شهد المغرب، في 8 سبتمبر/أيلول الجاري، انتخابات تشريعية ومحلية، تمخض عن نتائجها ميلاد الحكومة رقم 32 في تاريخ المملكة.
وعين الملك المفدى محمد السادس حفظه الله، في 10 سبتمبر الماضي، رئيس حزب “التجمع الوطني للأحرار” عزيز أخنوش، رئيسا للحكومة لأول مرة في تاريخ الحزب، مكلفا بتشكيلها بعدما تصدر حزبه نتائج الانتخابات التشريعية.
لم يتأخر جلالة الملك المفدى محمد السادس حفظه الله، في تطبيق الدستور، ليقدم بعد يومين من الإعلان عن نتائج الانتخابات، على تعيين الملياردير عزيز أخنوش، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، رئيسا للحكومة لأول مرة، وكلفه بتعيين حكومة جديدة.
في ذروة تصاعد الحملة الانتخابية المغربية للانتخابات التشريعية التي أجريت يوم 8 سبتمبر/ أيلول المنصرم، وصف عبدالإله بن كيران الرئيس السابق لحزب العدالة والتنمية (إسلامي التوجه) عزيز أخنوش زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار الذي تصدر حزبه الفائزين (102 مقعد) والمكلف من جانب العاهل المغربي بتشكيل الحكومة الجديدة بأنه “شخص ليست له أيديولوجيا وليس له ماض سياسي”، في إشارة إلى أن أخنوش سيقود البلاد بتوجهات نفعية، وليس له مشروع سياسي يقود به البلاد، ولا يعتمد إلا على المال السياسي ليؤثر به في توجهات الرأي العام، في حين اعتبر أخنوش أن فوز حزبه “يعد انتصاراً للديمقراطية”، مؤكداً على استعداده “للعمل بثقة ومسؤولية مع كل الأحزاب التي تتقاطع معنا في المبادئ والبرامج، تحت القيادة السامية للملك”، فكيف سيحكم هذا الرجل الذي تقدر ثروته بنحو ملياري دولار؟
وأمام التكتم الشديد الذي يطبع مخاض الحكومة المرتقبة، تبقى الأخبار الزائفة مرافقة لانتشار قوائم وزراء جدد، سرعان ما تلغي سابقاتها، كما تغذي الإشاعات الصحافة الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي، إذ تحدث بعضها عن كون جهات عليا في هرم الدولة رفضت للمرة الثالثة لائحة وزراء مقترحين تقدم بها أخنوش، بحجة أنها تضمنت وزراء لم يقدموا شيئاً في القطاعات الحكومية التي أشرفوا عليها سابقاً بالإضافة إلى آخرين لا يتوفرون على الأهلية العلمية والكفاءة الضرورية للاستوزار في حكومة يراد لها أن تكون قوية.
لكن الحكومة التي عين رئيسها قبل أكثر 24 يوما لم ترى النور بعد، ومشاورات تشكيلها مر بحالة ” مريحة وتوافق” وتم الإعلان عن تحالف ثلاثي. وهو ما اعتبره البعض محاولة ” عودة استوزار وزراء سابقين من ناعبي المال العام” ، وفق جميعة حماية المال العام بالمغرب.
في خلفية حالة ما يوصف في الشارع السياسي المغربي بـ “تأخر”، الذي تحول إلى مجموعة من الفرضيات والقيل والقال على سائل الإعلام المحلية، والتي رأت أن الأمر يتعلق بوجود اعتراض على بعض الوجوه القديمة من الوزراء الذين قادوا الحكومة المنتهية ولايتها.
في 22 سبتمبر الماضي أعلن رئيس الحكومة المكلف عزيز أخنوش أن الأحزاب الحاصلة على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية توصلت إلى اتفاق لتشكيل حكومة جديدة تجمع حزبه “التجمع الوطني للأحرار” وحزبي “الأصالة والمعاصرة” و”الاستقلال” المحافظ.
غير أن مصدراً محلياً نفى ذلك، وأفاد أن التحالف الثلاثي (التجمع، والاستقلال، والأصالة والمعاصرة) أنهى بالفعل مفاوضاته بخصوص توزيع الحقائب الوزارية، وتم رفع اقتراحات الاستوزار والهيكلة الحكومية المقترحة إلى العاهل المغربي محمد السادس لممارسة اختصاصاته في مجال التعيين طبقاً للفصل 47 من الدستور.
وأضاف المصدر نفسه أن الملف بيد الملك الذي تبقى له الصلاحية الدستورية في الموافقة على بعض الوجوه المقترحة أو المطالبة بتغييرها. وتوقعت صحيفة “الأخبار” المغربية أن يُعلن عن الحكومة الجديدة خلال الأسبوع المقبل، حيث سيؤدي الوزراء القسم أمام العاهل المغربي.
ترقب من التشكيلة الحكومية الجديدة متى سيعلن عنها، يبدو أن أخنوش سيحتفظ ببعض الوزارء في الحكومة السابقة خاصة ما يسون بوزراء السيادة كوزير الداخلية ووزير الخارجية و الوزير المكلف بالدفاع وغيرهم من الوزرات ذات الطابع السيادي، بإستثناء وزارة العدل، ايضا سيحتفظ ببعض الوزراء اللذين كانت لهم لمسات قوية ونجاحات غير مسبوقة خاصة في مجال “التجارة والصناعة”، لكن تبقى هذه مجرد تسريبات غير نهائية.
وحسب مصادر مطلعة، فلن تشهد الهندسة الحكومية الكثير من التغييرات عن تلك الموجودة حالياً، اللهم إلا تجميع عدد قليل من القطاعات وإعادة انتشارها وفقاً للأقطاب المحدثة، توخياً للفعالية والالتقائية، بهدف تسريع إصلاح عدد من المؤسسات العمومية.
وجدت الأحزاب الثلاثة الممثلة للأغلبية الحكومية الجديدة صعوبات في توفير المرشحين المطلوبين لتولي المسؤوليات الحكومية، خاصة في ظل الشروط المتوافق حولها، من ضرورة تقديم وجوه جديدة لم يسبق لها التواجد في مواقع المسؤوليات الحكومية، والالتزام كذلك بترشيح وجوه نسائية وشباب تحقيقاً للتنوع المطلوب في الفريق الحكومي المقبل.
وتفرض قواعد تقديم المرشحين لمناصب المسؤوليات الحكومية ترشيح أكثر من اسم للمنصب الواحد، وهو ما يزيد من تعقيد البحث عن الكفاءات القادرة على تسيير القطاعات الحكومية.
الاستعانة بالتكنوقراط في قائمة الوزراء المرشحين يزيد من تعقيد العملية، وهو ما يظهر أن “التجمع الوطني للأحرار” الذي سيقود الحكومة المقبلة، قد وجد صعوبات في إقناع حليفيه “الأصالة والمعاصرة” و”الاستقلال” في استقدام كفاءات من خارج الأحزاب لتحقيق السرعة المطلوبة لعمل الحكومة، وهو المطلب الذي كان عزيز أخنوش، رئيس التحالف الحكومي، قد وضعه أمام قيادات الأحزاب التي ستشاركه مقاعد الحكومة، وفق إفادة الصحيفة المذكورة.
في سياق متصل، أفادت صحيفة “الصباح” المغربية أن الوزراء السابقين الذين تعرضوا لغضبة ملكية أو أقيلوا أو استقالوا، لن يكون لهم الحق في الاستوزار في حكومة عزيز أخنوش. وأفادت أن قادة التحالف الثلاثي أبعدوا الوزراء “المغضوب عليهم”، ووضعوا طلباتهم في الرفوف، تفادياً لرفضها من قبل السلطات العليا. وأضافت أن الوزراء الذين ينتمون للأحزاب غير مشاركة في الحكومة، لن يتم استوزارهم تحت غطاء لون سياسي من أحزاب الأغلبية، حتى وإن أبانوا عن كفاءة عالية.
من جهته يرى الأستاذ الباحث في كلية الحقوق بوجدة، بن يونس المرزوقي، فإن الأمر لا يمكن اعتباره بمثابة التأخير، موضحا أن السبب يعود إلى كثافة البرنامج السياسي لهذه السنة، في ظل انتخاب أعضاء مجلس المستشارين ثم النقابات المهنية، فضلا عن انتظار الافتتاح الملكي للدورة الأولى من السنة التشريعية يوم الثامن من أكتوبر الجاري.
“في ظل ضغط الجدول الزمني، من الصعب الحديث عن تأخر تشكيل الحكومة، خاصة أن خطاب الملك من البرلمان يكون عادة موجها إلى كافة ممثلي الأمة قبل تفرقهم إلى أغلبية ومعارضة”.
لا يرى الباحث في العلوم السياسية عبد الرحيم العلام، أن في الأمر تأخيرا، مؤكدا أن الإعلان عن الحكومة يتطلب الاشتغال على هيكلة كبرى تتطلب مجهودا ومفاوضات بين الأحزاب المتفقة على تشكيل الأغلبية.
ولا يخفي أن هناك إكراهات كبيرة ستواجه الإعلان المرتقب، ملخصا إياها في “عدم وجود كفاءات ووجوه سياسية لها تجربة داخل الأحزاب الثلاثة”.
“صفوف هذه الأحزاب يطغى عليها رجال الأعمال عوض السياسيين، فضلا عن ندرة البروفايلات القادرة على الاستوزار خاصة في صفوف النساء”، يقول العلام.
هناك عائق آخر يتعلق برغبة رؤساء الأحزاب الثلاثة المشكلة للحكومة الجديدة بقيادة التجمع الملياردير عزيز أخنوش زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار في الحصول على مناصب قوية وليس مجرد مناصب وزارية عادية أو متوسطة، الأمر الذي سيصعب من مهمة التوافق بين مكونات الأغلبية.
و يرى محللون أن في قوة هذه الحكومة يكمن ضعفها، فإضافة إلى خلافات محتملة حول توزيع الحقائب الوزارية يبقى الخطر أو التحدي الأكبر كامناً في إمكانية انسحاب أي من الحزبين الشريكين، عندها سوف تنهار الحكومة لافتقادها الأغلبية، فكل من حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، يملك القدرة على إسقاط الحكومة في حال انسحابه منها. فإذا انسحب حزب الأصالة والمعاصرة سيبقى للحكومة 188 مقعداً فقط، وفي حال انسحاب حزب الاستقلال سيبقى للحكومة 183 مقعداً فقط، من أصل 198 مقعداً مطلوباً للاحتفاظ بالأغلبية.
سيكون حزب “الحركة الشعبية” الذي نال 28 مقعداً في “مجلس النواب” قادراً على تشكيل فريق برلماني، تماماً مثل حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” الذي فاز بـ 34 مقعداً. كما أن حزب “التقدم والاشتراكية” حسّن نتيجته بشكل كبير بحصوله على 22 مقعداً. أما باقي مكونات المعارضة فلن تتمكن من تشكيل فرق برلمانية، بدءاً بحزب العدالة والتنمية ذي 13 مقعداً يخول له فقط تكوين مجموعة نيابية، وبالتالي سيكون ممثلاً بشكل ضعيف في مكتب مجلس النواب ويصعب عليه رئاسة أي لجنة برلمانية.
أما باقي المكونات السياسية (جبهة القوى الديمقراطية، تحالف اليسار الديمقراطي) فإن تمثيلها في الغرفة الأولى للبرلمان المغربي ذو طابع رمزي إلى حد كبير، إذ سيكون من الصعب حقاً على نواب تلك الأحزاب ممارسة معارضة شرسة، لأن وقت المداخلات الذي سيخصص لهم سيكون ضئيلاً تقريباً.
وعلاقة بالتنسيق، على عكس الأغلبية التي تضطر إلى تشكيل تحالف من أجل تسهيل مهمة الحكومة، فإنه لا يُطلب من مكونات المعارضة العمل في خندق واحد أو متقارب. خلال التجربة البرلمانية الأخيرة، اتجهت بعض أحزاب المعارضة (الأصالة والمعاصرة، والاستقلال، والتقدم والاشتراكية) أحياناً نحو ممارسة الضغط على الحكومة، خاصة على الجانب التشريعي.
فهل ستلجأ أحزاب من المعارضة الحالية إلى التنسيق في ما بينها، رغم اختلاف مرجعياتها وتوجهاتها، عند دراسة مشاريع معينة أو اتخاذ مواقف من قضايا استراتيجية؟ لا يستبعد امحند لعنصر، أمين عام “الاتحاد الاشتراكية” إمكانية التنسيق مع المكونات الأخرى للمعارضة في قضايا معينة، لكن التنسيق لا يعني، حسب تصريحه لصحيفة مغربية، “محو الخلافات والحساسيات”.
الموقف نفسه عبر عنه السكرتير الأول لحزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” إدريس لشكر الذي يعتقد أن التنسيق مع المكونات الأخرى للمعارضة ممكن على الرغم من الخلافات. ويعتزم حزب “الوردة” ممارسة معارضة شرسة قد يتحالف فيها مع بعض الأحزاب اليسارية (التقدم والاشتراكية، الاشتراكي الموحد، فدرالية اليسار) خلال الدورة التشريعية الحادية عشرة.