بين تل أبيب وطهران، تتصاعد مؤشرات سباق غير معلن على قيادة الإقليم، ليس فقط عبر النفوذ السياسي أو التحالفات الدولية، بل من خلال مشاريع الأسلحة النووية والتمدد الاستخباراتي والعسكري. في المقابل، تقف العواصم العربية الكبرى، ومعها شعوب المنطقة، إما في موقع المتفرج، أو في موقع الداعم الصامت لهذا الطرف أو ذاك، في مشهد يعيد إلى الأذهان منطق “الوكالة” لا السيادة، والتبعية لا المبادرة.
لكن من يسيطر على من؟ ومن يدفع الثمن؟
المواجهة بين إسرائيل وإيران ليست مجرد تنافس على الهيمنة الإقليمية، بل تُمثل انعكاساً لصراعات أعمق ترتبط بالنظام الدولي، وإعادة توزيع مراكز القوة في مرحلة ما بعد الحرب الروسية الأوكرانية، ومع تسارع الانكفاء الأمريكي عن بعض مناطق التوتر. في هذا السياق، تشير تقارير من وكالة الطاقة الذرية الدولية إلى أن إيران تمتلك مخزوناً من اليورانيوم المخصب بدرجات مرتفعة تكفي، نظرياً، لإنتاج أسلحة نووية في فترة زمنية قصيرة، بينما تُواصل إسرائيل سياسة الغموض النووي، رغم تأكيدات تقارير مؤسسة “معهد العلوم والأمن الدولي” (ISIS) ومراكز بحثية أمريكية بأن تل أبيب تملك بالفعل ترسانة نووية تتراوح بين 80 إلى 200 رأس حربي، دون أي رقابة دولية.
في ظل هذا السباق النووي، أين هي الدول العربية من معادلة الردع والتوازن؟ وهل أصبح العرب مجرد “جغرافيا” يجري التفاوض عليها بين طهران وتل أبيب وواشنطن؟
المفارقة الكبرى أن بعض الأنظمة العربية باتت تتعامل مع الصراع الإيراني-الإسرائيلي وكأنه شأن خارجي لا يعنيها، رغم أن انعكاساته تطال الأمن القومي العربي، بل وتحدد طبيعة المستقبل الجيوسياسي للمنطقة. بعض الدول تقف في صف “التطبيع الاستراتيجي” مع إسرائيل، تحت ذرائع التنمية والتكنولوجيا، فيما ترى أخرى أن تحالفها مع طهران يشكل حماية من الانكشاف الإقليمي. لكن النتيجة واحدة: العرب خارج دوائر القرار، وخارج معادلة التوازن النووي.
هل يمكن أن نشهد يوماً تحالفاً عربيًا استراتيجياً يعيد صياغة الموقف من التهديدات المشتركة؟
ما يثير القلق أكثر أن العرب، وهم هدف الصراع وميدانه، لا يزالون عاجزين عن تطوير صناعات عسكرية ذات جدوى، رغم الموارد المالية والبشرية المتوفرة. تشير تقارير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) إلى أن معظم الدول العربية تستورد أكثر من 90٪ من أسلحتها من الخارج، في حين أن محاولات التصنيع العسكري المحلي لا تزال محدودة وضعيفة الأثر، بل وتخضع في أحيان كثيرة للقيود المفروضة من الحلفاء قبل الخصوم.
فهل نحن أمام إعادة إنتاج لمنطق “سايكس–بيكو” جديد، ولكن هذه المرة بسلاح نووي وبموافقة ضمنية عربية؟
إن غياب المشروع العربي، ليس فقط في المجال العسكري، بل أيضاً في التصور الاستراتيجي المستقل، يُعمّق من تبعية المنطقة لقوى خارجية، ويحوّل الشعوب العربية إلى مادة تفاوض أو هدف للهيمنة. وفي ظل هذا الواقع، يبدو ضرورياً إعادة طرح السؤال الجوهري:
هل نملك الشجاعة لبناء مشروع عربي مشترك، أم نكتفي بالتفرج على الوليمة وهم يتقاسموننا قطعة قطعة؟