجهة دبلوماسية، بل سياسة عمومية تمس الشباب، والصحة، والتعليم، وصورة الدولة. وأي إصلاح حقيقي يبدأ دائمًا من سؤال بسيط في ظاهره، عميق في جوهره: أين يختل الميزان؟