تاريخ اليهود بالمغرب: ذاكرة مشتركة وهوية مركبة

0
221

تاريخ المغرب لا يُفهم بالكامل دون النظر إلى المكوّن اليهودي الذي شكّل جزءًا من النسيج الاجتماعي والثقافي للبلاد عبر قرون طويلة. هذه الذاكرة المشتركة ليست مجرد سرد للأحداث، بل درس حيّ في التعايش، والتعددية، والقدرة على الدمج بين الاختلافات. في هذا المقال، نسلط الضوء على قراءة الدكتور عيدودي عبدالنبي لتاريخ اليهود في المغرب، محاولين كشف ما يقدمه هذا الإرث من دروس للمجتمع المغربي اليوم، وكيف يمكن استثمارها لفهم الحاضر وبناء المستقبل.

قراءة وحوار مع أفكار الدكتور عيدودي عبدالنبي

في إطار تقليدنا التحريري الذي يجمع بين القراءة التحليلية والمساءلة الفكرية، كان لنا هذا اللقاء الفكري مع الدكتور عيدودي عبدالنبي، الباحث في الشؤون الدينية والسياسية، على خلفية مقاله الغني حول تاريخ اليهود في المغرب. كان هدفنا أن نفهم معه –ومن خلاله– ملامح هذا المكوّن التاريخي للمجتمع المغربي، وأن نطرح عليه، وعلى نصه، أسئلة الحاضر والمستقبل.

الهجرات الأولى… سؤال البداية
يقول الدكتور عيدودي إن الوجود اليهودي بالمغرب ضارب في القدم، وأن أولى الموجات جاءت بعد خراب الهيكل الأول سنة 586 قبل الميلاد، عبر مسارات الفينيقيين واستقرت في مناطق عدة منها ما يعرف بـ”آيت داوود”. نسأله: هل كان المغرب خيارًا جغرافيًا فقط أم فضاءً حضاريًا جاذبًا؟ يجيب بأن المغرب، بحكم موقعه وتنوعه الثقافي، كان دائمًا أرض استقبال، وهو ما تجدد مع الهجرة الأندلسية في القرن الخامس عشر بعد سقوط الأندلس وطرد اليهود والمسلمين.

هوية مزدوجة… بين الأصليين والوافدين
يشرح الدكتور عيدودي أن اليهود المغاربة ينقسمون إلى “أصليين” استقروا قبل الإسلام، و”وافدين” جاؤوا من الأندلس وأوروبا. وهنا نعلّق: إن هذه التركيبة المزدوجة ليست تفصيلاً ديموغرافيًا، بل هي مفتاح لفهم التعدد الثقافي في المغرب، إذ أنتجت شخصية يهودية مغربية هجينة تجمع بين العراقة المحلية والانفتاح الأندلسي والأوروبي.

التعايش… بين النص التاريخي والتجربة الحية
يؤكد الدكتور أن اليهود لم يكونوا غرباء عن محيطهم المغربي، بل تشاركوا مع المسلمين اللغة والعادات والمواسم، مع احتفاظهم باستقلال ذاتي في شؤونهم الدينية والقضائية. ونحن نتساءل هنا: هل كان ذلك التعايش وليد التسامح وحده، أم نتيجة توازنات سياسية واقتصادية؟

السلطان والملاح… رمزية العلاقة مع الدولة
يستحضر الدكتور عيدودي علاقة اليهود بالدولة المغربية، من الإذن لهم بالإقامة داخل أسوار فاس في عهد الأدارسة، إلى إنشاء “الملاح” في عهد المرينيين.




لكنه يلفت خاصة إلى موقف السلطان محمد الخامس الذي رفض الانصياع لقوانين حكومة فيشي التمييزية، مؤكدًا أن اليهود مواطنون مغاربة. في قراءتنا، هذا الموقف لم يكن مجرد قرار سياسي، بل إعلان مبدئي عن مفهوم واسع للمواطنة.

من الاستقلال إلى الشتات… ذاكرة لا تنقطع
يشير الدكتور إلى أن اليهود شاركوا بعد الاستقلال في صياغة ملامح المغرب الحديث، حتى مع موجات الهجرة نحو أوروبا وأمريكا، ظل الارتباط بالمغرب حاضرًا. ونحن نرى أن هذا الارتباط يشكل اليوم رصيدًا ثقافيًا يمكن توظيفه في بناء جسور جديدة بين المغرب ومحيطه الدولي.

سؤال المستقبل
في نهاية حوارنا، ترك الدكتور عيدودي سؤالاً مفتوحًا: كيف يمكن لهذا الإرث أن يلهم الحاضر؟ نحن بدورنا نضيف: إذا كان الماضي قد أثبت قدرة المغرب على احتضان التنوع، فهل نملك اليوم الشجاعة لاستثمار هذه التجربة كنموذج عالمي للتعايش؟

ختام وتحليل: دروس الماضي للحاضر

في وقت يشهد فيه المغرب تحولات سياسية واجتماعية متسارعة، يبرز درس التاريخ اليهودي المغربي كمرآة تعكس قدرة المجتمع على التعايش والتفاعل مع التنوع. تجربة آلاف السنين التي استعرضها الدكتور عيدودي تذكّر صناع القرار والمواطنين على حد سواء بأن قوة الدولة ليست فقط في المؤسسات، بل في قدرتها على احتضان الاختلاف، وضمان حقوق الجميع دون تمييز ديني أو ثقافي.

اليوم، في ظل النقاشات حول الانفتاح الديمقراطي، والمواطنة المتساوية، والاندماج الاجتماعي، يقدم هذا الإرث نموذجًا حيًا للسياسة الواقعية والمبادئ الأخلاقية في آن واحد. السؤال الذي يفرض نفسه: هل يستطيع المغرب أن يستثمر هذه الذاكرة المشتركة لتعزيز الثقة بين جميع مكونات المجتمع، وتوجيهها نحو مشروع وطني شامل، يربط الماضي بالحاضر، ويصنع مستقبلًا أكثر إشراقًا؟