قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في رسالة، اليوم الجمعة، إن “جرائم المستعمر الفرنسي البشعة لن يطالها النسيان ولن تسقط بالتقادم ولا مناص من المعالجة المسؤولة المنصفة لملف الذاكرة والتاريخ” وتابع “سنطالب بتعويضِ ضحايا التجارب النووية وغيرها من القضايا الـمتعلقة بهذا الملف من فرنسا”.
وأكد تبون أن بلاده ستواصل “بدون هوادة، وبِلا تفريطٍ، استكمالَ مساعينا بالإصرار على حقِّ بلادنا في استرجاعِ الأرشيف، واستجلاءِ مصير الـمفقودين أثناء حرب التحرير الـمجيدة، وتعويضِ ضحايا التجارب النووية وغيرها من القضايا الـمتعلقة بهذا الملف”.
جاء ذلك في رسالة وجهها للشعب الجزائري، بمناسبة الذكرى الـ60 لاتفاق وقف إطلاق النار بين بلاده وفرنسا، والذي يصادف 19 مارس/آذار من عام 1962،
ودام الاستعمار الفرنسي للجزائر بين عامي 1830 و1962، وتقول السلطات الجزائرية ومؤرخون إن هذه الفترة شهدت جرائم قتل بحق قرابة 5 ملايين شخص، إلى جانب حملات تهجير ونهب الثروات.
وبرز في الفترة الأخيرة ملف المفقودين الجزائريين، والذين اغتالتهم فرنسا خلال ثورة التحرير الوطني دون أن يكشف عن مصيرهم، كأحد الملفات العالقة، إذ تطالب السلطات الجزائرية نظيرتها الفرنسية بتقديم المعلومات الكافية المتعلقة بأكثر من “ألفي شهيد مفقود”، وفق إحصاءات الحكومة الجزائرية، أبرزهم الشيخ العربي التبسي، أحد أبرز المراجع الدينية وشيوخ جمعية العلماء المسلمين خلال فترة الاستعمار الفرنسي.
وأبدى الرئيس الجزائري عدم اقتناعه بجدية بعض الخطوات التي اتخذتها باريس إزاء ملف الذاكرة، واعتبر انه يتعين على الجانب الفرنسي “التحلي بالمسؤولية لدى معالجة ونقاش ما جرى خلال الحقبة الاستعمارية”.
وقال تبون: “لا مناص من المعالجة المسؤولة المنصفة والنزيهة لملف الذاكرة والتاريخ في أجواء المصارحة والثقة، هذه المسألة ستظل في صلب اهتماماتنا”.
أجرت فرنسا 17 تجربة نووية في الجزائر بين عامي 1960 و 1966، العديد منها حصلت بعد استقلال الجزائر عن فرنسا عام 1962، بموجب اتفاق بين البلدين.
ولا توجد بيانات جيدة عن آثار الانفجارات على الصحة العامة والبيئة، لكن السكان المحليين يشيرون إلى أن بعض الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من مواقع الاختبار يعانون من أمراض سرطانية وتشوهات خلقية ناتجة عن الإشعاعات.
ويأتي موقف تبون على الرغم من جملة خطوات اتخذها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على علاقة بملف الذاكرة والتاريخ الاستعماري الفرنسي في الجزائر، على غرار الإقرار بمسؤولية الدولة الفرنسية في اغتيال عدد من المناضلين، كعالم الرياضيات موريس أودان، والمحامي علي بومنجل، وحوادث قمع المهاجرين الجزائريين في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961، ومجازر الثامن مايو/ أيار 1945، إلا أن السلطات الجزائرية ترى فيها “خطوات غير كافية ولا ترقى إلى مستوى النزاهة المطلوبة لمعالجة ملفات الذاكرة”.
وكان وزير المجاهدين (قدماء محاربي ثورة التحرير) العيد ربيقة قد أعلن، في يناير/ كانون الثاني الماضي، في جلسة مساءلة في البرلمان، أن “المفاوضات الجزائرية الفرنسية حول ملفات الذاكرة تصطدم بتعنت من قبل الجانب الفرنسي لأجل ربح الوقت واللعب على متغيرات الزمن، ومن أجل تغيير النظرة إلى حقيقة الوجود الاستعماري في الجزائر وباقي الدول، وتصويره على أنه نقل للحضارة”.
ومازالت أحداث ثورة التحرير الجزائرية ووقائع متصلة بممارسات الاستعمار الفرنسي في الجزائر تلقي بتأثيراتها السياسية حتى الآن على العلاقات الجزائرية الفرنسية، إذ كثيرا ما تتأزم العلاقات بسبب ذلك.
وتعتبر جهات مدنية بينها ” Taourirt”، أن المواقع لا تزال ملوثة، مشددين على أن فرنسا لم تشارك المعلومات حول مواقع النفايات النووية التي خلفتها في السنوات الماضية.
وتطالب هذه الجهات فرنسا بتنظيف المواقع وتعويض الضحايا، علما أن البرلمان الفرنسي أقر عام 2010 قانون Morin الذي يهدف إلى تعويض أولئك الذين يعانون من مشاكل صحية ناتجة عن التعرض للتجارب النووية، ولكن بشروط صعب تأمينها لدى الجزائريين، بحسب المجلة.
وفي مايو الماضي، التقى مسؤولون من فرنسا والجزائر، وهم جزء من مجموعة عمل تم إنشاؤها عام 2008، في باريس لمناقشة تنظيف مواقع الاختبار، ولكن لم يثمر ذلك حتى الساعة.
هذا وقرر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في وقت سابق من هذا العام، إطلاق لجنة “الذكريات والحقيقة” بشأن دور بلاده في الجزائر، ومن المرتقب أن تشمل التجارب النووية وما بعدها.